"رسالة نيودلهي" لبكين وطهران.. ما وراء المناورات العسكرية الهندية الخليجية

16/08/2021 12:56PM

خلال الأسبوع الماضي، كانت المدمرة الصاروخية الأكبر في الأسطول الهندي "آي إن إس كوتشي" تشارك في مناورات عسكرية بحرية مع الأسطول السعودي بالساحل الشرقي للمملكة. 

كانت المناورات هي الأولى من نوعها بحسب تصريحات لقائد الأسطول الشرقي السعودي اللواء ماجد القحطاني، وذلك "لضمان حرية الملاحة البحرية والأمن البحري في مياه الخليج العربي"، حسبما ذكرت "وكالة الأنباء السعودية" الرسمية (واس).

وجاءت المناورات الهندية السعودية بعد أيام من تنفيذ الهند تمرينا بحريا مشتركا مع الإمارات قبالة سواحل أبوظبي عبر المدمرة ذاتها "في انعكاس للنهوض السريع في التعاون العسكري الثنائي" كما تقول صحيفة "أوتلوك إنديا".

والأحد، انتقلت المدمرة الصاروخية ذاتها إلى سواحل المنامة في البحرين "... ضمن مهمتها لضمان سلامة البحار ودعم العبور الآمن للسفن التجارية ... في المنطقة"، بحسب صحيفة "الأيام" البحرينية.

ويقول خبراء أن العلاقات الهندية الخليجية عميقة ولها تاريخ طويل، إلا أن هذه التدريبات لها دلالات استراتيجية، إذ أتت بعد أسبوعين من هجمات تعرضت لها ناقلات نفط في مياه الخليج العربي ينظر لها على نطاق واسع أن إيران تقف خلفها.

ويربط محللون بين هذه المناورات والتنافس الإقليمي بين الصين والهند من ناحية، وتشكل محور "هندي إبراهيمي" يضم دول الخليج وإسرائيل ضد الخطر الإيراني المشترك من ناحية أخرى. 

في حديثه لموقع قناة "الحرة"، يقول المتخصص في الدراسات الاستراتيجية والسياسية، الدكتور محمد الحربي، إن هذه "التمارين مهمة للقيادة والسيطرة والاتصالات وحفظ أمن الممرات الحيوية الاستراتيجية، خاصة أن الهند تستورد ما نسبته 18 بالمئة من حجم استهلاكها للنفط من السعودية".

يقول الباحث والمحلل السياسي، عبدالله الجنيد، من جهته، إن الهند ترتبط مع دول الخليج بالكثير من المصالح المشتركة على اعتبار أن العملاق الآسيوي جار تاريخي للخليج.

وأضاف لموقع "الحرة" أنه "من الطبيعي جدا أن يكون للهند دور أمني متصاعد في المحيط الهندي وبحر العرب بالاشتراك مع حلفائها مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة".

ويرى الخبير في الشؤون الاستراتيجية العميد متقاعد، خلفان الكعبي في تصريح لـ "الحرة" أن علاقات الإمارات والهند راسخة منذ القدم، وأن توسيع قاعدة العلاقات نابع من رغبة مشتركة للبلدين.

والهدف المعلن للتدريبات المشتركة بين الهند ودول الخليج هو تأمين حركة الملاحة البحرية والعمل على إيجاد ممرات بحرية آمنة للسفن في المنطقة.

وقال قائد الأسطول البحري الهندي، أجائي كوشار، في تصريح لصحيفة "الشرق الأوسط" إن التعاون العسكري المشترك يهدف للحفاظ على الأمن البحري، في ظل الأحداث الأخيرة المتعلقة باختطاف ناقلات وتنفيذ أنشطة غير شرعية.

يتابع كوشار قائلا: "هناك كثير من التحديات المشتركة ونعمل مع السعودية على حماية وسلامة البحار والحد من مخاطر القراصنة".

وفي وقت سابق من الشهر الحالي، اتهمت الولايات المتحدة ودول غربية أخرى، إيران بتنفيذ أول هجوم مميت ضد ناقلة نفط في بحر العرب، حيث تعرضت "ميرسر ستريت" التي يديرها رجل أعمال إسرائيلي لهجوم بطائرة مسيرة أسفر عن مقتل اثنين من بحارتها. 

وأعقب ذلك الهجوم بأيام محاولة اختطاف فاشلة لناقلة النفط "أسفلت برنسيس" قبالة سواحل الفجيرة واتهمت فيها إيران أيضا من الدول الغربية ذاتها.

وبينما لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن تلك الأعمال، تنفي إيران مرارا وتكرارا ضلوعها بأي هجوم استهداف ناقلات النفط في الخليج مؤخرا.

تعليقا على خطر الهجمات الإيرانية، يقول الحربي إن "مصالح الهند الاستراتيجية هي الاتجاه للشرق الأوسط وخاصة دول مجلس التعاون، حيث هناك الاستثمارات والموانئ والاتفاقيات والتفاهمات والمصالح المباشرة".

وتابع: "الهند توازن الأمور في العلاقات الاستراتيجية وهي متجهة إلى دولنا أكثر من العمق الإيراني".

ومن هذا المنطلق، يعتقد الجنيد أن ضمانات الأمن والاستقرار قد يحتم على الهند إعادة تقييم مصادر التهديد "مما قد يدفع بها للعب دور أقل تقليدية في مواجهة مثل تلك التحديات الآنية والمستقبلية".

وقال إن الهند لها "دبلوماسيتها الخاصة وكذلك هواجسها الأمنية المباشرة، إلا ان تقاطع المصالح مع دول الخليج العربية في كل ما يتعلق بضمانات الأمن والاستقرار وكذلك محاولة الهند احتواء التمدد الصيني غربا (باكستان، إيران، والآن أفغانستان) قد يفرض نوعا جديدا من إعادة تقييم مصادر التهديد من وجهة النظر الهندية".

في حين، يرى كبير محللي الاسواق العسكرية في قارتي أوروبا وآسيا، دانيال دارلينغ،  أن "التدريبات البحرية التي أجرتها الهند مع الإمارات والسعودية تؤكد على جهود التواصل الأوسع التي تبذلها الهند مع دول الشرق الأوسط".

يعتقد دارلينغ أن هذه المناورات تخدم الدبلوماسية بوسيلة أو أخرى، وتساهم في تقوية العلاقات العسكرية، مشيرا إلى أن مثل هذه التدريبات قد تؤدي إلى مبيعات محتملة لمعدات عسكرية دفاعية.

في تصريح لصحيفة "فاينانشال إكسبرس" الهندية، يضيف قائلا: "بدلا من التنازل عن نفوذها في المنطقة لصالح الصين، تقوم الهند بحملة تفاعل دبلوماسي مع دول إقليمية ذات خلفيات ومصالح متباينة، سواء كانت إسرائيل أو دول الخليج أو  إيران".

وتابع دارلينج: "من المهم أن نلاحظ أن ممر الشحن الممتد من الخليج إلى بحر العرب وعبر المحيط الهندي يمثل شريان الحياة الأساسي للنقل لنحو 60 بالمئة من النفط الصيني وأكثر من 70 بالمئة من النفط الهندي".

في مارس الماضي، نقلت وكالة "رويترز" عن بيانات من شركة "ريفينيتيف" وستة مصادر بقطاع النفط قولهم إن "إيران شحنت سرا كميات كبيرة من النفط الخام إلى الصين خلال الأشهر الماضية، وبكين هي أكبر مستورد للنفط الإيراني".

في غضون ذلك، يذهب الكعبي في اتجاه آخر نسبيا بقوله إن "علاقات الهند مع إيران ودية"، وكذلك العلاقات التي تربط أبوظبي بطهران، في ظل حديث يدور عن وجود مباحثات سعودية إيرانية لإعادة الأمور لنصابها على حد تعبيره.

وقال الكعبي إنه "لا يوجد أي طرف يفكر في عمل عسكري ضد طرف آخر في المنطقة"، موضحا أن التدريبات تحمل بعدا استراتيجيا بتطوير العلاقات الثنائية وإبعاد التوترات والتفكير في المنظور الاقتصادي البحت.

ومع ذلك، يشير العميد الإماراتي المتقاعد إلى أن التدريبات تهدف إلى حماية الممرات المائية الحيوية التي تعرضت لمخاطر في الآونة الأخيرة.

وتابع: "العلاقات الإماراتية الهندية ليست وليدة اللحظة بل هي موجودة قبل تأسيس دولة الإمارات وكانت تعتمد على التجارة بين أهل الإمارات والهند"، مردفا أن "زيارة الشيخ محمد بن زايد فتحت آفاق كبيرة للتعاون بين البلدين".

في السنوات الماضية، تبادل زعماء دول الخليج والهند الزيارات لأكثر من مرة، حيث شهدت تلك الزيارات توقيع عشرات الاتفاقيات في مجالات عدة.

وسبق لولي عهد أبوظبي والقائد الأعلى للقوات المسلحة في الإمارات، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان زيارة الهند في أكثر من مناسبة خلال السنوات الماضية وقابل ذلك زيارات مماثلة من رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي إلى أبوظبي.

في 2019 وعلى هامش زيارته إلى أبوظبي، منح الشيخ محمد بن زايد، مودي "وسام زايد"، وهو أعلى وسام إماراتي.

أوضح الكعبي أن "الإمارات لديها جالية هندية كبيرة جدا لها تقدير واحترام وتساهم في بناء وتطور الدولة وهذا الشيء يحمل دلالات بأن الهند في منتهى الأهمية للإمارات والإمارات في منتهي الأهمية للهند".

كذلك، زار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الهند ضمن جولة آسيوية العام 2019، حيث شهدت تلك الزيارة توقيع 11 اتفاقية تعاون بين البلدين أغلبها مرتبط بالمجال الاقتصادي.

يقول الحربي إن "العلاقات السعودية الهندية تاريخية وانتقلت إلى مراحل أكثر استراتيجية أثناء زيارة ناريندرا مودي إلى السعودية عام 2016 وتلاها زيارة ولي العهد السعودي إلى الهند في 2019"، مردفا: "ثم انتقلت إلى مراحل جديدة على كافة المستويات اقتصادية استثمارية عسكرية أمنية وتبادل المعلومات ومكافحة الإرهاب".

وأشار إلى أن التبادل التجاري ما بين البلدين وصلت قيمته إلى 100 مليار دولار. 

وبالمثل، زار ملك البحرين الهند خلال 2014 في رحلة شهدت أيضا توقيع اتفاقيات ثنائية بين البلدين، بينما قابل ذلك زيارة رئيس الوزراء الهند للمنامة العام 2019، حيث حصل مودي على "وسام البحرين من الدرجة الأولى" وهو من أرفع الأوسمة البحرينية.

مارس الماضي، خرج السفير الهندي لدى الإمارات بتصريح لافت على هامش منتدى الاستثمار العالمي في دبي بعد أن قال إن العلاقات الإماراتية الإسرائيلية الحديثة من شأنها مساعدة الهند في تحسين العلاقات مع البلدين.

في تصريح نقلته صحيفة "جيروزاليم بوست"، أضاف السفير بافان كابور: "نحن محظوظون لأن تكون لدينا شراكة إسوأشار سليمان في التحليل المنشور بموقع معهد الشرق الأوسط إلى أن "حجم وقوة وتأثير دول التحالف الهندي الإبراهيمي – أي الهند وإسرائيل والإمارات – يمنحها القدرة على تغيير الجغرافيا السياسية والجيواقتصادية في المنطقة".

وتابع: "ثمة تحدي مهم بالنسبة للتحالف الهندي الإبراهيمي هو المكان الذي تقف فيه السعودية – قلب الإسلام وأكبر اقتصاد عربي – فيما يتعلق بالكتلة الجيوسياسية الناشئة. حيث عززت الرياض علاقات جيدة مع تل أبيب ونيودلهي وقد تنظر إلى هذا التجمع كفرصة استراتيجية على المدى الطويل".

ولا ترتبط السعودية بعلاقات رسمية مع إسرائيل، لكن تقارير إعلامية عديدة تؤكد وجود تواصلا سريا بين البلدين.

وأضاف سليمان أن "صعود الكتلة الهندية الإبراهيمية في غرب آسيا يمكن أن يوفر لواشنطن حلا استراتيجيا للتحدي المُلِح للوجود الأميركي في المنطقة وكيفية تحقيق الكثير من الأهداف بموارد أقل، مع ربط هذه الكتلة الناشئة بالاستراتيجية الأميركية الجديدة لمنطقة المحيطين الهندي والهادي وتقديم السند الأميركي لتلك المنظومة الآسيوية".

ويرى الباحث عبدالله الجنيد أنه "من الطبيعي جدا أن يكون للقوى الإقليمية نظرتها الخاصة أمنيا، ويجب أن يحفز الانسحاب الامريكي المفاجئ من أفغانستان على بلورة مقاربات أمنية تضمن استدامة الاستقرار بمعزل عن الإرادات الدولية".

وقال إن "للهند وإسرائيل علاقات على المستويين الأمني والدفاعي منذ عقود، وبالتأكيد أن المواثيق الإبراهيمية تقدم محفزات جديدة وكذلك مقاربات أكثر واقعية من المنظور الجيوسياسي".

لكن الخبيرين الاستراتيجيين الحربي والكعبي يستبعدان تشكل محورا هنديا خليجيا إسرائيليا في المنطقة على اعتبار أن كل دولة لها مصالحها الخاصة.

وقال الحربي إن "التحالفات العسكرية مهمة، لكن لكل دولة مصلحتها وسيادتها"، مضيفا أن "الهند تلعب دور متوازن في علاقاتها الاستراتيجية وفق مصالحها".

وأشار إلى أن المنطقة تشهد تواجدا "للقيادة المركزية الوسطى الأميركية والأسطول الخامس ودولنا تدخل في نطاق القوة العسكرية الأميركية وهناك تحالف عالمي مشترك ضد الإرهاب بالتعاون مع الولايات المتحدة".

وبدوره، يعتقد الكعبي أن التفكير المحوري للعلاقات الخليجية الهندية يتمثل في المنظور الاقتصادي والاستثماري.

وقال إن "الهند ليس لديها عداء مع أي دولة في الخليج ودولة مستهلكة وتستورد النفط من المنطقة، لكن وجود تفاهم بين إسرائيل والإمارات والهند أمر غير وارد".

وأوضح أن العلاقات الهندية الإسرائيلية قديمة نسبيا، بينما لا تزال العلاقات الإماراتية الإسرائيلية حديثه العهد، مشيرا إلى أن "التعاون الاقتصادي هو مربط الفرس".تراتيجية ليس فقط مع إسرائيل ولكن مع الإمارات".

ونهاية الشهر الماضي، كتب الباحث محمد سليمان، وهو زميل بارز بمعهد الشرق الأوسط ومقره واشنطن العاصمة، تحليلا مفاده أن محورا هنديا إسرائيليا إماراتيا آخذا في التشكل خلال المرحلة المقبلة.

يقول سليمان إن "الحوار الاستراتيجي الهندي الإبراهيمي هو احتمال قائم للغاية".

وترتبط الهند بعلاقات دبلوماسية مع إسرائيل منذ العام 1992 جاءت بعد فقدان حركة عدم الانحياز التي أسسها رئيس وزراء الهند الأول جواهر لال نهرو لأهميتها عقب انهيار الاتحاد السوفيتي.


المصدر : الحرة

شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa