سابقة من نوعها ل"ديوان المحاسبة"..خرق ل"حصانة الوزراء"

29/09/2020 06:04AM

أصدر ديوان المحاسبة قراراً بتاريخ 25/9/2020 يلزم فيه وزير الأشغال العامة والنقل السابق محمد الصفدي بدفع غرامة بقيمة مليونين و500 ألف ليرة لبنانية سنداً لأحكام المادة 60 من قانون تنظيم ديوان المحاسبة، بالإضافة الى غرامة تساوي راتب ثلاثة أشهر تحتسب بناءً على الراتب الذي كان يتقاضاه عندما كان وزيراً. المخالفة تتعلّق بتلزيم مشروع إقامة جسور في منطقة البحصاص - طرابلس بناءً على خرائط أولية وقبل استكمال الدراسة العائدة له، مع علمه المسبق بعدم إمكانية تنفيذ المشروع. هذا التحايل على الإجراءات الإدارية والقانونية لإمرار الصفقات وهدر الأموال العمومية، بات نهجاً يسير وفقه معظم المؤتمنين على إدارات الدولة. مع فارق بسيط أن الوزراء المتعاقبين دأبوا على استخدام حصاناتهم للهروب من المساءلة ورمي المسؤوليات على الموظفين الأقل رتبة عبر استخدامهم ككبش محرقة لفسادهم. من هنا، تأتي أهمية هذا القرار الاستثنائي والأول من نوعه في تاريخ ديوان المحاسبة ولو بعد 12 عاماً على القيام بالمخالفة! ورغم هزالة الغرامة، فإنّ أهمية ما جرى هو في أنه يشكّل فرصة لبناء إطار قانونيّ يمكن استخدامه لمحاسبة الوزراء مالياً، وعدم التذرّع بالحصانة الدستورية التي تمنع محاكمة الوزير سوى أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. ويمكن تحويل قضية الصفدي إلى فاتحة لخرق في هذا المجال، ليكون ملفه مقدمة لفتح المزيد من الملفات المشابهة. أما لماذا الصفدي وليس غيره؟ فتقول المصادر المعنية إن «هذا الملف محوّل من التفتيش المركزي منذ سنوات، وبقي نائماً منذ ذلك الحين الى أن وجد العاملون في الديوان ما يخوّلهم محاسبة الوزير وفق قوانين تنظيم الديوان وبشكل مُحكَم حتى لا يتمكّن المدعى عليه من نقضه أو إسقاطه مستعيناً بحصانته أو بعدم اختصاص الجهاز الذي يريد محاسبته».

بدأ مسار محاسبة الصفدي بتاريخ 9/4/2020، بناءً على قرار صادر من الديوان (239/ر.ق.) في إطار الرقابة القضائية على الموظفين. وطلب فيه الى كل من: الصفدي والمهندسين جوزيف بو سمرا وحسن خوندي وعماد الحاج شحادة بيان دفاعهم عن المخالفة المنسوبة إليهم خلال مهلة 60 يوماً، وهو ما حصل فعلاً.

في ما يتعلّق بالصفدي، نسب إليه الديوان الأفعال الآتية: 1- قيامه بإحالة ملف تلزيم أشغال مشروع إقامة جسور في منطقة البحصاص الى إدارة المناقصات بناءً على مستندات الدراسة المسلّمة إليه مباشرة من قبل الاستشاري «يونيتيك» قبل أن تكون لجنة الاستلام المعنية قد تسلّمت دراسة نهائيّة. 2- عدم قيام الصفدي بإحالة مستندات الدراسة الى دائرة الدراسات الفنية وفق التسلسل الإداري. 3- استعجال الإدارة في استكمال الدراسة وملف تلزيم الأشغال وإصراره على قيام الموظفين بإنجاز كل المراحل المطلوبة وتوقيع الإحالات والمستندات اللازمة في مكتبه وفي يوم واحد.

وقد أشار تقرير الديوان بناءً على ما أدلى به الصفدي نفسه، إلى أن «جلسة تلزيم المشروع عقدت فعلاً على مرحلتين في الشهر الثامن من عام 2007 وفي إدارة المناقصات وأرسي الالتزام حينها بشكل مؤقت على شركة الشرق للمعدات». لكن الالتزام نفسه فسخه بعد عام وزير الأشغال الذي تسلّم المنصب بعده أي غازي العريضي بناءً على طلب مقدّم من الشركة الملتزمة «نظراً إلى صعوبة التنفيذ وضرورة تعديل مسارات البنى التحتية بكلفة عالية». هكذا، أهدرت الأموال على الدراسات والمشاريع غير القابلة للتنفيذ وبصورة غير قانونية لأسباب لا تتعلق بالمصلحة العامة طبعاً، إنما بغاية لا ينتفع منها إلا الصفدي والشركة. وفي معرض تبريره لما حصل، أوضح الصفدي أنه لم يعلم بوضع هذا المشروع في الموقع الذي سيجري فيه التنفيذ، لكنه لم ينفذ الى اليوم، سوى من الوسائل الإعلامية. لكن اتضح أن دفاع الوزير السابق يتعارض مع الوقائع، إذ إنه لم يعمد وفق تقرير الديوان، «الى تجميد المشروع ووقف تنفيذه، بل تابع السير به وقام بتصديق الالتزام كما وضع الحجر الأساس للمشروع، الأمر الذي يضعف الى حدّ بعيد الدفاع المدلى به ويفقده مصداقيته». خطأ الصفدي المرتكب يتمحور حول إرسال ملف الدراسة الأولية المسلّمة من الاستشاري الى إدارة المناقصة قبل إنجازها كاملة وقبل أن تكون معدّة للتلزيم. هذا الأمر أدى الى التلزيم ومباشرة الملتزم بالعمل بموجب دراسة أوّلية غير مكتملة تبيّنت في ما بعد الحاجة الى تعديل بنودها وكمياتها وكلفة الالتزام. اللافت أن الصفدي أعاد إرسال الملف نفسه مرتين الى إدارة المناقصات حتى بعد إبداء الإدارة ملاحظات حول الملف الأول، وقد تمّ إجراء التلزيم على أساسها. ما سبق يشكل مخالفة «ارتكاب خطأ أو تقصير أو إهمال، من شأنه إلحاق ضرر مادي بالأموال العمومية أو الأموال المودعة في الخزينة المنصوص عليها في الفقرة 8 من المادة 60 من قانون تنظيم ديوان المحاسبة». كما يشكل مخالفة للنصوص المتعلقة بإدارة أو استعمال هذه الأموال التي نصّت عليها الفقرة 10 من المادة نفسها. هذه المخالفة معطوفة على استعجال الموظفين والضغط عليهم لإنجاز المعاملات في يوم واحد، كما تخطّيه الأصول القانونية والإدارية في إعداد ملفّ التلزيم وإرساله الى إدارة المناقصات حتى قبل تسلّم الدراسة من قبل الإدارة، موثقة في الإفادات التي أدلى بها كل من رئيس الدراسات الفنية ورئيس مصلحة التصميم والبرامج والمدير العام للطرق والمباني الذين كانوا يتولّون هذه المناصب في حينه. كما أنها موصوفة في التحقيقات التي أجراها التفتيش المركزي ومعززة بالكتاب الرقم 319/ص تاريخ 24/8/2005 الموجّه من الوزير الى المدير العام والذي يؤكد فيه ضرورة «إجراء ما يلزم من تصحيح لبعض الكميات الواردة في ملف التلزيم نظراً إلى السرعة في إعداده بناءً على توجيهاتنا».


المصدر : الاخبار

شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa