بعد رفع الدعم عن حليب الأطفال: بدائل محفوفة بالمخاطر

كتبت جاكلين بولس أبو زيد في "السياسة": 

يعود حليب الأطفال إلى رفوف الصيدليات بدءًا من مطلع الأسبوع لا سيما لـ الذين تزيد أعمارهم عن عام، بعد أشهر من الانقطاع أو التوزيع بـ "القطّارة" متناسين أن صاحب العلاقة طفل لا يستطيع التخلي عن الحليب المركّب بشكل خاص لنموّه وحاجاته الجسدية وأنه لا يستطيع استبداله بنوع آخر من الحليب.

فجأة يعود الحليب إلى الأسواق اللبنانية، وقد قطع شوطًا كبيرًا بالسعر، رُفع عنه الدعم من دون أيّ وخز ضمير، وطار سعر العلبة سعة 900 غرام من ثلاثين ألف ليرة إلى مئة وخمسين ألف ليرة فيما سيبلغ سعر العلبة سعة 1600 غرام مئتين وخمسين ألف ليرة.

بعملية حسابية صغيرة هذا الرقم يشكل أكثر من ثلث الحدّ الأدنى للأجور في دولة لا تؤمن لشعبها وأطفالها الحدّ الادنى من العيش الكريم.

غالبية اللبنانيين ممن يتقاضون رواتبهم بالليرة لن تقوى على شراء علبة حليب بعد اليوم، لأن متطلبات الحياة باتت أكبر من قدرتها ومن قدرة فتاة الراتب الذي يتوزّع بين سكن وفواتير وتعليم وطبابة ودواء ومحروقات وكلها خدمات باتت نادرة و "مقرّشة" على سعر صرف الدولار في السوق السوداء.

رحلة البحث عن البدائل

أمام بكاء طفل يحتاج إلى "بيبرون حليب" غير متوفّر في المنزل، سيسعى الأهل للبحث عن البدائل وقد يقول قائل: لقد ربّينا أطفالنا على الحليب المتوفر في السوبرماركت أو ما يعرف بحليب الكبار أو غير المخصص للرّضّع، والبعض يقول: ماذا يشكو حليب البقر الطازج؟ وبين هذا وذاك ماذا يقول أهل الاختصاص؟

البدائل المتوفّرة تقتصر فقط على أصناف الحليب المعروفة والكاملة الدسم الموجودة في المحال التجارية والمخصصة للأطفال ما فوق ستّ سنوات، أو حليب البقر الطازج. ويأسف طبيب الأطفال دكتور جان شاهين لعدم وجود خيار آخر من خلال اللجوء إلى الحليب السائل المعلّب أو الطازج بعد غليه جيّداً وتعقيمه قبل إعطائه للطفل. ولكن لهذا الحليب سيئات كثيرة يعدد بعضها د. شاهين ومنها أنه غني بالمواد الدهنية والبروتين الذي ينقسم بين سيّء يُعرف بالـ "كازيين" تبلغ نسبته الثمانين في المئة، وهو قاس على المعدة وصعب الهضم، وجيّد لا يتخطّى العشرين في المئة.

نسبة الدهون والبروتين المرتفعة في حليب الأطفال تؤدي في سن البلوغ إلى زيادة في الوزن والإصابة بمرض السكري وارتفاع ضغط الدم، ويشير الدكتور شاهين إلى افتقار حليب البقر إلى الفيتامين "د" والحديد والفيتامينات الأخرى، ما يعرّض الطفل لنقص المعادن والكالسيوم وهو أمر خطر على صحّته. كل هذه المخاطر يقابلها في الحليب المجفف المخصص للأطفال إضافات تحسّن الهضم وتعزز جهاز المناعة وتساعد على النمو المتوازن.

 صعوبة الاستغناء وغلاء البدائل

بين المخاطر الموجودة في الحليب الطازج، وعجز الأهل عن شراء الأفضل لطفلهم هل يمكن الاستغناء عن الحليب وفي أي سنّ؟ يقول دكتور شاهين عندما يبلغ الطفل ثلاث سنوات يمكن الاستغناء عن الحليب والتعويض عنه بمشتقاته كالجبنة واللبنة، لكن نحن كأطباء نفضّل أن يشرب الأطفال بعد سن الثالثة الحليب في حدّه الأدنى، وندفعهم للتعويض عن مردوده الغذائي عبر اللحم والسمك والدجاج والحبوب والخضار والفاكهة.  

ولكن بعد ارتفاع أسعار كل هذه المأكولات التي باتت ترد فقط في أحلام الأطفال وحسرة الأهل، هل يعي المعنيون حجم الجريمة التي اقتُرفت بحق شعب بأكمله فقط لأنهم يريدون الهروب من المحاسبة على حساب شعب لم يعرف هذا المقدار من الذل منذ الحرب العالمية الأولى؟!