واشنطن تتشدد لتفاوض

01/03/2021 06:53AM

كتب جوني منير في الجمهورية

فاجأ الرئيس الاميركي جو بايدن الشرق الاوسط بخطوتين قويتين متتاليتين، واحدة سياسية صاعقة باتجاه السعودية وثانية عسكرية مركزة استهدفت مواقع لمجموعات موالية لإيران مهمتها تأمين الامدادات البرية بين العراق وسوريا. والمفاجئ انّ الخطوتين نفذتا في مرحلة يطغى عليها مناخ العودة الى طاولة المفاوضات بين الاميركيين والايرانيين للعودة الى الاتفاق النووي.

في الواقع لم تتفاجأ كثيراً الاوساط الديبلوماسية الاميركية، لأنها على بيّنة من انّ ادارة بايدن كانت قد قررت منذ لحظة تسلمها مهامها الرسمية في 20 كانون الثاني الماضي ان تدشّن دخولها السياسي الى الشرق الاوسط بخطوات هجومية كبيرة. ذلك انّ الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب كان قد نجح خلال حملاته الانتخابية في وصف منافسه جو بايدن بالضعف.

وفي وقت يتجدّد الصراع الداخلي ويظهر تعاظم نفوذ ترامب على الحزب الجمهوري، كان لا بد لإدارة بايدن من ان تتخذ قرارات قوية لتبديد صورة الضعف وإزالتها. ففي مؤتمر الحزب الجمهوري أظهرت الارقام انّ ترامب يحظى بتأييد 81 % من الجمهوريين وانه سيعمل اولاً على إقصاء اخصامه داخل الحزب، وثانياً على التحضير للانتخابات النصفية اواخر العام المقبل لانتزاع الاغلبية من الديموقراطيين في مجلسي النواب والشيوخ. لكنّ هذا الدافع على أهميته لا يختصر ابداً الاهداف المتوخّاة مما حصل، فهنالك ما هو اهم وابعد واعمق.

فعلى صعيد السعودية بداية، كان الموقف الاميركي صاعقاً وهو الاول من نوعه ربما منذ اتفاق 14 شباط 1945 بين الرئيس الاميركي فرانكلين روزفلت والملك عبد العزيز آل سعود على متن الطراد يو أس أي كوينسي.

صحيح أنّ أزمة وقف امدادات النفط عام 1973 ايام الملك فيصل كانت في غاية الدقة يومها، لكن ما يحصل اليوم يحمل منحى آخر.

في الواقع، عدا صورة القوة التي يريدها بايدن، هناك اهداف اخرى تختبئ وراء السلوك الاميركي.

1 - في العام 1945 ارتكز الاتفاق التاريخي بين البلدين على معادلة واضحة: الامن مقابل اسواق نفط مستقرة ومدروسة. وهذا ما جعل السعودية تحتل مرتبة التحالف الاول مع الولايات المتحدة الاميركية طوال العقود السابقة، لكن وفي المرحلة الماضية وبعد اكتشاف ما عرف بحقول النفط الصخري على الاراضي الاميركية، اصبح هنالك نوع من الاكتفاء الذاتي الاميركي، وبالتالي تضاؤل اعتماد واشنطن على نفط الشرق الاوسط. لكن هذا لا يعني ابداً خروج السعودية من دائرة الاهتمام الاستراتيجي الاميركي في العالم. فحقول النفط السعودية تبقى مصدر الطاقة الوحيد للعديد من دول العالم، خصوصاً تلك التي تشكّل مصدر منافسة للولايات المتحدة، ما يعني انّ الامساك بمصادر الطاقة لهذه الدول يعطي الولايات المتحدة الاميركية اوراق نفوذ هائلة على الخارطة العالمية، لذلك مثلاً تتواجد دائماً حاملات الطائرات الضخمة والاساطيل الحربية الاميركية في البحر القريب من السعودية بذريعة تأمين الممرات المائية والبحرية لتصدير النفط، فيما هي في الحقيقة لتأمين السيطرة الاميركية عليها.

ويقول السفير الاميركي دينيس روس في هذا المجال انه ما زالت لواشنطن مصالح فعلية في السعودية، حيث ليس هنالك مشكلة مهمة في الشرق الاوسط يمكن تحقيق استراتيجية ناجحة الّا بدعمٍ فاعل من الرياض، كمثل احتواء ايران الى محاربة الارهاب الى البناء على التطبيع مع اسرائييل وكسر الجمود بين الاسرائيليين والفلسطينيين ومحاولة إنهاء الصراعات في اليمن وسوريا، او تبريرها. كما انّ واشنطن بحاجة للتعاون دائماً مع السعودية للسيطرة على اسعار النفط.

2 - تدرك واشنطن والرياض على السواء انّ المطلوب إعادة صياغة برنامج عمل جديد بين البلدين يتلاءم والمتغيرات الحاصلة، وأن محادثات سرية ستحصل بين موفد لبايدن وولي العهد محمد بن سلمان على أغلب الظن لإعادة ضبط حدود العلاقة بين البلدين. وستنتهي هذه المحادثات بالاتفاق على سلوك جديد لولي العهد واتفاقات مالية كبيرة.

3 - وهو ربما السبب الاهم، وهو يتعلق بالعلاقة الخاصة القائمة بين محمد بن سلمان والرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب، وهو ما يعني مسألتين: الاولى قطع كل انواع الدعم المالي من ولي العهد السعودي لترامب العازم على العودة الى البيت الابيض، والثاني وهو الاحتراس سلفاً من اية مفاجآت غير سارة قد تقدم عليها الرياض على ابواب المفاوضات مع ايران بهدف التفكير والتشويش عليها، ربما بالواسطة.

هذا على الصعيد السعودي، أما على صعيد السفارة الاميركية والتي استهدفت طريق الامدادات البرية بين ايران فالعراق فسوريا، ودمّرت منشآت، فإنّ التحرك العسكري جاء رداً على الاستهداف الصاروخي أربيل، والذي تعتقد واشنطن انه من تنفيذ تنظيم «عصائب اهل الحق» الموالية لإيران.

وقرأت واشنطن في الهجوم الصاروخي اختباراً حازماً لمدى جدية بايدن، فكان الجواب من خلال القصف الجوي الاميركي، والذي كان مدروساً بشكل جيد. اي كان الهدف إرسال رسالة جوابية من خلال هدف اختير بعناية.

فصحيح انّ قوة التدمير تكون قوية لكن محسوبة بشكل لا تخرج فيه الاوضاع عن السيطرة، وربما لذلك جرى إلغاء الغارة الثانية في اللحظات الاخيرة كما اوردت الصحف الاميركية.

وقد تكون الرسالة الاميركية واضحة لناحية عدم قدرة ادارة بايدن على تحمّل استنزاف عسكري، ولكن في الوقت نفسه جديتها الفائقة في انجاز الاتفاق النووي مع طهران من ضمن مهلة زمنية محدودة قبل الاستدارة والانشغال بمهمة احتواء التمدد الصيني.

وثمة رسالة أخرى تعمل واشنطن على ارسالها من خلال العراق، فظهر يوم الجمعة المقبل يبدأ رأس الكنيسة الكاثوليكية في العالم البابا فرنسيس زيارته الى العراق، وهي اول زيارة خارجية له منذ ظهور جائحة كورونا. وخلال هذه الزيارة التي تشمل بغداد والموصل ومدينة اور الاثرية مسقط رأس النبي ابراهيم وسهل نينوى واربيل، سيكون للبابا لقاء مهم جداً مع المرجع الروحي الشيعي السيد علي سيستاني في مدينة النجف. وسيجري توقيع «وثيقة الاخاء» بين الطرفين. وخلال الايام الماضية وصلت الى الاجهزة الامنية الاميركية معلومات عن وجود مخطط امني لاستهداف البابا. لذلك أبلغت السلطات الاميركية مسؤولي الفاتيكان وكذلك المسؤولين العراقيين بأنها ستتولى الاشراف على الرعاية الامنية للزيارة من خلال تقنياتها وامكانياتها المتطورة ودعمها لاستمرار الزيارة من دون إدخال اي تعديل عليها أو الغائها.

وهو ما يعني بالتفسير السياسي، تأييد واشنطن خصوصاً للقاء الذي سيجمع قداسة البابا مع السيد السيستاني.

وفي هذا الاطار كان يجري التداول بفكرة تقضي بانضمام البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الى وفد البابا في العراق، إلا انه تم تجاوزها لاحقاً لعدة اسباب، علماً أنّ رأس الكنيسة الكاثوليكية والذي كان قَبِل دعوة رأس الكنيسة المارونية الى زيارة لبنان، لم يحدد موعداً لهذه الزيارة وهو إذ يقوم بزيارة العراق رغم كل الظروف، فهو بعدم تحديده موعداً لزيارة لبنان في هذه المرحلة، يوجّه رسالة اعتراض للسلطة السياسية في لبنان، وبطبيعة الحال للجزء المسيحي منها، بعد رسالتين خطيتين جرى إذاعتهما وتضمّنتا انتقاداً لاذعاً بسبب أولوية المصالح الخاصة على المصلحة العامة، كما جاء في رسالة الميلاد ويوم لقائه بالسلك الديبلوماسي المعتمد في الفاتيكان.

في 2 شباط الحالي، أصدر المجلس المركزي في مصرف لبنان القرار رقم 13310 المتعلق بشطب اسم «بنك عوده للخدمات الخاصة ش.م.ل» عن لائحة المصارف والقرار رقم 13311 المتعلق بشطب اسم «بنك عوده للاعمال ش.م.ل» عن لائحة المصارف، بناء على محضر الجمعية العمومية غير العادية لمساهمي المصرفين المذكورين المتضمن قرار الموافقة على انتقال ملكية جميع موجودات وحقوق ومطلوبات والتزامات المصرفين على اسم بنك عوده ش.م.ل وعلى شطب اسمهما من لائحة المصارف.

وتأتي خطوة بنك عوده في دمج المصارف التابعة له مع المصرف الأم في إطار عملية إعادة الهيكلة وزيادة رأس المال التي باشر القطاع المصرفي اتخاذ الخطوات في اتجاهها، خصوصاً انّ مصرف لبنان أكد امس الاول على وجوب تقيّد المصارف بالمهل كافة المنصوص عليها في التعميم 154 والتعميم 567 اللذين يلزمان المصارف بزيادة رأسمالها بنسبة 20 بالمئة، وبتأمين ما نسبته 3 بالمئة من الودائع لديها بالعملات الأجنبية لدى المصارف المراسلة في الخارج، من دون تعديل، اي في 28 شباط 2021.

وقد علمت «الجمهورية» انّ مجموعة الاعتماد اللبناني أخذت قراراً مماثلاً بالنسبة لبنك الاعتماد اللبناني للاستثمار والبنك اللبناني الاسلامي، على ان تشهد المرحلة القادمة مزيداً من عمليات دمج للمصارف من اجل تعزيز رأس المال من خلال ضم رأس مال البنوك الصغيرة الى رأس مال البنوك الكبرى على الاقل في ما يتعلّق بالمجموعات المصرفية التي تملك عدّة رخص مصرفية لتتبعها أيضاً البنوك غير القادرة على تأمين رأس مال إضافي بنسبة 20 في المئة، كما فرض عليها مصرف لبنان، كذلك الامر تحوّطاً للإلتزامات المرتقبة التي ستترتب على المصارف في المرحلة المقبلة لناحية تحديد حجم الخسائر التي ستتحمّلها.

ومع انتهاء مهلة مصرف لبنان غداً، أكد مسؤول مصرفي سابق لـ»الجمهورية» انّ رساميل المصارف سلبية وهي تعمل حالياً من دون رساميل، موضحاً انّ عملية الإنقاذ وإعادة هيكلة القطاع المصرفي تبدأ أولاً عبر شطب البنوك غير السليمة، ومن خلال تقليص رخص مزاولة العمل المصرفي حيث انّ هناك 9 مجموعات مصرفية تملك 23 رخصة لمزاولة العمل المصرفي، يجب تقليصها الى 9 رخص، من اجل خفض إجمالي عدد المصارف الى حوالى 24 مصرفاً فقط، مشدداً على انّ زيادة رأس المال والسيولة الخارجية ليست خطة لإعادة هيكلة القطاع المصرفي بل انها خطوة من الخطوات الكثيرة المطلوبة.

وفي هذا الاطار، أوضح الوزير السابق ونائب حاكم مصرف لبنان سابقاً ناصر السعيدي انّ زيادة رأس المال المطلوبة لا تمثّل سوى 15 في المئة فقط من المطلوب لأنّ المصارف خسرت كامل رأسمالها، معتبراً انّ زيادة رأس المال هي جزء بسيط من حلّ شامل مطلوب هو اعادة هيكلة القطاع المصرفي في اسرع وقت ممكن ضمن خطة متكاملة، ومن خلال اعادة هيكلة ديون الدولة وديون مصرف لبنان والديون المتعثرة للقطاع الخاص.

واعتبر انّ رأس مال المصارف بحاجة لزيادة بمقدار 20 الى 25 مليار دولار، وبالتالي فإنّ الزيادة الحالية البالغة 3 مليارات دولار غير كافية على الإطلاق لتغطية الخسائر في الديون الحكومية وفي التوظيفات لدى مصرف لبنان، ناهيك عن القروض المتعثرة المتزايدة للقطاع الخاص بسبب حالات الإفلاس والتعثر.

وأشار السعيدي لـ»الجمهورية» الى انّ المصارف لم تقم بزيادة رأسمالها من خلال زيادة فعلية لأموالها الخاصة عن طريق المساهمين، بل لجأت الى زيادة رأس مالها عبر شراء دولارات من السوق المحلي ما أدّى الى تقليص حجم السيولة بالدولار في السوق وأعادها الى المصارف، علماً انها لن تستخدمها لتمويل القطاع الخاص بل لتغطية جزء من خسائرها.

كما شرح السعيدي انّ نسبة السيولة الخارجية المطلوب تأمينها من قبل المصارف (3 %) ضئيلة ولن ترضي المصارف المراسلة التي بدورها لن تعاود فتح خطوط اعتماد للمصارف اللبنانية، بل ستواصل تأمين التحويلات المالية التي تتوفر اموالها نقداً فقط، مما سيُبقي على التأثير السلبي على التجارة الخارجية للبنان وعلى تجارة المغتربين اللبنانيين الذين أودعوا اموالهم في المصارف اللبنانية وتم تجميدها ممّا أدّى الى تعطّل كافة اعمالهم التجارية وبلغوا حدّ الافلاس.


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa