الـ "حزب" والتسوية المقبلة

11/08/2020 09:09PM

كتبت جوزيفين ديب في السياسة: 

‎الثالث من آب ليس كالخامس منه. ليس تفصيلا هذا الكلام. مسار لبنان تغير رأسا على عقب في الرابع من آب. هو الحادي عشر من ايلول اللبناني. لا عودة الى الخلف. عصف التفجير لم يخلف فقط ضحايا وجرحى ودمارا. بل عصف بنظام سياسي وبقوى سياسية طالما تغنت بمكتسباتها من هذا النظام عن غير وجه حق.

‎بين جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005 وجريمة تفجير مرفأ بيروت قواسم مشتركة عدة. لحظة الانقسام السياسي نفسها. محاولة تغيير موازين القوى تتجدد عند كل مفصل. الا انه رغم القواسم المشتركة في التداعيات الامنية والسياسية هناك فارق اساسي مفصلي. موقف الغرب من كيفية مقاربة الازمة اللبنانية وكيفية التعامل مع القوى السياسية اللبنانية.

‎عام 2005 كان للولايات المتحدة الاميركية وفرنسا بشكل خاص وكلاء في لبنان. قوى الرابع عشر من آذار التي تبنت مشروعا سياسيا بوجه مشروع حزب الله والرئيس ميشال عون فشلت في كل شيء. فشلت حتى أوصل تحالف حزب الله والتيار الوطني الحر ميشال عون الى الرئاسة. وعليه، تغير السلوك الغربي هذه المرة. لا وكلاء للولايات المتحدة او فرنسا. بل دخول الى المشهد السياسي اللبناني هذه المرة بالاصالة.

‎وصل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بعد ساعات من التفجير حاملا معه مبادرة. العالمون بكواليس السياسة يقولون أن أهم ما في الزيارة هي محادثة ماكرون مع رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد في قصر الصنوبر.

‎في هذه المحادثة نقل رعد رسالة الى الاميركيين عبر ماكرون هي الاولى من نوعها منذ بدء الاشتباك عام 2005.

‎"جاهزون لطاولة حوار برعاية فرنسية" .

‎ما قاله رعد لماكرون على طاولة قصر الصنوبر ترجمه خطاب الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في تلقفه المبادرة الفرنسية وترحيبه بها.

‎ماذا يعني هذا الكلام؟

‎بعيدا عن التأويلات والتحليلات،  ثمة ما يؤكد أن مستقبل لبنان السياسي يبحث الآن. تماما كما قال ايمانويل ماكرون. حزب الله يدرك ذلك جيدا. يدرك ان المطلوب الوصول الى نصف الطريق، التنازل عن بعض الاوراق التي سبق أن امسكها في السنوات الماضية.

‎الحوار بين ماكرون والنائب محمد رعد استكمل بحديث عن شكل النظام. سارع الرئيس نبيه بري للتأكيد للراعي الفرنسي ان الثنائي الشيعي يرفض المثالثة. وان الاتجاه هو لدولة مدنية علمانية شاملة. أجاب ماكرون بان الوقت الان هو للاولويات ولكن نظام لبنان الجديد وضع على خريطة العمل الدولي مع لبنان.

‎ماذا عن الحكومة المقبلة المقترحة؟

‎اقترح رئيس الحكومة السابق سعد الحريري على المجتمعين على طاولة قصر الصنوبر حكومة وحدة وطنية. فالحريري لم يعد زاهدا في موقفه من عودته الى الحكومة ويدرك انها طريقه الى العودة الى الحياة السياسية. أجاب رعد قائلا ان حزب الله اول من دعا الى حكومة الوحدة ولكن ثمن من عارضها ملمحا الى الاميركيين والمملكة العربية السعودية الذين ضغطوا على سعد الحريري لعدم القبول بتمثيل جبران باسيل في الحكومة. استدرك الموقف ماكرون وأجاب بأنه يتولى حل هذه الاشكالية.

‎كيف سيحل ماكرون اشكالية مشاركة الجميع في الحكومة؟

‎تقول مصادر مطلعة على مضمون طاولة قصر الصنوبر ان ماكرون سيطلب من رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ان يتنازل عن مطلبه في المشاركة في الحكومة على اعتبار موقعه الحساس والتهديد الاميركي بوضعه على لائحة العقوبات. وبالتالي، قد لا يملك باسيل مروحة واسعة من الخيارات سوى الاستجابة للرغبة الدولية بعدم توزيره في الحكومة المقبلة.

بالمقابل لا يبدو رئيس الجمهورية ولا رئيس التيار الوطني في وارد معارضة المساعي الدولية لحل الازمة، او في وارد رفع سقف مطالبهما من اي صيغة مقترحة. فالحكومة المقبلة لا تزال ضبابية وسط تشابك الاسماء والمصالح الدولية والاقليمية فيها. 

‎مشهد زيارة ماكرون ومضمونها السياسي، لا يضاهي بأهميته مشهد وصول ديفيد هيل الى لبنان الاربعاء المقبل. سيقوم هيل بعرض الاوراق الاهم بالنسبة للولايات المتحدة الاميركية واسرائيل. أبرز هذه الاوراق، ترسيم الحدود الجنوبية على ان يأخذ هيل توقيع حزب الله عبر وزير خارجيته نبيه بري على شروط الولايات المتحدة لترسيم الحدود البحرية والبرية. ثاني الاوراق هي السلاح. ليس مطروحا سلاح حزب الله. بل صواريخه الدقيقة وامتداده مع الدول العربية وايران. سيجلس الحزب على طاولة المفاوضات مع علمه أن حليفه المسيحي بات أضعف من السنوات الماضية.

‎أما اسرائيل، فمن غير المستبعد أن تقوم بالانسحاب من مزارع شبعا في مساهمة منها لتحقيق شروط التسوية الكبرى في لبنان. 

‎سيجلس على طاولة المفاوضات لرسم الخريطة السياسة اللبنانية للعقد المقبل الا ان هذه المرة ستكون خريطة مصحوبة بنظام جديد سينتج عن انتخابات نيابية بقانون جديد لا صوت تفضيلي فيه.

‎أما المساعدات التي تصل الى لبنان من كل الدول الغربية والعربية، فهي ليست الا مقدمة لطرح سياسي بدأت عناوينه بالظهور. والتحدي في هذا التوقيت هو بادراك القوى السياسية بأنها أضعف من خلق أزمة أمنية تمكسا بنظام ينازع للبقاء. لان الثابت الوحيد أن لا رعايا للغرب في لبنان. كل القوى السياسية سواسية في قاموس الاميركيين والاوروبيين. واذا ما أرادت فعلا القوى اللبنانيية مواجهة أي وصاية دولية عليها، فما عليها الا الاستجابة لحاجات اللبنانيين واسترجاع ثقتهم. لان خيار المواجهة سيكون هلاكا للقوى نفسها وللبنانيين على حد سواء.

‎وحده حزب الله مدرك لهذه المعادلة . ووحده من سيبادر للتعامل معها في المقبل من الايام.


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa