الترويكا ولدت من جديد.. فهل تقوى على جبران باسيل؟

21/10/2020 07:17PM


كتبت صفاء درويش في السياسة: 

لا يختلف الرابع من آب كثيرًا عن الرابع عشر من شباط. فقبل 15 عامًا ساهم التفجير الأمني الذي اغتال الرئيس رفيق الحريري  في نقل البلاد من دفّةٍ إلى دفّة، وكذلك يفعل الرابع من آب اليوم بعدما اغتال أبرياء وسعى آخرون لاستثماره في اغتيال العهد وتياره السياسي. 

بعد اغتيال الحريري وُلدت تحالفات سياسية لم تكن بالحسبان، فعمدت بعض الأحزاب وبناءً على غمزٍ خارجي إلى التقارب مع أحزاب من الشارع الآخر، فأنتج الحوار الإقليمي حول لبنان ولادة حلف رباعي بقي التيار الوطني الحر وحده خارجه. 

اليوم، يتكرّر المشهد، وكأن عقارب الساعة في لبنان لا تدور إلى الأمام، بل تعود في كلّ مرّة إلى نقطة الإنطلاق نفسها، كما يعود سعد الحريري في كل مرّة من الهامش إلى داخل الحياة السياسية متمركزًا في السراي الحكومي.

بحسب المعطيات المتوفّرة، أتت المبادرة الفرنسية بعد زيارة ايمانويل ماكرون إلى بيروت لترعى قيام جبهة سياسية كبيرة تدخل هي عبرها إلى الإقتصاد اللبناني. ففي الأسبوعين الأخيرين برز كثيرًا اصرار فرنسا على تسمية الرئيس سعد الحريري لرئاسة الحكومة. نجح هذا المسعى في تذليل العقبة الإقليمية لتأتي فرنسا بـCarte Blanche أميركي يضمن عدم اعتراض السعودية على اسم الحريري، فيما سعت بإتصالات مع بيروت لضمان تسمية الحريري من قبل عدد من الكتل النيابية. فحركة أمل والحزب التقدمي الإشتراكي وعدد من الكتل الصغيرة داخل المجلس قررت السير بالرغبة الفرنسية لتسمية الحريري، راضية بقسمتها ونصيبها ربّما. هذا المشهد، اضافة لاعلان التيار الوطني الحر والقوات عدم تسميتهم للحريري، يفيد بأنّ مشهد الترويكا عاد ليتكوّن من جديد بغض نظر، وربّما تسليم، من حزب الله.

هذا التحالف لا يُنذر سوى بالأخطر، فأتت كلمة الرئيس ميشال عون اليوم لتؤكد على الحقوق. فماذا لو قرر الوزير جبران باسيل عدم دخول حكومة يرؤسها من فشل في 3 حكومات سابقة، من سيسمّي الوزراء المسيحيين خارج حصة الرئيس؟ الإجابة واضحة: الرئيس نبيه بري والرئيس سعد الحريري.

المنطق هذا يعود ليسود اليوم لسبب واضح ووحيد، أنّ التيار الوطني الحر بشخص رئيسه جبران باسيل، ومن خلفه الرئيس ميشال عون هو الوحيد تقريبًا من بين مختلف الأفرقاء والكتل داخل المجلس النيابي الذي لا يتلقّى إملاءات خارجية، أكان من دولة معينة أم من محور بأكمله.

هذا اليُتم الدولي، دفع التيار ثمنه منذ العام 1989، ويعود اليوم ليسدّد فاتورة حياده الفعلي عن المحاور المتصارعة، ولكن الأكيد، وبحسب أجواء التيار والقصر الجمهوري، فإن كل المحاولات لإحراجه وإخراجه لن تنجح. فالتيار، الذي لن يكون حجر عثرة أمام الحلول، ولن يعرقل الإتيان برئيس حكومة يجاهر هو بالعداء له، ستكون شروطه واضحة لجهة قيام حكومة متوازنة تمثّل الجميع وتراعي دقّة المرحلة ولا تغلّب طرفًا على آخر، فتكون الكرة في ملعب سعد الحريري إن أراد النجاح أم اختار البقاء في خانة الفشل.

وبعيدًا عن التسمية والتأليف، يبدو أن البلاد دخلت بشكل فعلي في زمن جديد من أزمنة الترويكا، فيبدو واضحًا كم الإلتصاق في القرار والخيار بين عين التينة وكليمنصو وبيت الوسط. من جهة الرئيس بري فالأمور كانت أوضح من الآخرين، فبري ينادي بضرورة عودة الحريري منذ البدء، أمّا جنبلاط فيبدو أن أسلوبه الإبتزازي نجح هذه المرة مع الحريري، معيدًا تقديم نفسه كبيضة القبّان. استغلّ زعيم المختارة حاجة الحريري لصوت كتلته ليضمن دخول السراي الحكومي بحوالي الخمسين صوتًا أو أكثر بقليل (التكليف الأضعف لرئيس حكومة منذ الطائف)، فرفع في مقابلة تلفزيونية من سقف مطلبه ليكون وزارة وازنة ووزارة مقبولة، فأعطاه الحريري ما يريد. هذا الحب المتبادل سيتحوّل على طاولة مجلس الوزراء لعشق ممنوع، فتعود الترويكا كما في التسعينيات لتسعى من أجل فرض ما تريد، ولكن هذه المرة هناك من سيعارضها داخل قاعة الإجتماعات.

من جانبه، لا يجد التيار الوطني الحر وجبران باسيل نفسيهما في أي خندق سياسي، فلا هم يتشاركون مع أي طرف سياسي بمشروع مصلحي ما، ولا هم مرتبطون بأجندة سياسية معينة. جلّ ما يقود حراكهم السياسي هو مصلحة الناس، فتكون هذه القاعدة هي بوصلة التواصل السياسي داخل المؤسسات.

عادت حليمة لعادتها القديمة وعادت الترويكا لترى النور مقنّعةً بحلف رباعي غير متين، ليبقى السؤل: هل ستنجح الترويكا في وضع يدها على لبنان من جديد أم أنّ في زمن جبران باسيل لن تسير الرياح كما تشتهي سفنها؟


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa