أنابيب الغاز مع المغرب.. "الرابح" و"الخاسر" جراء القرار الجزائري

بدأ قرار الجزائر بقطع العلاقات الدبلوماسية مع المملكة المغربية، يتخذ أبعادا أخرى، ويتعدى إلى مجالات، كان قد حذر منها العديد من المحللين. 

آخر هذه القرارات، الإعلان عن عدم تمديد عقد أنبوب الغاز الذي يبدأ من الجزائر ويمر عبر الأراضي المغربية لإمداد إسبانيا والبرتغال بالغاز، وفقا لما أكده مصدر رفيع المستوى لمراسل "الحرة" في الجزائر، الاثنين.

ومن المقرر أن ينتهي العمل بالعقد في 31 أكتوبر المقبل، فيما تخطط الجزائر إلى إمداد السوق الأوروبية، عبر خط بني صاف إلى ألمرية الإسبانية (ميدغاز)، الذي يمر عبر البحر المتوسط، بطاقة استيعاب خمسة مليارات متر مكعب، مع مضاعفته بنحو 2 مليار متر مكعب سنويا، ليصل إلى 10 مليارات متر مكعب.

وكانت الطاقة الاستيعابية لخط أنابيب الغاز مع المغرب تبلغ ثلاثة مليارات متر مكعب.

يعزو الخبير الاقتصادي الجزائري، عبد الرحمن عيه، قرار بلاده إلى "تلميحات صدرت من مسؤولين مغربيين بأنهم سيقومون بالاستيلاء على هذا الأنبوب الذي يمر عبر أراضيهم، في حال تدهور العلاقات مع الجزائر". 

وقال عيه في مقابلة مع قناة "الحرة" إن الجزائر بالفعل هي من اتخذت القرار، "لكن التلميحات المغربية الأولى، حتى قبل أن تصل الأمور إلى مستوى قطع العلاقات، كانت تقول إن هذا الأنبوب أصبح لا يحقق المكاسب التي كان يحققها في البداية بالنسبة للرباط". 

وأضاف أن "المغرب لا يمتلك تلك الثروات التي تعرف بالطاقات الأحفورية، فهو لا يمتلك الغاز ولا البترول ولا الفحم، وهو يستورد هذه الثروات، ولذلك لا نفهم لماذا لمح قبل أن تتخذ الجزائر القرار السيادي بقطع العلاقات، كان من الأجدر على الأقل من الناحية البراغماتية أن يبقي على هذا الخط الرفيع في المجال الاقتصادي". 

في المقابل، نفى الباحث الاقتصادي المغربي، النجيب الصومعي، هذا الاتهام ورغبة بلاده في الاستيلاء على الأنبوب، "بالعكس، المغرب أكد مرارا وتكرارا أنه ملتزم باستمرار العقد ولكن الذي اتضح فيما بعد أن الجزائر بالنظر لطريقة قطع العلاقات غير المبررة، استمرت في خطوات أخرى". 

ويقول الصومعي إن "الخطير في الأمر أنه لا مستفيد من العملية، بل إن الجزائر ستفقد زبونا مهما وكذلك ستفقد منظومة لوجستية مهمة وكذلك إعادة تموقع في السوق الإسبانية بعدما فقدتها عمليا بتراجع مساهمة الغاز الجزائري من 65 في المئة إلى أقل من 35 في المئة". 

بينما يرى عيه أن "الجزائر لا تفقد أي شيء بناء على القرار، فعلى سبيل المثال، حصة إسبانيا كلها يمكن إمدادها به عبر الأنبوب العابر للبحر، وبالتالي فإن هذا الأنبوب الذي يمر عبر المغرب لن تكون له أهمية استراتيجية على الأقل في الوقت الحالي". 

وبالنسبة إلى خسارة الجزائر لزبون مهم مثل المغرب قال عيه إن "مبيعات الجزائر إلى المغرب بحدود مليار متر مكعب، وذلك من إجمالي تصدير 50 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، لذلك لا أعتقد أن الجزائر ستخسر أموالا كثيرة بسبب عدم استيراد المغرب للغاز الجزائري". 

وحول بدائل المغرب بعد وقف الجزائر إمداده بالغاز يعتبر الصومعي أن إدارة بلاد لمنظومة الطاقة بمثابة "تدبير استراتيجي منذ سنوات". 

ورغم أن الصومعي يؤكد أن الغاز الجزائري مهم في منظومة الطاقة المغربية فإنه يشير إلى "التحولات الكبرى التي عرفها المغرب من خلال استغلال الطاقات المتجددة في السنوات الأخيرة، وكذلك إعادة تموقعه في أسواق الطاقة العالمية من خلال تنويع شركائه سواء في دول الخليج أو الولايات المتحدة أو دول أفريقيا". 

وأضاف أن "المغرب اليوم يمتلك تموقعا إيجابيا في أسواق عدة، أولها السوق الأميركية الذي يعتبر سوقا واعدا، والسوق الخليجية من بين أهم المزودين للمغرب وكذلك منظومة شرق البحر الأبيض المتوسط التي ستبدأ التصدير في الأيام المقبلة".

وأشار الصومعي إلى أن "المغرب ماض في تعزيز جدوى الاقتصاد لمنظومة الطاقة التي بصدد إنجازها مع نيجيريا من خلال أنبوب غاز مهم يربط نيجيريا بأوروبا عبر المغرب مع إمكانيات تجارية واقتصادية وصناعية كبيرة جدا". 

يذكر أن الجزائر قطعت، في أغسطس الماضي، علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط، بعد شهور من التوتر، في قرار عزته إلى "قيام المغرب بأعمال عدائية ودنيئة ضد الجزائر".

بدورها، سارعت الرباط في الرد، معربة عن أسفها للقرار الذي اعتبرته "غير مبرر"، مشددة على رفضها لما أسمته "المبررات الزائفة".