15/06/2020 05:50PM
كتب المحامي توفيق المهتار -محام بالاستئناف- في "السياسة":
"منذ صدور قانون حرية التعاقد رقم 159/92 دأب مالكو العقارات المبنية على تنظيم عقود الايجار بالدولار الاميركي، وذلك تفادياً منهم لتكرار مأساة الايجارات القديمة التي دفعوا ثمنها غالياً من تعبهم وجنى اعمارهم ولا يزالون يدفعون الاثمان حتى تاريخه.
حوالي ثلاثين سنة مرت على صدور القانون المذكور جرى خلالها توقيع عدد غير محدد من عقود الايجار، نكاد نجزم ان جميعها حددت الدفع بالدولار الاميركي. طيلة هذه الفترة لم نسمع صوتاً واحداً يقول بعدم قانونية التعاقد بالدولار الاميركي او بأية عملة أجنبية أخرى. وقد عرض امام القضاء العديد من الحالات المرتبطة بهذه العقود وصدرت الاحكام القضائية التي قضت بوجوب الدفع بالدولار الاميركي اعمالاً لبنود العقد.
اليوم وبعد دخول البلد في الازمة الاقتصادية والنقدية الأخيرة وتدهور سعر صرف الليرة اللبنانية بدأنا نسمع أصواتاً تزعم عدم قانونية التعاقد بالعملة الاجنبية وعدم صحة عقود الايجار المحررة بهذه العملة. فهل هناك فعلاً اشكالية قانونية في عقود الايجار المنظمة بغير العملة اللبنانية وهل يمكن الزام المالك يقبض البدلات بغير العملة المحددة في العقد وتحديداً بالليرة اللبنانية؟ واذا كان صحيحاً وفق أي سعر للصرف؟
ان المبدأ القانوني الذي يحكم هذه الحالة والذي يعرفه المالك والمستأجر وسائر المواطنين هو مبدأ العقد شريعة المتعاقدين. فاستناداً الى هذا المبدأ يمكن لفرقاء العقد ترتيب علاقاتهم التعاقدية كما يشاؤون وتضمين العقود التي يوقعونها أية بنود يتفقون عليها، ومنها بطبيعة الحال تحديد عملة الدفع، ويستتبع ذلك بطبيعة الحال تنفيذ العقود وفقاً لمضمونها ولما تم الاتفاق عليه بين الفرقاء.
اضافة الى مبدأ العقد شريعة المتعاقدين، أجازت المادة 301 من قانون الموجبات والعقود صراحة الإيفاء بالعملة الاجنبية، حيث جاء فيه ان المتعاقدين احرار في اشتراط الايفاء نقوداً معدنية معينة او عملة اجنبية.
الاستثناء الوحيد على حرية التعاقد واشتراط الايفاء بالنقود المعدنية او بالعملة الاجنبية حسب الفقرة المذكورة هو عند توافر حالتين مجتمعتين ومتلازمتين الاولى ان يحصل ذلك في غير الزمن العادي والثانية ان يكون هناك نص قانوني يجبر على التعامل بعملة الورق.
ومن المعروف ان ليس هناك نص قانوني في التشريع اللبناني يفرض التعامل بعملة الورق، حتى القرار رقم 18 تاريخ 26/1/1940 الذي يتذرع به البعض لا ينص على الزامية التعامل بعملة الورق، انما ينص على منع تحرير التعهدات المدنية او التجارية بعملة من الذهب، حتى انه لم يتطرق الى التعهدات المحررة بالعملة الاجنبية .
أما لجهة قانون النقد والتسليف فهو لا يلزم اطلاقاً على التعاقد والايفاء بالعملة الوطنية حصراً ولا يتضمن نصاً صريحاً بهذا الخصوص. حتى نص المادة 192 من القانون المذكور الذي يعاقب من يمتنع عن قبض العملة اللبنانية لا يمنع التعاقد أصلاً بالعملة الاجنبية، وهذا ينسجم مع قواعد النظام الاقتصادي الحر المكرّس في مقدمة الدستور والذي يعني بداهة الحرية المطلقة للتعامل بالعملات الاجنبية واشتراط الايفاء بهذه العملات في العقود المتبادلة.
أمام ما تقدم، وفي ظل وضوح المبادئ والنصوص القانونية وصراحتها تكون قانونية عقود الايجار المحررة بالعملة الاجنبية خارج اي نزاع وهي عقود صحيحة وملزمة للفرقاء وان المستأجر الذي وافق على توقيع عقد الايجار بالعملة الاجنبية لا بد ان يلتزم بالدفع بهذه العملة اعمالاً للعقد ولارادة الفرقاء.
أكثر من ذلك، واذا ما اردنا مجاراة بعض الآراء حول امكانية تمنع المستأجر عن الدفع بعملة العقد وعدم جواز امتناع المالك عن القبض بالعملة اللبنانية سنداً للمادة 192 من قانون النقد والتسليف، فإن ذلك لا يعني أبداً ان دفع البدل في هذه الحالة يتم وفق ما يسمى سعر الصرف الرسمي اي 1507 ليرة.
اذ بعيداً عن مسألة قانونية ودستورية تحديد سعر الصرف في لبنان وصلاحية مصرف لبنان بهذا الخصوص في ظل نظامنا الاقتصادي الحر، فإن مصرف لبنان نفسه بات يعترف بأكثر من سعر للصرف، فبالإضافة الى سعر ال 1507 ليرة هناك سعر الـ 3000 ليرة الذي تعتمده البنوك بموافقة مصرف لبنان وهناك سعر الـ 3200 ليرة الذي يعتمد لدى شركات تحويل الاموال بموافقة مصرف لبنان ايضاً، وهناك سعر السوق الذي ينظم له مصرف لبنان منصة الكترونية قريباً.
في ظل هذه الاسعار المتعددة لسعر الصرف من البديهي القول أنّه يجب اعتماد سعر السوق في دفع بدل الايجار كونه الاقرب الى الحقيقة والأكثر انسجاماً مع النظام الاقتصادي الحر الذي يترك لحركة السوق وقاعدة العرض والطلب مسألة تحديد سعر الصرف. والاهم من ذلك ان اعتماد سعر الصرف يحقق التوازن في العقد ويعكس ارادة المتعاقدين ونيتهم باستيفاء البدل بالقيمة الفعلية له، وهذا هو السبب الاول والأخير لاعتماد الدولار الاميركي كعملة دفع قي العقود منذ عشرات السنين.
أخيراً، وبصرف النظر عن اية تفسيرات قانونية قد تأتي لصالح المالك او المستأجر، فإن المالكين والمستأجرين مدعوون اليوم اكثر من اي وقت مضى الى التعاون في ما بينهم والتوصل الى حلول وسط بخصوص بدلات الايجار تجنبهم النزاعات القضائية وتحقق مصلحة الجميع في ظل الاوضاع الاقتصادية الصعبة التي لا ترحم احدا".
المصدر : السياسة
شارك هذا الخبر
ترامب: تسليم والد مشتبه به في مقتل كيرك لابنه "أمر استثنائي وصعب للغاية"
رجي يلتقي عراقجي في الدوحة: تمسك لبنان بسيادته وحصرية السلاح بيد الدولة
سوريا تضبط كميات كبيرة من الأسلحة المسروقة في ريف درعا
وفاة شخص في نمرين الضنية بعد سقوط صخرة عليه
ستارمر: علم بريطانيا ليس أداة بيد دعاة العنف والانقسام
يوحنا العاشر يلتقي المفتي الرفاعي في دمشق
بدران يرعى حفل التخرّج الأول لطلاب "اللبنانية" في راشيا: الجامعة ستبقى منارة لا تنطفئ
ميقاتي وعائلته: نُدين بشدّة أي محاولة للنيل من سمعتنا
آخر الأخبار
أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني
إشتراك
Contact us on
[email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa