العائدون من الموت السياسي

27/10/2020 09:52AM

كتب ايلي نجار في "السياسة":

النّاس كلّها مشغولة في لبنان بكيفيّة إعادة الحياة إلى العجلة السياسيّة لتستقيم الأوضاع  لا سيّما الاقتصاديّة منها لكنّ الفريق الذي اعتاد على العمل المخابراتي الدّسائسي ما زال يصوّب سهامه على أكثر فريق سياسي يقلقه ولا يسمح لمستزلميه ما بين سوريا وإيران بالانقضاض على ما تبقى من هيكليّة للدولة في لبنان.

ويقود حزب الله بأبواقه الاعلاميّة المعروفة، حملة مبرمجة على أيّ كيانيّ لبنانيّ صميم تسوّله نفسه بإطلاق أيّ موقف سياسي يتناقض مع موقف ما لهذه الطغمة السياسيّة الحاكمة والقابضة على رقاب البلاد والعباد. ولا يخفى على أحد أنّ الجميع قرّر المهادنة والدّخول في صفقات وحسابات انتخابيّة، ولو مبكرة، ليحفظ له مكانًا في السلطة السياسيّة التي ستنتج عن أيّ انتخابات نيابيّة قد تحصل أو أنّ بعض هؤلاء يسعى من اليوم إلى ضرب مجرّد فكرة إجراء انتخابات نيابيّة، ولو في موعدها، للحفاظ على المكتسبات التي أمّنتها له تحالفات انتخابات 2018 الخاطئة التي نقلت الأكثريّة النيابيّة من أيدي الأحرار لتضعها بأيدي الأزلام.

ولم يعد خافيًا على أحد أنّ القوّات اللبنانيّة هي  الفريق الوحيد الذي حافظ على ثباته في  مواقفه، لا بل أكثر من ذلك بكثير، فهذا الحزب الوحيد في لبنان الذي زهد بأيّ مكتسبات أو مراكز سياسيّة، وترفّع عن المطالب الماديّة في بازارات المحاصصة الخدماتيّة. لذلك صار محطّ أنظار الداّخل والخارج في الأداء السياسي. المفارقة الواضحة في هذا السياق أنّه صار الهدف المشروع للقضاء عليه بالنّسبة إلى المحور السوري- الايراني الذي يدير مصالحه حزب  الله في لبنان. من هنا، تعالت هذه الأبواق ودارت محرّكات المخيّلات السبيلبرغيّة لفبركة الأخبار والأفلام. فشهدنا على سبيل المثال لا الحصر، كيف استغلّت صحيفة الأخبار العشاء الذي جرى بين النّائب السابق وليد جنبلاط ورئيس حزب  القوات اللبنانيّة الدكتور سمير جعجع لتنسج فيلمًا من سلسلة حرب النّجوم إنّما على كوكب  الأرض أبطاله 15000 مقاتلا من خيال الأخبار. وسارع زعيم المختارة ليكذّب هذه الافتراءات على الهواء مباشرة.

والمدهش أكثر في هذه الجماعات ليس فقط كيفيّة كذبها،  بل مشكلتهم في أنّهم يكذبون الكذبة ويصدّقونها. يكفي لأيّ مراقب أن يتصفّح حسابات من يدين بالولاء  لهذا المحور  ليلاحظ المستوى المتدني الذي وصل هؤلاء إليه. يتمّ متابعة الحملة عينها وبالأساليب نفسها باستحضار العائد من موته السياسي النائب السابق نجاح واكيم مختلقًا فيلم مخازن الأسلحة في الأديرة وفي بشريّ. لكأنّ هذا السلاح مصنوع من البلاستيك كي لا يصيبه الصدأ والهريان مدّة ثلاثين سنة. أو أنّ رهبان الأديرة قد قاموا بتحنيطه. هذا الاستخفاف بعقول النّاس وبقدراتهم المعرفيّة والثقافيّة يبيّن أنّ هؤلاء ما زالوا فعلا يعيشون في خمسينيّات القرن المنصرم، زمن صعود الناصريّة والقوميّة والبعثيّة.

خلاصة القول، مسار التّاريخ واضح وهو لن يرجع إلى الوراء ليس لأنّ القوّات أو من يناصر هذا الحزب يريد ذلك بل لأنّه المسار الطبيعي؛ والذين يسيرون بعكسه هم حتمًا ساقطون. ولن يستطيع أحد أن يبقى في  ظلّ سيره عكس مواكب شمس الحريّة الكيانيّة. هذه الحريّة التي تعتبر علّة وجود الانسان والشعوب كلّها. ماذا وإلا لكانت النازيّة والفاشيّة والأمبراطوريّة اليابانيّة والعثمانيّة لا زالت كلّها حاكمة.

من لم يعتَدْ بعد على أنّ الدّولة هي الوحيدة التي ستبقى سيندثر كالرماد مع رياح تشرين التي هبّت. ولن تستطيع هذه الرياح أن تعش الروح الوطنيّة إلا إذا قالت الحقيقة مهما كانت صعبة، واعترفت لأصحاب  الحقّ بحقّهم. هؤلاء كلّهم العائدون من موتهم السياسي لن تنفعهم هذه الحملات، ولن يعودوا إلى الحياة السياسيّة لأنّ التاريخ قد لفظهم بسبب انتهاء مفاعيل فكرهم الرّجعي المحنّط غير القابل للحياة. ومن له أذنان للسماع فليسمع.


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa