حزبي وحزب أبي وعودة الحرارة

22/09/2020 03:23PM

(الصورة اعلاه لغدي فرنسيس من مخيّم أشبال الكورة 1997)



كتبت غدي فرنسيس في "السياسة": 

منذ نحو عشرة أعوام، كتبت مقالاً في جريدة السفير كان عنوانه "حزبي وحزب أبي وإرث المرارة". كنت في حينها رفيقة في الحزب السوري القومي الإجتماعي وأشغل مسؤولية مركزية. حتى إنني كتبت المسودة الأولى على حاسوبي أثناء جلوسي في مكتبي في مركز الحزب في الروشة.

يومها، كانت مرارة التجربة الحزبية التي عايشتها في والدي قد أكلتني. كنت قد فقدت الأمل. غبار يأكل المكاتب، روتين سطحي مفتقد للمنطق. قرصنة مستفحلة في وقاحتها. لا فعل حقيقي ولا نور.. اللهم إلا الجمعية، مشكورة... لكن فعلاً، أي سياسي يملك آلاف المؤمنين بقضية معه لا يستخدم انتشاره؟ هل يعقل أن يكون الفشل هو الأجندة؟

ويا ليت المرارة كان سببها الفشل والغبار والإرتهان فقط، إنما كان موضوع الأخلاق غائباً. تآمر، تهشيم، إساءة. في يوم من الأيام اخترع إشاعة عني نائب رئيس الحزب يومها، من بنات فكره وعقده، وأنا من عمر ابنته. نوع من الإبتزاز المقرف.

كان في ذلك المركز شخص واحد نظيف من داخله، رعانا وحفظنا كإناث، رحمة الله عليه وعلى قلبه صبحي ياغي. بصرف النظر عن تجربته، إنما كان ذلك الرجل الأب الروحي لكل جيلنا، الجيل الأخير الذي انتمى بحرارة مؤيدة بعقيدة.

ارتطمت حماستي بأرض واقع ما كان يدور، فوجدت نفسي أشتكي أمام الناس في الصحف... فيحتفى بي، مناضلة أسوة بالكبار وأزهو إذ يفصلني المستولي على الحزب بتهمة " صحافة".. عشرينية تحوّلت من غضبها إلى صحافية...كان المقال اعتراض صريح حريص، ولعلّه في زمانه ومكانه، كان المفترق الذي فيه فضّلت الصحافة على السياسة. والكلام على الصمت. والتمرّد على الترويض. والأمة على الحزب. والنهضة على التنظيم.

اعترضت على مآل الأمور في الحزب، وتشرفت بأن أُفصَل وأن تتم إقالتي لا أن أستقيل...ومضيت إلى الأمة حاملة قلمي، ثم كاميرتي، ثم كتابي، ثم فريقي، ثم شركتي. نجحت، وأجزم بكل تواضع أنني عَبَرت.. وصلت إلى البصرة وجرابلس وغزة، وهم في مكاتبهم الأنيقة يقبعون. أسست شبيبة بأمها وأبيها في العراق وهم منكفئون.

ما فهمته من فكر سعاده ووصاياه، هو العمل المجتمعي الحقيقي، هو العلم بمشاكل شعب الأمة، كل شعب الأمة..هو السعي اليومي على عدد الشهقات والزفرات، لبناء نهضة في كل إنسان، وللصراخ بأعلى وأعتى صوت ممكن وتأثير، وتوعية كل نفس وهيكل وضمير، إلى حقيقة هذه البلاد. عَبَرت.. وفعلاً بتّ حتى حين ألتفت للخلف لا ألمحهم، عبرت عنهم بكثير كثير...

سنوات تلتها سنوات... فكري وهويتي لم ولا يتغيّرا. إيماننا ببلادنا يا سادة لا يمسّه الأفراد.

رغم كل التجارب التي عيّشوني فيها من تخوين وإساءة وحتى اعتداء جسدي، لم تهتز لحظة ثوابتي. هؤلاء لا يعنون لي، الأفراد ليسوا همّي. همّي أمي. همّي بلادي. همي مجتمعي.. هذا سعاده.

وأسأل نفسي دائما، هل يفكر من يمسك قيادة حزب سعاده ولو لحظة يومياً، بالأمة كأمة؟ بحالها؟ هل يفكّر بالقوة الكامنة الأسطورية التي لا يستخدمها ولا يصهرها نحو أي حركة؟

أي غباء؟

كنت أقول لنفسي، من كثرة خوفهم على المقعد، فقدوا العضل الذي يمكن أن يكسبهم مقاعد وكتل. حتى لو كان مشروعهم فردي، ألا يريد هذا الفرد أن يمسك بقوة كبيرة بمقعده؟ أو أن الإذعان سهل وبسيط؟

يقول الكنفاني: إن الخيانة بحد ذاتها ميتة حقيرة.

أقول أنا: إن الإرتهان بحد ذاته إنتحار! فكيف لو أنه ارتهان دام عشرات السنوات. يا للمصيبة!

بكل حال، ولرفعة في النفس وترفّع عن الكيد، نسيتهم.

دافعت عنهم في كل مجلس وكل محفل وكل قصيدة.. لا لإعجابي بهم، بل وفاءاً للعقيدة...

يقول لي غسانيوس، إن أبو صفيّة جنى عليّ بالوعي المبكر، محقّ!

من يعتنق هذا الفكر لا يُعطى خيار الرجوع إلى الضلالة، ولا يتركه هذا الشغف الملتهب الذي يصل النصل بالقلب والعقل والروح. إن حرارة الإيمان لا يمكن أن تستكين. لا تنتهي..فقط تتبدل. 

أكثر من عشرة أعوام على فصلي ولا زلت حيثما حللت أسمعهم يقولون: هوذا فكر القومي يتكلم...

لكنني لم أكن أتخيل يوماً أنني سأرجع إلى مركز الحزب في الروشة، وفي جيبي أمل، وفي قلبي كل هذه الحرارة.

لم أكن أتخيل أن أرى أبي منشغل بهاتفه ونتائج انتخابات قيادة حزبه المترهل بعد كل هذا العمر.

لم أكن أتخيل أن أرجع يوماً... إلى شحذ الإرادات والقدرات.

لم أكن أتخيّل أن أنبري استعداداً لبذل ما أستطيع إليه سبيلاً لاستنهاض هذا الحزب.

لقد بان الأمل في المؤتمر القومي الأخير. لقد استطاعَت الحرارة وبالمؤسسات أن تصنع بداية تغيير. فهيا لنحمي هذا النور، لأن الأمة تنزف وتضمحل فيها المنارات الواعية.

لأننا نحن السيف الأمضى لكسر الحواجز بين المذاهب والطوائف. لأننا نحن المجتمع المدني ونحن الوعي ونحن الصادقون.

عوامل كثيرة، أوقدت بي هذه الحرارة، وليس أبرزها المؤتمر

قبل المؤتمر، كان دم كفتون

وقبل كفتون كان انفجار بيروت

وقبل الإنفجار كانت غضبة تشرين 

وقبل كل هذا وبعده، كان ضلال الأمة وويلاتها...

يقول العلم: قليل من المعرفة يبعدك عن الله وكثير منها يقربك منه.

تماماً

قليل من النضال يبعدك عن الحزب، وكثير منه يعيدك إليه...


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa