قس فرنسي نجا من عصابات هايتي يروي تفاصيل الاحتجاز

يرى أحد رجال الدين المسيحي، القس الفرنسي ميشيل برياند، والمقيم في هايتي أن اختطاف 17 رهينة أميركي وكندي من قبل إحدى أكبر العصابات المنظمة في البلاد، يشير إلى تدهور وتفسخ في قيم المجتمع المحلي الذي كان يعتبر الكنيسة ركيزة أساسية للبلاد، بما تقدمه من خدمات وأعمال خيرية في مجالات الصحة والتعليم ومساعدة الطبقات المسحوقة في ذلك البلد الفقير.

وأوضح في حديث لصحيفة "نيويورك تايمز" أن عصابة "مازو 400" التي تختطف الرهائن وتطالب بـ17 مليون دولار مقابل الإفراج عنهم، هي نفس العصابة التي اختطفته في أبريل الماضي مع 9 آخرين، واصفا ما تمر  به البلاد من اضطرابات سياسية واجتماعية واقتصادية بالفصل الأقسى الذي عايشه، منذ انتقاله إلى هايتي قبل 35 عاما.

وقالت الصحيفة إن تلك العصابة كانت تعامل الرهائن التسعة معاملة حسنة نوعا، ولكن مع مرور الوقت أخذت معاملتهم تزداد عنفا، فشرع بعض أعضاء العصابة بتمزيق ثياب الرهبان وتغمية أعينهم، بالإضافة إلى حرمانهم من الطعام، بغية الضغط نحو تسريع "دفع الفدى".

ولفت القس برياند إلى أنه  في بلد تتفشى فيه الجريمة وتندر في الوظائف وفرص العمل، ينضم عدد متزايد من الشباب إلى العصابات.

وتابع: "ومع تحول هذه المنظمات الإجرامية إلى عمليات الخطف لجمع الأموال ، أصبحت حتى الكنيسة، وهي مؤسسة لطالما كانت ركيزة من ركائز المجتمع الهايتي، ولها تاريخ في دعم السكان في الأوقات الصعبة، هدفا لتلك الجماعات الإرهابية".

ونبه إلى أن "عملية الخطف الوقحة بحق 17 شخصًا ينتمون إلى مجموعة تبشيرية مقرها الولايات المتحدة، مؤشر على هذا التحول الخطير في المجتمع، إذ  هددت عصابة ماوزو 400 بقتلهم ما لم تحصل على 17 مليون دولار مقابل إطلاق سراحهم".

واعتبر بريان أن  كل فدية تُدفع تشجع على المزيد من أعمال الخطف وغيرها من الجرائم، مردفا: "ربما بإمكاننا إلقاء الخطب والمواعظ على أولئك الشبان من العصابات، ولكننا لن نعيدهم إلى الصواب، لقد خسروا أخلاقهم وقيمهم".

وكان، جيديون جان، المدير التنفيذي لمركز البحث والتحليل لحقوق الإنسان، في هايتي قد أوضح أن أكثر من 40 رجل دين من الكنيسة الهايتية والبعثات الأجنبية التبشيرية قد تعرضوا للخطف منذ بداية العام الجاري، متابعا: "لقد أضحت الكنيسة في عين عاصفة الخطف".

وفي نفس السياق، قال لاينيك هوربون، عالم الاجتماع والباحث الهايتي في المركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية، إن التصاعد الأخير في عمليات اختطاف أعضاء الكنيسة في هايتي يشير إلى "انهيار العلاقات الاجتماعية في هايتي".

وكانت الكنيسة قد نجت لفترة طويلة من عنف العصابات في هايتي، مستفيدة من موقعها كواحدة من آخر المؤسسات المستقرة في بيئة اتسمت بتفشي العنف والفساد.

ومع ذلك، لا تزال المنظمات الدينية تحتفظ بشعبية كبيرة ، وغالبًا ما تملأ الفراغ الذي خلفته دولة منهكة، وتقدم المساعدات والغذاء للمحتاجين وتعمل كقوة اجتماعية، يقول بعض السكان إنها تمنع هايتي من الانهيار.

ونزل بعض الهايتيين إلى الشوارع يوم الأربعاء للمطالبة بإطلاق سراح المبشرين، مشيدين بوزارات المعونة المسيحية لتقديمها الخدمات الأساسية التي لم توفرها حكومتهم.

لكن عملية الاختطاف الأخيرة أظهرت أنه لا يوجد أحد خارج الحدود، وأن الاحترام التاريخي الذي تم دفعه للكنيسة لم يعد كافياً لإبعاد العصابات.

وقال هربون: "لقد أدى انهيار الدولة إلى تدمير جميع الروابط الاجتماعية"،  وأضاف أنه من خلال عمليات الخطف هذه "تم انتهاك كافة المحرمات الاجتماعية".

ونوه إلى أن الكنيسة لطالما كانت تشكل جدار "حماية" في المجتمع الهايتي، حيث توفر التعليم والاستقرار، وفي بعض الأحيان أصبحت لاعباً سياسياً في مواجهة حكومات ضعيفة وفاسدة تاريخيا.

وقال الأب برياند في مقابلته مع "نيويورك تايمز" إنه مع احتلال عملية الاختطاف عناوين الصحف الدولية، انزعج أفراد العصابة، وحاولوا تمزيق شالات الكهنة، وهي جزء من ملابسهم الكنسية التي تغطي الأكتاف، لاستخدامها كغطاء لأعينهم وتقييد أيديهم، لكن الكهنة احتجوا على تدنيس شالاتهم المقدسة، وقدموا بدلاً من ذلك ألبسهم أو ستراتهم.

وأشار  برياند إلى أن الحراس أشفقوا عليهم، إذ كانوا يزيلون العصب عن أعينهم ويفكون قيود أيديهم كلما غادر زعيم العصابة مكان الاحتجاز.

وبعد أسبوعين من خطفهم، مع توقف المفاوضات بشأن الفدية، منعت العصابة الطعام، وعندما اشتكوا من الجوع، تسلل أحد الحراس إليهم بالقليل من الطعام.

وعندما اقتربوا من أسبوعهم الثالث في الأسر، يردف القس: " أيقظونا في منتصف الليل، ليقولوا لنا الوقت لإطلاق سراحنا، وهنا عانقنا أحد قادة العصابة جميعا، وسألني أن نصلي له.. فقلت له لا داع لسؤالك فأنا أصلي لك دائما". 

المصدر : الحرة