48 ساعة حاسمة للتأليف.. ومخاوف من "كورونا" وفلتان السلاح

31/10/2020 06:29AM

يُسجّل لتكليف الرئيس سعد الحريري هذه المرّة، أنّه الأول في تاريخ حالات التكليف المشابهة له، الذي يترافق بعد أقل من ثلاثة أيام على إتمامه، مع إشاعة مناخات إيجابية توحي بأنّ ولادة الحكومة مسألة أيّام قليلة. وما زالت هذه المناخات هي المسيطرة على المشهد الحكومي، مع ارتفاع ملحوظ في منسوبها، بدا أنّه يؤشّر الى بلوغ طبّاخي الحكومة مرحلة العدّ التنازلي لولادتها، ضمن سقف زمني لا يتعدّى 48 ساعة على الأكثر.

وإذا كان الرئيسان ميشال عون وسعد الحريري، ومن خلال لقاءاتهما التي توالت في الأيام الأخيرة، يحرصان على إشاعة هذه المناخات الايجابية بحديثهما عن تقدّم تارة وعن تفاهم تارة أخرى، إلاّ أنّهما، وبحسب الأجواء المحيطة بهما، لا يفرطان لا في التفاؤل ولا في التشاؤم، ويتجنّبان الدخول في لعبة المواعيد، التي تحدّدها «شلّة المبصّرين» في فنجان الرئيسين، بل أنّهما ماضيان في نقاش تفصيلي حول كل ما يتصل بالهيكل الحكومي، تاركين لولادة الحكومة أن تخبّر عن نفسها بنفسها حينما تنضج ظروفها، وأما متى ستنضج هذه الظروف، فالعلم عند الرئيسين عون والحريري وحدهما!

تبعاً لهذه المناخات، فإنّه لم يسبق للمواطن اللبناني أن وقع في حيرة كما هو حاله في هذه الأيام، في كيفية مقاربة «ايجابيات» لا يعرف نوعها أو حجمها أو مدى واقعيتها وجديّتها، وبعيداً من تشويش المبصِّرين، هو مضطرٌ لأنْ يصدّقها كونها صادرة عن الرئيسين الشريكين في تأليف الحكومة، اللذين باتا في نظر المواطن اللبناني ملزمين بترجمة سريعة لها، وخصوصاً بعدما أشعراه بأنّهما يقاربان ملف التأليف بجديّة وتعاون لم يُعهدا في مراحل تأليف الحكومات السابقة.

لا يُبالغ المواطن اللبناني في استعجاله هذا، لأنّه الوحيد المكتوي بنار أزمة، وُعد بأنّ مطافئ حريقها ستوفرها الحكومة الجديدة وبرنامجها الإصلاحي والإنقاذي. ولا يخطئ المواطن أبداً إن جاهر بأعلى صوته، بأنّ لا عذر للرئيسين في مزيد من التأخير، وفي عقد لقاءات تلو لقاءات، تُغلَّف بالحديث عن تقدّم وتفاهم، فيما هي قد تكون في جوهرها غارقة في تفاصيل شكلية، تراوح عند الأحجام والحصص والحقائب و«الثلث المعطل» ومحاولات إبعاد لهذا الخصم، ومحاولة إرضاء لهذا القريب او ذاك الحليف او الصديق!

المواطن اللبناني في ترقّب حذر لمسار تأليف الحكومة، تتجاذبه من جهة رغبة جامحة في أن يرى تلك «الإيجابيات» المحكي عنها، وقد جرى تقريشها بنقلة حكومية نوعية، ومن هنا لسان حاله يقول، إنّ الرئيسين ليسا امام سقف زمني مفتوح لتحقيق هذه النقلة، ومن جهة ثانية خوف كبير من أن يُصدم بأنّ هذه الإيجابيّات ما هي إلاّ أبر مخدرة، وغيوم حاجبة لـ«جبل حكومي وهمي»! 

جوهر استعجال المواطن هو حلمه بحكومة تنتشله من بين عدّادات الشؤم، التي تمرّك ارقاماً موجعة في مختلف المجالات:

- أرقام الإصابات بفيروس «كورونا» التي اصبحت قياسية وتقترب من 100 الف اصابة، وبدأت تطرق باب الـ2000 إصابة يومياً، ولم يعد مجديًا معه أي كلام، لا عن تقصير سلطة فاقدة كل حواس المسؤولية، ولا عن اهمال مواطن مجرم بعدم تقيّده بالإجراءات الوقائية البديهية، بحق نفسه واهله ومجتمعه. ولعلّ هذا الخطر، يحفّز فريق التأليف على التسريع بحكومة قرارات جريئة، لمكافحة هذا الوباء الذي يهدّد ارواح كل اللبنانيين بالدمار الشامل. 

وقد لفت في هذا الاطار، ما قاله وزير الصحة حمد حسن لجهة الإقفال التام، وكذلك ما أكّد عليه رئيس لجنة الصحة النيابية النائب عاصم عراجي، حول ما وصفه «الإقفال العام ضروري»، الّا انّه اشار الى انّ «هذا الاقفال لن يأتي بالنتيجة المطلوبة، من دون تطبيق الإجراءات والتزام كامل وشامل من الجهات والقطاعات كافة».

وكشف عراجي، أنّ «لقاح كورونا لن يصل الى لبنان قبل منتصف عام 2021، وذلك بعد التأكّد من انّه آمن وفعّال بالدرجة الأولى». 

ونبّه الى أنّ «الوضع الصحي حرج ويتطلب مزيداً من الجهود من المستشفيات الخاصة، خصوصاً على أبواب الشتاء، في ظلّ التخوف من موجة جديدة لكورونا»، مشدّدًا على «وجوب زيادة عدد الأسرّة بأسرع وقت، وفتح أقسام لمرضى كورونا في جميع المستشفيات الحكومية والخاصة من دون استثناء».

- أرقام السرقات وعمليّات السطو على المنازل والمحال التجارية والدوائيّة، والنشل والتشليح على اختلافها، والتي بلغت حداً قياسياً في مختلف المناطق. والتي بدأت تشيع جوًّا من الذعر والقلق الشديد لدى المواطنين الآمنين.

- أرقام سرقات السيارات التي تزايدت بشكل كبير في أكثر من مكان.

- أرقام جرائم القتل التي ارتفعت معدلاتُها بشكلٍ مخيف. وصارت كمسلسل يومي يتنقل بين منطقة واخرى.

- أرقام الاعتداءات، والافتراءات، والخوّات، التي بلغت مستويات شديدة الخطورة جراء فوضى السلاح المتفلّت.

- أرقام الأموال المسلوبة يوميًّا من المواطنين، التي ذابت بالكامل في سوق الدولار السوداء، أو جراء ارتفاع اسعار السلع الغذائية والاستهلاكية الاساسية بشكل جنوني، على مرأى ومسمع السلطة القائمة التي تكتفي بالتفرّج، من دون ان تُقدم على قرار تستر فيه عجزها وتراخيها الوقح امام هذه الجريمة.

- أرقام الفقراء التي لم تعدْ مراكز الإحصاء قادرة على احصائها، فخط الفقر صار نعمة، امام الحال الذي انحدر اليه الناس، إذ أنّ بعض تلك المراكز، تقدّم صورة اكثر من سوداوية واكثر كارثيّة، وتشير الى أنّ نسبة الذين أصبحوا تحت خط الفقر المدقع بدأوا يقتربون من نسبة الـ70% من الشعب اللبناني.

- أرقام العجز في المالية العامة التي بلغت حداً خيالياً، باتت معه كل خيارات معالجته غير متاحة او بمعنى ادق منعدمة.

- أرقام الخسائر المالية في مختلف القطاعات، والإفلاسات المتتالية لآلاف المؤسسات، وما نتج منها من جيش للمسرّحين والعاطلين من العمل. 

-أرقام المهاجرين التي تسجّل ارتفاعاً رهيباً، للقاصدين بلاد الله الواسعة، بحثاً عن الرزق ومورد العيش، بعدما انعدمت السبل امامهم في بلدهم.

- أرقام ايام الانتظار التي تُهدر منذ الانفجار الكارثي في مرفأ بيروت في الرابع من آب، من دون ان تصدر نتائج التحقيق بما تسبّب به، ومن دون ان توفي السلطة بالوعود المتتالية بالتعويض على آلاف المواطنين الذين حلّت بهم هذه الكارثة.

يُضاف الى ما تقدّم، أنّ مسار التأليف، ووفق ما يرشح حوله من معلومات، لا يزال بدوره عالقاً ايضاً في دوّامة الرصد وإحصاء الأعداد والارقام؛ 

- عدد اللقاءات بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف حول ملف التأليف، التي تتمّ بوتيرة يومية ومن دون تحديد سقف زمني لها. والتي تكتفي فقط بضخّ ايجابيات ولكن من دون تظهير حجمها وماهيتها. وثمة تشكيك بأنّها لو كانت هذه الايجابيات جديّة فعلاً لكانت اقترنت بما يترجمها. (اللافت في هذا السياق، مبادرة «تكتل لبنان القوي» الى تقديم اقتراح تعديل دستوري يرمي الى تحديد الفترة الزمنية لدعوة رئيس الجمهورية للإستشارات النيابية بشهر واحد، كما تحديد مهلة شهر للرئيس المكلّف لتشكيل الحكومة). 

- عدد وزراء الحكومة والجدل القائم حول حكومة من 18 وزيراً، او حكومة من 20 وزيراً. والمناخ العام ما زال يغلّب حكومة الـ«18» على حكومة الـ«20». فما هو مؤكّد حتى الآن، هو أنّه لم يتمّ الحسم بشكل نهائي، لأي من الصيغتين. بل ما زال هذا الأمر نقطة تجاذب بين إصرار من الرئيس المكلّف على حكومة الـ«18»، ورغبة رئيس الجمهورية بحكومة الـ«20»، لتمثيل الفريق الدرزي الارسلاني في هذه الحكومة، وعدم اقتصار هذا التمثيل فقط على الفريق الجنبلاطي.

- حجم الحصص الوزاريّة لكلّ طرف، فحكومة الـ«18» تتوزّع فيها الحقائب ( 4 سنّة، 4 شيعة، و1 درزي، في مقابل 4 موارنة، 2 روم ارثوذكس، 1 كاثوليك، 1 ارمني، 1 اقليات). والثلث المعطل زائداً واحداً في هذه الحكومة هو 7 وزراء. ويبدو جلياً أنّ الرئيس المكلّف يسعى الى التفكيك المسبق لعبوة «الثلث المعطّل» وعدم جعلها عاملاً مهدّداً لحكومته وسيفاً مصلتاً فوق رأسها عند أي محطة. خصوصاً وانّ بعض المعلومات تشير الى وجود توجّه لدى رئيس الجمهورية وفريقه السياسي، لبلوغ هذا الثلث، عبر الظفر بالنسبة الاعلى من التمثيل المسيحي في الحكومة، مضافاً اليه التمثيل الدرزي والارمني. فحتى الآن لم تظهر أيّ مؤشرات توحي بأنّ هذه العبوة قد أُزيلت من طريق التأليف. 

- عدد الوزارات التي يفترض أن تشملها المداورة. كان القصد منها لحظة طرحها هو إجراء خلطة سياسية للوزارات، وعلى نحو يُعاد فيه توزيعها بمبادلات بين القوى السياسيّة. ولكن لحظة التطبيق، بدا أنّ هذه المداورة هي النقطة الأصعب في مسار التأليف، اذ تبيّن انّ وزارة المالية ليست وحدها المستثناة منها، بل أنّ ثمة وزارات اخرى هي في حكم المستثناة وغير القابلة للتخلّي عنها. الأمر الذي قزّم طرح المداورة من عنوان عريض وشامل، الى عنوان جزئي ومحدود، حوّلها من مبادلات للحقائب بين القوى السياسية الى مبادلات بين طوائف الوزراء، ولكن من ضمن الفريق الذي كان يتولاها في الحكومات السابقة.

فعلى سبيل المثال، وفق ما يجري التداول به في موازاة مشاورات التأليف، فإنّ رئيس الجمهورية يريد الاحتفاظ بوزارات اساسية، كالدفاع والعدل والاقتصاد. اضافة الى ابقاء وزارة الطاقة في يد «التيار الوطني الحر»، والرئيس المكلّف يريد الاحتفاظ بوزارة الاتصالات، على ان يقترح لهذه الوزارات وزراء من طوائف مختلفة غير طوائف الوزراء الذين يتولونها حالياً، كأن يُسمّي رئيس الجمهورية مثلاً وزيرًا مارونياً لوزارة الدفاع بدل الوزير الارثوذكسي الذي سمّاه في الحكومة السابقة، ووزيراً ارمنياً لوزارة الطاقة بدل الوزير الماروني، ووزيراً كاثوليكياً للعدل بدل الوزير الماروني وهكذا.. والأمر نفسه ينسحب على سائر القوى السياسية.

واذا كانت المعلومات المسرّبة من مسار التأليف عن حسم شبه نهائي للوزارات السيادية (المالية للشيعة، الخارجية للسنّة، الداخلية والدفاع لرئيس الجمهورية والتيار)، فإنّ النقاش حول سائر الحقائب، وخصوصاً تلك التي تٌعتبر اساسية، لم يصل بعد الى خواتيم حاسمة. فحصة تيار المردة، لم تُحسم بعد ما اذا كانت وزيراً واحداً او اثنين. اضافة الى حقيبة الاشغال التي يتولاها حالياً، والتي لا يمانع المردة في مبادلتها بما يعادلها. كما لم تُحسم بعد هويّة الحقيبة التي ستُسند الى وزير يسمّيه جنبلاط، بين أن تكون وزارة الصحة التي يريدها، او وزارة التربية، وكذلك الامر بالنسبة الى وزارة الصحة التي يبدو انّ هناك توجّهاً لانتزاعها من «حزب الله». لكن لدى الحزب تساؤلات: هل نحن فشلنا في وزارة الصحة لتُنتزع منا؟ ثم أي وزارة بديلة لها وتوازيها ستُعرض علينا؟ هنا تكشف مصادر موثوقة لـ«الجمهورية»، بأنّ وزارة الاشغال قد عُرضت من قِبل الرئيس المكلّف على «حزب الله» بأن يسمّي وزيرها، ولكن الحزب، وعلى أهميّة وزارة الاشغال، لم يبدِ حماسة لهذه الفكرة. 

اللافت هنا، ما كشفه مواكبون لمسار التأليف لـ«الجمهورية»، بأنّ عرض الأشغال على «حزب الله» فيه شيء من المجازفة، فهذه الوزارة على صلة بالمرافئ وتحديداً مرفأ بيروت الذي يتطلّب إعادة اعمار، وأيضاً بمطار بيروت، وكذلك بأعمال البنى والإنشاء على المستوى العام، وبالتالي اسنادها الى وزير يسمّيه «حزب الله» قد لا يكون فقط محل تحفّظ داخلي، بل محل اعتراض خارجي، وخصوصاً من قِبل الدول الكبرى، التي إن كانت في وارد تقديم اي مساعدة وخصوصاً لإعادة اعمار المرفأ، فستحجم عن ذلك. والمثال وزارة الصحة التي يتولاها وزير سمّاه «حزب الله»، حيث تقاطعها الولايات المتحدة الاميركية بشكل كامل، اضافة الى أنّ المجتمع الدولي بشكل عام يتعاطى معها بما يشبه المقاطعة ايضاً. 

على أنّ الحسم النهائي لتأليف الحكومة، وكما تؤكّد مصادر مواكبة له لـ«الجمهورية»، يفترض جولة مشاورات سياسية مكثفة وسريعة، يجريها الرئيس المكلّف بالتوازي مع مشاوراته مع رئيس الجمهورية، على أن تشمل رئيس مجلس النواب نبيه بري و«حزب الله» وتيار المردة والحزب التقدمي الاشتراكي، وذلك بهدف حسم توزيع الحقائب الوزارية، بما قد يمهّد للحسم النهائي لهذا التوزيع بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف. على أن يصار بعدها الى اعلان ولادة الحكومة ضمن مهلة لا تتجاوز مطلع الاسبوع المقبل. 

على أنّ مشاورات حسم توزيع الحقائب هذه، تتزامن مع نصائح تبديها مراجع سياسية للرئيس المكلّف، بقطف الحكومة قبل يوم الثلثاء 3 تشرين الثاني، الذي يصادف يوم اجراء الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الاميركية.

وبحسب معلومات «الجمهورية»، فإنّ هذه النصائح يؤكّد عليها رئيس سابق للحكومة، وتنطلق من خلفيّة انّ كل الاحتمالات واردة بعد الانتخابات الاميركية، حيث يُخشى إن لم تتشكّل الحكومة قبل 3 تشرين الثاني من ظهور مستجدات قد تُدخل ملف التأليف مجدّداً في متاهة الانتظار الى امد غير محدّد، كما قد تتحرّك شهوات ورغبات لدى بعض الاطراف، تعيد خلط اوراق التأليف وبالتالي تؤخّر ولادة الحكومة. 

الّا انّ مصادر سياسية معروفة بإطلاعها على الموقف الاميركي، تؤكّد لـ«الجمهورية»، ان لا رابط من الاساس بين الانتخابات الرئاسية الاميركية وتأليف الحكومة اللبنانية، لا من قريب ولا من بعيد. فالأكيد انّ لبنان ليس موجوداً حالياً ضمن الأجندة الاميركية، الّا ضمن الحدود المعمول فيها منذ امد طويل، وتحت العناوين الاميركية العريضة التي يعبّر عنها المسؤولون الاميركيون بين حين وآخر، وتتناول موضوع الحكومة دون الخوض في تفاصيلها، اضافة الى موضوع العقوبات على «حزب الله» وحلفائه، وهي سياسة معتمدة لدى كل الادارات الاميركية، سواء أكانت جمهورية او ديموقراطية، يُضاف اليها العنصر الاساس الذي استجد، والمتعلّق بمفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان واسرائيل.

ولفتت المصادر، الى انّ ما يُحكى عن رابط بين الانتخابات الرئاسية الاميركية وبين الملف الحكومي اللبناني، هو رابط وهمي غير موجود، اخترعه بعض اللبنانيين الذين اعتادوا على تكبير الحجر، وبالتالي فإنّه مع بقاء الادارة الاميركية الحالية او تغيّرها، فإنّ الموقف الاميركي من لبنان هو هو، مع حكومة جديدة تنفّذ برنامج اصلاحات تعبّر عن تطلعات الشعب اللبناني، ولا يتحكّم بها «حزب الله».

على أنّ السؤال الاساس الذي فرض نفسه في الآونة الأخيرة: اين المبادرة الفرنسية؟ وهل ستتأثر في ظلّ التطورات الأمنية المتسارعة التي تشهدها فرنسا والمواجهات التي تحصل مع من تسمّيهم باريس بـ«الإسلامويين المتطرّفين»؟

في قراءة سياسية للتطورات الاخيرة في فرنسا، تبرز فرضية انّ هذه التطورات قد ترخي بتداعياتها على المبادرة الفرنسيّة الإنقاذية للبنان، وتخفّف من وهجها والاندفاعة في اتجاهها. فضلاً عن انّها قد لا تبقى في موقع الاولوية الفرنسية، خصوصاً وانّ الوضع في فرنسا كما هو واضح يميل الى مزيد من الاضطراب والى مزيد من العلاقات المتدهورة مع دول اسلامية، مع الاشارة في هذا السياق الى انّ السفارة الفرنسية في قصر الصنوبر، التي شكّلت نقطة جامعة للقادة اللبنانيين، كانت بالأمس مستهدفة بتظاهرات اسلامية متشدّدة اعتراضاً على حملة باريس على «الاسلامويين». وبالتالي صار العمل بالمبادرة الفرنسية محفوف بالإحراج للجانب اللبناني، بالنظر الى الاصوات التي ترتفع من قِبل جهات لبنانية معيّنة ضد فرنسا.

إلّا أنّ مصادر سياسيّة موثوقة معنية بالمبادرة الفرنسية، تخالف هذه القراءة، وتعتبرها مبالغاً فيها وتلبّي ما يبغيه المتضررون من هذه المبادرة، الذين يريدون نسفها من الأساس.

وتكشف المصادر، بأنّه على الرغم من الأحداث في فرنسا، فإنّ المبادرة الفرنسية قائمة، وهو ما أكّد عليه الجانب الفرنسي مجدّداً، بأنّ الالتزام بها نهائي، وأنّ باريس لن تتخلّى عن لبنان، ولا رابط على الاطلاق بين ما يجري في فرنسا وبين هذه المبادرة، وبالتالي لا تغيير في السياسة الفرنسية الخارجية، وخصوصاً تجاه لبنان، الذي تتحضّر باريس لعقد مؤتمر الدعم الخاص به خلال تشرين الثاني، وتأمل ان تشارك فيه الحكومة اللبنانية الجديدة، التي ما زالت باريس تحث على تشكيلها في اقرب وقت ممكن.

الى ذلك، أشارت صحيفة «المدينة» السعودية، إلى أنّه «لیس مهماً إن كانت الحكومة اللبنانیة المقبلة، التي جرت الموافقة على سعد الحریري لترؤسها، مصغّرة أو متجاوزة للعشرین وزیراً، المهم هو أن یتكاتف الجمیع مع الحریري لاجتیاز النفق الذي أدّى بلبنان إلى ما هو علیه الآن من تمزق وضائقة اقتصادیة».

ولفتت إلى أننا «لمسنا بوادر إیجابیة هذه المرة، خصوصاً وأنّ كلاً من الرئیس اللبناني ​ميشال عون​ ورئیس مجلس النواب نبیه بري، توصلا إلى قناعة بأنّ الوقت قد حان من أجل التوافق الوطني ووضع الكتف على الكتف للخروج من الأزمة، رغم التحدّیات التي ستواجه الحریري، والتي تتعلق بكیف ستكون آلیة التوافق على تعییین الوزراء». 

وفي حين اعتبرت أنّ المرحلة تتطلب وجود الحريري ولا غيره على رأس الحكومة المقبلة، بالنظر إلى تمتعه بعلاقات دولية واسعة وثقة لدى المؤسسات الدولية والدول ذات الثقل الاقتصادي، وعلى رأس أولئك روسيا والولايات المتحدة، أشارت الى اننا كلنا امل في ان يتخطّى الحريري معضلة صعوبة تشكيل الحكومة، ويتعاون معه الذين لم يسمّوه، ليجتاز لبنان مرحلة الخطر». 

وأطلّ أمس الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، متمنّياً «ان يتمكن الرئيس المكلّف سعد الحريري بالتعاون مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من تشكيل حكومة بأسرع وقت»، مؤكّداً «انّ الامور ايجابية ومعقولة». 

وقال نصرالله، في كلمة له لمناسبة عيد المولد النبوي: «من جهتنا سنتعاون وسنسهّل بقدر ما نستطيع، وهناك الكثير مما يُنقل في بعض وسائل الاعلام غير صحيح». واضاف: «الوقت الآن ليس للتناقضات بل للتعاون والانفتاح ما أمكن للوصول الى تشكيل حكومة».

وعن ارتفاع عداد اصابات كورونا، قال نصر الله: «وصلنا الى اعتاب الالفي اصابة يومياً، وكل المستشفيات تصرخ، وأعداد الوفيات ترتفع يوماً بعد يوم، وتساهل بعض الناس بمسألة كورونا غير شرعي وحرام، وهذه مسؤولية انسانية ترتبط بالجميع، سواء بالتباعد الاجتماعي وارتداء الكمامة والتعقيم»، ورأى أنّ «التعايش ممكن ولكن من خلال الالتزام بالضوابط وإلاّ فإننا سنذهب الى واقع خطير جداً».

وإذ دان نصرالله حادثة نيس بشدة، أكّد أنّ «هذه الحادثة يرفضها الاسلام، ولا يجوز ان يحسبها احد على الاسلام الذي يحرّم قتل او ايذاء الابرياء، وكل حادثة مشابهة او تأتي دائماً بالنسبة الينا كمسلمين هي مرفوضة ومدانة في اي مكان وقعت واياً كان المستهدف».

من جهة ثانية، أكّدت السفارة الأميركية في بيان امس، أنّه «بناءً على التقدّم المحرز خلال اجتماع 14 تشرين الأول الحالي، اجتمع ممثلون عن الحكومتين الإسرائيلية واللبنانية يومي 28 و29 منه بوساطة من الولايات المتحدة وباستضافة مكتب المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش». اضاف البيان: «تأمل الولايات المتحدة ومكتب المنسّق الخاص للأمم المتحدة في لبنان، أن تفضي هذه المفاوضات إلى الحل الذي طال انتظاره. وقد أعرب الطرفان عن التزامهما متابعة المفاوضات الشهر المقبل».

 


المصدر : الجمهورية

شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa