ماذا فعلت كورونا بقطاع السياحة في مصر؟

10/12/2021 08:13AM

 لا تقتصر خسائر قطاع السياحة في مصر جراء وباء كورونا -المستمر منذ نحو عامين- على الأرقام المتعلقة بتراجع الإيرادات، وانكماش القطاع، وانخفاض نسبة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، وعدد العاطلين، بل تذهب إلى ما هو أبعد من كل ذلك.

وبحسب خبراء ومسؤولين سابقين في قطاع السياحة -الذي كان ينظر إليه باعتباره قاطرة النمو الاقتصادي، وثالث أهم مصدر للعملة الصعبة، ويستوعب نسبة معتبرة من قوى العمل- أحد أكثر الأضرار التي تواجه القطاع هو هجرة الخبرات على مستوى المرشدين والموظفين والعمالة، والتي تحتاج إلى وقت من أجل تعويضها.

وأكدوا -في تصريحات للجزيرة نت- أن جذور أزمة هجرة الخبرات السياحية ممتدة إلى أبعد من أزمة جائحة كورونا، التي كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، وتحديدا منذ ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وما تبعها من اضطرابات سياسية، جعلت قطاع السياحة رهانا خاسرا لذوي الخبرات والمحترفين والموهوبين.

وعززت المخاوف من "أوميكرون" (Omicron) -المتحور الجديد لفيروس كورونا الذي يواصل انتشاره في العالم- من تأخر تعافي السياحة في فصل الشتاء (موسم السياحة في مصر)، وأعاد المتحور الجديد فرض بعض الإجراءات الاحترازية التي كانت تخلت عنها بعض الدول مؤخرا مع توسع تلقي التطعيمات فيها.

ورُصد المتحور الجديد -الذي صنفته منظمة الصحة العالمية بأنه "مقلق"- لأول مرة في جنوب أفريقيا، ومنذ أن أبلغت سلطات البلد منظمة الصحة العالمية يوم 24 تشرين الثاني الماضي، سُجلت إصابات بأوميكرون في أكثر من 40 دولة في جميع أنحاء العالم.

السياحة وأرقام من الماضي

يسهم قطاع السياحة بمصر في خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة، ويقدر عدد العاملين فيه بحوالي 3 ملايين عامل، وهو ما يمثل نحو 10% من إجمالي قوة العمل، بحسب دراسة لمعهد التخطيط القومي في أيار 2020 ونشرتها وسائل إعلام محلية.

لكن هذه الأرقام أصبحت من الماضي، فإجمالي طلبات الإعانة من العاملين في قطاع السياحة (العام والخاص) نحو نصف مليون فقط، حيث بلغت إعانات الطوارئ للعاملين المتضررين من فيروس كورونا 890 مليونا و407 آلاف جنيه (نحو 57 مليون دولار)، صرفت لـ509 آلاف و350 عاملا يعملون في 8354 منشأة.

وفي العادة، تمثل عائدات السياحة (في الظروف الطبيعية) نحو 12% من الناتج المحلي الإجمالي، ونحو 15% من إيرادات مصر من العملات الأجنبية، وثالث أكبر مصدر للدخل الأجنبي للبلاد.

استقبلت مصر نحو 3.5 ملايين سائح خلال الفترة بين الأول من يناير/كانون الثاني وحتى نهاية يونيو/حزيران عام 2021، وبلغت الإيرادات الإجمالية ما يتراوح بين 3.5 إلى 4 مليارات دولار فقط، وذلك بمتوسط إنفاق للسائح الواحد يبلغ 95 دولارا لليلة الواحدة، وفقا لبيانات وزارة السياحة.

خبرات مفقودة

في معرض تعليقه، أكد وكيل وزارة السياحة السابق الدكتور مجدي سليم أن "كل خسائر السياحة كبيرة؛ فتراجع إيرادات السياحة بالعملة الصعبة خسارة كبيرة، وفقد العمالة خسارة كبيرة، خاصة الماهرة منها، لكن الأخيرة تأثيرها يكمن في أمرين رئيسيين".

وأوضح -في حديثه للجزيرة نت- أن الأمر الأول هو انصراف العمالة الماهرة إلى مهن أخرى، مما يعني فقدان كفاءات تراكمت خبراتها على مدى سنوات، وعامل جذب مهم للسياحة. أما الأمر الثاني، فهو "أن معظم العاملين في السياحة يعولون أسرهم، وإذا كنا نقول إن قطاع السياحة كان يضم 4 ملايين عامل (مباشر وغير مباشر)، فهذا يعني أنها كانت تعول 16 مليون مواطن، وبالتالي فواقع التأثير على الأيدي العاملة قاس وصعب".

ومع تنامي المخاوف بشأن المتحور الجديد، قال سليم -الذي شغل رئيس قطاع السياحة الداخلية بهيئة تنشيط السياحة- "يجب وضع صحة الإنسان في المقام الأول، فإذا كانت هناك تقارير تؤكد أن هذه المتحورات قد تؤدي إلى زيادة انتشار الوباء، فالأحرى أن نزيد من الإجراءات الاحترازية، حرصا على عودة التعافي بشكل سليم وصحيح، ولكن تقارير منظمة الصحة العالمية تقول إنه (المتحور الجديد) أضعف مما كان متوقعا، وأرى أنها موجة سوف تمر كما مر الأخطر، والإغلاق الذي شاهدناه من قبل بعض الدول الغربية مؤقت".

حجم الخبرات المغادرة

بدوره، قدر عضو مجلس إدارة الاتحاد المصري للغرف السياحية ورئيس غرفة السلع السياحية، علي غنيم، حجم هجرة الأيدي العاملة المدربة من قطاع السياحة بنحو 50% نتيجة أزمة كورونا، مشيرا إلى أن الإغلاق الكلي في الأشهر الأولى من الأزمة دفعت الكثيرين إلى البحث عن مورد رزق آخر، وفرص عمل بديلة.

وأكد غنيم -في تصريحات صحفية- أن هجرة العاملة المدربة أثرت على مستوى الخدمات المقدمة للسياح والنزلاء بالمنشآت السياحية والفندقية، لافتا إلى أن اتحاد الغرف السياحية سيبدأ خلال الفترة المقبلة بالتعاون مع غرفتي الفنادق والمنشآت في تدريب العمالة بأحدث النظم التدريبية.

خسارة الأيدي الماهرة

من جهته، قال عضو مجلس إدارة غرفة شركات السياحة علاء الغمري إن قطاع السياحة تكبد خسائر كبيرة على أكثر من صعيد، خاصة في القوى البشرية، لأن فترة التوقف تعد كبيرة، فضلا عن أن القطاع كان يعاني التراجع بسبب سلسلة الأحداث السياسية والاقتصادية التي مرت بها البلاد خلال السنوات الماضية.

ووصف الغمري -في حديثه للجزيرة نت- العمالة الماهرة والمدربة بمختلف تخصصاتهم بأنها "كنز"، ولكن لم يكن من الممكن الاحتفاظ بجميع الموظفين بسبب أزمة كورونا التي أوقفت نشاط السياحة، إذ اضطر هؤلاء إلى ترك وظائفهم، خاصة أن الاعتماد ليس على الأجور إنما على الحوافز والمكافآت والنسب التي يحصلون عليها، والتي لم تعد متوفرة "وبالتالي، حتى لو بقي (الشخص) في وظيفته، فإن الراتب وحده لا يكفي".

ومع بدء تعافي القطاع نسبيا، يقول الغمري إن القرى السياحية والفنادق والشركات بدأت في جلب عمالة جديدة وتدريبها، مشيرا إلى أن المنشآت السياحية الكبيرة والمعروفة لديها حد أدنى من الكفاءات ومن الجودة لا تتخلى عنه، لأن اسم العديد منها هو رأس مالها؛ ولا يمكن أن تغامر به تحت أي ظرف.

وبخصوص متحور كورونا الجديد، رأى الخبير السياحي أن هناك بعض الدول استعجلت في مسألة الإغلاق أو الحظر والمنع من السفر، لأن المعلومات الرسمية من منظمة الصحة العالمية لا تدعو للقلق أو الفزع، مشيرا إلى أن من المزايا الممنوحة لقطاع السياحة هو توفير لقاح فيروس كورونا لجميع العاملين بنسبة 90%، وحتى الآن لا توجد آثار سلبية طارئة.

حرق الأسعار

ومن أجل الحفاظ على جودة الخدمات المقدمة للسياحة، رفعت الحكومة المصرية، للمرة الثانية خلال عام، الحد الأدنى لسعر الإقامة في المنشآت الفندقية بقيمة 10 دولارات إضافية بفنادق الـ4 و5 نجوم بهدف التصدي لظاهرة حرق الأسعار، وتنمية عائد السياحة المصرية، بالإضافة إلى رفع جودة الخدمات الفندقية.

واعتمد مجلس الوزراء قرار اللجنة الوزارية للسياحة والآثار الخاص بتحديد حد أدني لأسعار الإقامة في المنشآت الفندقية، وذلك برفع قيمة الحد الأدنى لتكون 50 دولارا للفنادق فئة 5 نجوم، و40 دولارا للفنادق فئة 4 نجوم، و30 دولارا للفنادق فئة 3 نجوم، و20 دولارا للفنادق فئة نجمتين، و10 دولارات للفنادق فئة نجمة واحدة، وذلك اعتبارا من الأول من مايو/أيار 2022، فيما عدا محافظات الأقصر وأسوان والوادي الجديد، ومدن طابا ونويبع حيث يتم التطبيق بها اعتبارا من الأول من تشرين الثاني 2022.

وانتشرت ظاهرة حرق الأسعار بالفنادق، وهي قيام بعض الفنادق بتقديم عروض بأسعار رخيصة مقابل الإقامة لجذب أكبر عدد من حجوزات شركات السياحة، مما تسبب في تراجع مستوى الخدمات المقدمة للسياح من جهة، وتضرر سمعة السياحة، وتفاقم خسائر بعض الفنادق من جهة أخرى.

وهو ما أكدت عليه غادة شلبي نائبة وزير السياحة والآثار لشؤون السياحة، بأن قرار تحديد حد أدني لأسعار الإقامة في المنشآت الفندقية، يعتبر خطوة تعزز من قيمة المقاصد المصرية، مشيرة إلى أن بعض الفنادق كانت تقدم أسعارا قد تؤثر جدا على جودة الخدمات المقدمة.


المصدر : الجزيرة

شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa