الموضوعية ليست السلبطة

13/04/2021 07:38PM

كتبت صفاء درويش في "السياسة":


 منذ البدء آمنت أن الموضوعية في عملي الصحفي هي أمرٌ مقدّس، حتى اصطدمت بواقع مرير يقول بأنّ الكذب والتلفيق واستثمار أوجاع الناس وحقوقهم المسلوبة هو الموضوعية بعينها، فاختلفت نطرتي لكل من حولي، وما حولي. منذ مدّة باتت الموضوعية بالنسبة لي هي الوطنيّة، فأكبر مهنيّة ممكن لصحافي لبناني أن يمارسها هي مصلحة بلده، فالحيادية بين الحق والباطل هي باطل!

بعد 17 تشرين 2019 بات من يملك رأيًا سياسيًا معاديًا للثورة في مصاف المنبوذ. مورست عليه شتّى أنواع التنمّر والتهكّم والشتيمة. بات من يملك رأيًا مخالفًا لهؤلاء بمصاف عدوّهم اللدود، لا شريكهم في وطنٍ قرّروا هم السير في مشاريع التآمر عليه. بالنسبة لي، كان ميشال عون منذ البدء سيف الحق في مواجهة سرقة حقوق الناس. كان هو صاحب المشروع الفعلي في بناء الدولة، وفي استرجاع ما نُهب من مقدّراتها، والأهم أنه كان الأب الحاضن لمشروع محاسبة السارقين والفاسدين، وهو ما لم يجرؤ عليه أحد سابقًا، ولن يجرؤ عليه غيره في المدى المنظور. أراد روّاد الثورة من  ناشطين وصحافيي بلاط، أن يركبوا مع أولياء نعمتهم مطالب الناس المحقّة جدًا، فباتت مسيرة الثورة لديهم هي ثروة، وبات المشروع السياسي مصدر رزقٍ لهؤلاء. وفي عُرفنا، من يكتب لأجل المال لا يكتب قناعته، بل ما يريده صاحب رأس المال، وهنا كل الحكاية. 

بالنسبة لي، لبنان هو البوصلة الفعلية، وعليه باتت موضوعيتي تنطلق من مدى مصلحة لبنان لتقييم ما يقوله ويفعله الجميع. بالنسبة لي لم أؤمن بأشخاص قط، بل بمشروع. وبالنسبة لي أيضًا، كنت ولا زلت مؤمنة بأن من سرق لبنان هي منظومة تقودها أشخاص، ولمحاسن الصدف أن يجتمع هؤلاء جميعًا اليوم لإضعاف وتدمير مسيرة ميشال عون، ومحاولة محاصرة جبران باسيل ومنعه من فرض ما يراه مصلحة للبنانيين وما يرونه هم بدمار لمشروعهم.

لم أشهد الحروب الأهلية، فقد ولدت وكانت على شفير الإنتهاء، ولكنني اليوم شهدت في ثورة 17 تشرين، وفي ما تلاها حتى الآن، حرب إلغاء فعلية على مسيرة التغيير، مسيرة المحاسبة، وهذه الحرب لن تنتهي سوى بانتصار الحق.

هذا الحق أسميته ميشال عون، وأسميه جبران باسيل، وهو بالنسبة لي الموضوعية المطلقة التي تتناسب مع قناعتي وراحة ضميري وعدم مساومتي على ما أقول.

اليوم، يستثمر البعض بقلمه، يبتزّ الساسة وربّما الزملاء من أجل أن يبقى موجودًا. تسيره حاجاته لا قناعاته، ويسيّر هو قلمه كما تتطلّب عميلة استرزاقه. هؤلاء لم يجدوا موطئ قدم في قصر بعبدا، ولا في الرابية، ولا في ميرنا الشالوحي، ولا حتى في البترون واللقلوق. وعليه، كان من الطبيعي أن يتمركزوا في الموقع المضاد، فكان من رأيناه من حملات.

قناعتي ببساطة، أن بقاء الوزير جبران باسيل واقفًا رغم كل الحملات على مدى سنوات، ورغم حرب كونية بدأت منذ حكومات 2005 ولم تنته بالعقوبات الأميركية، هو الصمود بعينه، وهذا الصمود يقود بالطبع نحو الإنتصار.

ما يفعله جبران باسيل هو درس لنا جميعًا أن المواجهة ليست حكرًا على الجماعات، بل يمكن أن تبقى وحيدًا وتنتصر باعتراف الجميع.

ببساطة، لا يمكن لصاحب مشروع مصلحي أن يصمد أمام موجات التكسير الجاهزة لشتى أنواع التسويات فوق الطاولة وتحتها. من يصمد بصلابة هو المؤمن، ولذلك انطلقت موضوعيتي من الإيمان بالمشروع.

موضوعيتي أستقيها من مصالح الناس، من القتال لأجلهم لا عبرهم، ومن التصويب على من اغتصبوا حقوقهم لا من خلال الترويج للمغتصبين، وعليه، لا أكون موضوعية بنقل وجهة نظر سارق، أو فاسد، بل بتوعية من انساقوا خلفه. فهل من يروّج لمسائل التوطين وعدم الترسيم الصحيح الحدود هو بموضوعي حقًا؟!!

الخطوط الحمراء التي وضعتها المؤسسات الإعلامية وُضعت ليتم تجاوزها، فمن لم يتجاوزها ساوم على قناعته وموضوعيته. فبإمكان معظم الناس أن تتّهمك بالتحيّز وتعيش مرتاح الضمير، ولكن الخوف هو أن تتهم أنت نفسك بالعمل عكس قناعاتك.


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa