المغرب... "جناح الصقور" يعود لواجهة البوليساريو

04/11/2021 10:31AM

بعد يوم واحد من قرار مجلس الأمن الدولي، الذي دعا طرفي النزاع  في الصحراء الغربية، إلى "استئناف المفاوضات دون شروط مسبقة وبحسن نية"، اختارت جبهة البوليساريو، فيما يبدو "تصعيد" حربها ضد الجيش المغربي، بعد أن أعلنت رفضها للقرار الأممي، وفقا لما يراه محللون. 

"جناح الصقور"

وأعلنت جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (بوليساريو) التي تحظى بدعم الجزائر، الاثنين، تعيين 19 قيادة جديدة في مؤسستها العسكرية، "من جناح الصقور الأكثر تشددا داخل الجبهة"، بحسب وصف، الباحث البشير محمد الحسن، معتبرا أن هذه "رسالة واضحة من جبهة البوليساريو أنها جادة بخصوص تصعيد العمليات العسكرية ضد المغرب". 

فمن أبرز من تم استدعاؤهم في هذه التعيينات الجديدة، محمد الولي اعكيك، في منصب "رئيس أركان جيش التحرير الشعبي الصحراوي"، وهو من الحرس القديم الذي قاتل ضد قوات المملكة المغربية على مدار 16 عاما، حتى توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين الطرفين في سبتمبر 1991، برعاية الأمم المتحدة. 

ويقول الحسن لموقع "الحرة" إن "المعينين الجدد كانوا قادة ميدانيين خلال سنوات الحرب ولهم خبرة عسكرية ومشهورين بأمجاد وبطولات وكبروا على العمل الميداني المباشر، وبالتالي هذه رسالة واضحة بإطلاق اليد لهذا الجناح بدءا من التخطيط العسكري وتنفيذ عمليات مباشرة". 

في المقابل، يرى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة سيدي محمد بالمغرب، سعيد الصديقي، في حديثه مع موقع "الحرة"، أن بيان البوليساريو الجديد "لا يضيف جديدا ولا يعني شيئا بالنسبة للحكومة المغربية". 

ويقول الصديقي إن "جبهة البوليساريو تدعي منذ أشهر خوضها حربا مفتوحة مع المغرب، وأعلنت انسحابها الرسمي من اتفاق وقف إطلاق النار، وأصدرت العديد من البلاغات.. التي تقول فيها إنها تقوم بعمليات عسكرية ضد المملكة". 

غير أن الصديقي أكد في نفس الوقت أن "هذا لا يعني أن البوليساريو باستدعائها لاعكيك في منصب رئيس أركان قوات الجبهة المسلحة، بالذات تستطيع فعلا أن تغير موازين القوى". 

لكنه يؤكد أن التعيينات الجديدة "تعكس الأزمة التي تعيشها الجبهة، والأطروحة الانفصالية والإحباط الذي أصاب القيادة الجزائرية، لأنها وجدت أنه رغم ما قامت بإنفاقه على سبيل الأطروحة الانفاصالية، فشلت حتى في إقناع مجلس الأمن بأن يتخذ موقفا على الأقل، مثل إدانة ما قام به المغرب من عملية عسكرية العام الماضي".  

الوساطات الأممية

تمتد الصحراء الغربية على مساحة 266 ألف كيلومتر مربعة على ساحل المحيط الأطلسي بين المغرب وموريتانيا والجزائر.

ويخترق المنطقة "جدار دفاعي"، كما تسميه السلطات المغربية، من الشمال نحو الجنوب على طول 2700 كلم. ويقطن المنطقة، الغنية بالفوسفات، أكثر من نصف مليون شخص، بينما تعد مياهها غنية بالسمك.

وتعد العيون والداخلة والسمارة أهم مدن المنطقة، وتقع جميعها في الدائرة التي يخضعها المغرب لإدارته.

وفي آخر قرار له حول نزاع الصحراء الغربية دعا مجلس الأمن الدولي، نهاية أكتوبر، كلاً من المغرب وجبهة البوليساريو والجزائر وموريتانيا إلى استئناف المفاوضات، "بدون شروط مسبقة وبحسن نية" في أفق التوصل إلى "حل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين" بهدف "تقرير مصير شعب الصحراء الغربية".

ويفترض أن تستأنف هذه المفاوضات، المتوقفة منذ عام 2019، تحت رعاية المبعوث الأممي الجديد الإيطالي، ستافان دي ميستورا.

لكن الجزائر أعلنت رفضها العودة إلى طاولة المحادثات "رفضا رسميا لا رجعة فيه". كما أدانت جبهة البوليساريو قرار أمميا "حكم مسبقا بالفشل على مهمة" دي ميستورا، في حين أعرب المغرب عن استعداده "للتعاون معه".

وتقترح المملكة التي تسيطر على ما يقرب من 80 في المئة من أراضي المنطقة الصحراوية الشاسعة، منحها حكما ذاتيا تحت سيادتها.

أما جبهة البوليساريو التي تحظى بدعم الجزائر فتدعو إلى إجراء استفتاء لتقرير المصير بإشراف الأمم المتحدة التي أقرته عند توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين المتحاربين في سبتمبر 1991.

ويرى الصديقي أن "مضمون قرار مجلس الأمن الأخير لا يختلف كثيرا عن قراره العام الماضي، دائما ما يدعو إلى الحوار وإلى حل مقبول". 

لكن الصديقي يرى أن "الوضع في المنطقة لا يسمح ولا يشجع مختلف الأطراف للدخول في حوار جاد"، مشيرا إلى أن "المغرب أعرب مرارا عن الجلوس على مائدة المفاوضات، لكن جبهة البوليساريو أعلنت صراحة عدم قبولها للمقترح الأممي". 

وجاء قرار التعيينات العسكرية الجديدة، من جانب البوليساريو، بحسب الحسن، "كرد فعل لها على ما قالت الجبهة إنه خيبة أمل من قرار مجلس الأمن الدولي".

وأشار إلى أن الجبهة "كانت تنتظر هذه الفرصة حتى تجدها مناسبة لإعادة تصعيد العمليات العسكرية ضد المغرب، لذلك لجأت إلى جناح الصقور الأكثر تشددا .. ووضعت قياداته في المراكز العليا داخل المؤسسة العسكرية للبوليساريو". 

يوضح الحسن أن "نقطة الخلاف للبوليساريو ليست حول بيان مجلس الأمن على الدعوة إلى الحوار بدون شروط مسبقة، فهذه دعوة تقليدية تزين بها كل قرارات المجلس منذ توسط الأمم المتحدة بين البوليساريو والمغرب عام 1991، لكن الجبهة لديها تحفظ على القرار، من حيث أنه حدثت تطورات ميدانية على الأرض وهو خرق المغرب لقرار وقف إطلاق النار في 13 نوفمبر 2020". 

وأعلنت جبهة البوليساريو، في نوفمبر 2020، إنهاء العمل باتفاق وقف إطلاق النار الموقع عام 1991، ردا على عملية عسكرية مغربية لإبعاد مجموعة من عناصر الجبهة أغلقوا الطريق الوحيد المؤدي إلى موريتانيا المجاورة، وانتشار القوات المغربية في منطقة عازلة في الصحراء الغربية. 

وبحسب مصدر مغربي مطلع، لوكالة فرانس برس، قُتل ستة جنود من القوات الملكية المغربية إثر "مضايقات" من جانب البوليساريو منذ إنهاء وقف إطلاق النار.

"سبب الخلاف"

ويقول الحسن لموقع الحرة"، إن "الجبهة رأت في قرار مجلس الأمن أنه يتعامل مع الواقع كأنه لم يحدث شيء ولم يتم خرق وقف إطلاق النار من قبل المغرب"، مشيرا إلى أنه "كان يجب أن تتغير العقلية وتعود إلى جوهر بعثة الأمم المتحدة، لتنظيم استفتاء لتقرير المصير، وألا يقتصر عمل البعثة على الحفاظ على وقف إطلاق النار فقط".  

ويقول الصديقي: "بغض النظر عن قرار مجلس الأمن، فإن الوضع على الأرض يوحي بأنه لن تكون هناك مفاوضات ولا محادثات"، مشيرا إلى أن الدور الذي يمكن أن يقوم به المبعوث الأممي إلى المنطقة حاليا، من وجهة نظره، "هو الحفاظ على الوضع القائم بحيث لا يتدهور أكثر من ذلك". 

يشير الصديقي إلى احتمالية "أن تنفذ جبهة البوليساريو عمليات استفزازية بإيعاز من الجزائر، خاصة بعدما أعلنته الأخيرة، الأربعاء، أن ثلاثة من مواطنيها قتلوا على يد الجيش المغربي". 

وقتل ثلاثة جزائريين، الإثنين، في قصف نسب إلى المغرب واستهدف شاحنات تقوم برحلات بين موريتانيا والجزائر، كما ذكرت وكالة الأنباء الجزائرية، الأربعاء.

وقال البيان الجزائري إن "قتل الجيش المغربي لمواطنين جزائريين لن يمر دون عقاب".

ولم تؤكد الجهات الرسمية في المغرب، ولم تنف، ما جاء في بيان الرئاسة الجزائرية. في حين أكد مصدر مغربي لوكالة فرانس برس أن المملكة "لن تنجر" إلى حرب مع جارتها. 

ووصف المصدر ما جاء في البيان الجزائري، بأنه "اتهامات مجانية"، وقال إن "المغرب لم ولن يستهدف أي مواطن جزائري، مهما كانت الظروف والاستفزازات".

واستبعد محللون أن تدخل الجزائر في مواجهة عسكرية مع المغرب، في ضوء الحادثة الأخيرة، التي أضافت تصعيدا أكبر للنزاع بين الجارتين.

وقطعت الجزائر العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، في نهاية أغسطس الماضي، بسبب ما وصفته وقتها بـ"أعمال عدائية" من جانب المملكة، وهو قرار اعتبرته الرباط "غير مبرر تماما".

ماذا لو انقلب الأمر إلى حرب؟

وحول احتمالية تصعيد جبهة البوليساريو لعملياتها ضد الجيش المغربي، قال الصديقي إن "جبهة البوليساريو الحالية ليست هي التي كانت موجودة في الماضي، حيث أصبحت بعيدة من الناحية الدبلوماسية والعسكرية".

ويضيف "وفي المقابل، فإن المغرب عزز من قدراته العسكرية خلال السنوات الأخيرة وأصبح يتحكم في مجمل إقليم الصحراء لا سيما جنوب وشرق الجدار، وتم تضييق الخناق على جبهة البوليساريو التي كانت تتحرك بحرية في المنطقة". 

لكن الحسن يشير إلى أن جبهة البوليساريو إذا صعدت بالفعل ضد الجيش المغربي، فإنها "يمكن أن تحقق نتائج في النهاية، لأنه لا يوجد أي جيش كلاسيكي في العالم ربح معركة الاستنزاف ضد جيوش تعتمد حرب العصابات والكر والفر، فهذه عقيدة جيش البوليساريو، التي ترى أنها تحقق استنزافا ماديا وعسكريا يصعب على أي جيش في العالم". 

وكانت محكمة العدل الدولية في لاهاي، قد أقرت وجود روابط بين الصحراء الغربية أثناء خضوعها للاستعمار والمغرب وموريتانيا، لكن المحكمة اعتبرت هذه الروابط غير وثيقة لتقضي، في 16 أكتوبر 1975، بمنح سكان المنطقة حق تقرير المصير.

في السادس من نوفمبر من السنة ذاتها، لبى 350 ألف مغربي نداء الملك الراحل الحسن الثاني للتوجه في "مسيرة خضراء" تخترق حدود هذه المنطقة لتأكيد "انتمائها" للمملكة.

وفي السنة التالية، عام 1976، أعلنت جبهة البوليساريو مدعومة خصوصا من الجزائر وكوبا وجنوب أفريقيا قيام "الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية".

وفي 1979، سيطر المغرب على الغالبية العظمى لأراضي الصحراء الغربية بعد انسحاب موريتانيا من الجزء الذي كان يخضع لها جنوب المنطقة، وشيد عدة "جدران" دفاعية لصد هجمات البوليساريو.

بعد حرب استمرت 16 عاما دخل اتفاق لوقف إطلاق النار حيز التنفيذ، في 1991، مع تحديد منطقة عازلة تراقبها قوات القبعات الزرق الأممية. 

مباحثات متوقفة

وفي غياب حل نهائي، تدرج الأمم المتحدة الصحراء الغربية على لائحة "الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي".

تراقب بعثة الأمم المتحدة (مينورسو) احترام اتفاق وقف إطلاق النار من خلال دوريات برية وجوية، وتضم البعثة، ومقرها في مدينة العيون، نحو 240 موظفاً.

بعد استقالة المبعوث الأممي، هورست كولر، في مايو 2019، لأسباب صحية، انتظرت الأمم المتحدة، حتى أكتوبر 2021، لإيجاد خلف له. 

وعقب توقف طويل، استؤنف الحوار برعاية الأمم المتحدة بين المغرب والبوليساريو والجزائر وموريتانيا، في ديسمبر 2018، تلتها جولة ثانية، في مارس 2019، من دون تسجيل أي تقدم. 

يمثل ملف الصحراء الغربية الخلاف الأساسي بين المغرب والجزائر، وما تزال الحدود البرية بين البلدين مغلقة منذ 1994.

وفي غياب تقدم المفاوضات، زادت الرباط جهودها لتعزيز موقفها عبر فتح قنصليات أو تنظيم فعاليات دولية في الصحراء الغربية، ما أثار احتجاجات جبهة البوليساريو.

وفتح حوالى 16 بلدا، الغالبية العظمى منها أفريقية، تمثيليات دبلوماسية منذ نهاية 2019 في العيون والداخلة.


المصدر : الحرة

شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa