"الخوف من الأسوأ"... انقطاع الأدوية يهدد المدمنين في لبنان

15/02/2022 10:34PM

كتبت أسرار شبارو في "الحرة":

"قبل تسع سنوات قرعت طبول الحرب على الإدمان، لجأتُ إلى جمعية تعنى بعلاج وتأهيل المدمنين لتكون سلاحي في المواجهة، وبعد أن انتصرت في معارك عدة، انهزمتُ قبل شهرين بعدما تم تخفيف جرعات الدواء البديل التي كانت بالنسبة لي قوتي للسير في الطريق السليم"، كلمات قالها بحرقة، حسين، الذي عاد لتعاطي الهيروين بعد نقص "البدائل الأفيونية" من السوق اللبناني.

بعد أن بدأ علاجه بتناول ثلاث حبوب من الدواء تحسنت حالة حسين لفترة، حيث وصل إلى تناول نصف حبة فقط، لكن كما قال لموقع "الحرة" "عاد وانتكس وضعي لأسباب خاصة، عدت إلى الجرعة الأساسية، لأتفاجأ قبل حوالي الشهرين بالأخصائية النفسية تصدمني بخبر إمكانية انقطاع الدواء من السوق، ولذلك هي مضطرة لتخفيض الكمية التي أحتاجها من ثلاث حبوب إلى حبة واحدة".

لم تستثن الأزمة الاقتصادية التي عصفت بلبنان، منذ عام 2019، أياً من القطاعات، بما فيها قطاع الاستشفاء والدواء، حيث طالت لبنانيين اتخذوا قرار العلاج من الإدمان، لتشكل عقبة كبيرة في طريقهم مهددة بإعادتهم إلى النقطة التي انطلقوا منها.

في شهر نوفمبر الماضي، دُق ناقوس خطر انقطاع "البدائل الأفيونية"، تأهبت المراكز الصحية والجمعيات التي تعتمد عليها في علاج مرضاها لتدارك الكارثة، لا سيما وأن ما يقارب 1200 شخصاً مسجلين في وزارة الصحة على قائمة الاستفادة منها.

طوق نجاة.. مهدد

البدائل الأفيونية كما شرحتها المديرة التنفيذية لمركز "سكون" للمعالجة والوقاية من الإدمان، تاتيانا سليمان، هي أدوية معتمدة في لبنان منذ عام 2011، يتم وصفها للمرضى الذين يتعالجون من الإدمان على مادة أفيونية، فكما مختلف المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة ويحتاجون إلى أدوية كالضغط والسكر وغيرهما، يحتاج بعض مدمني المخدرات إلى دواء لفترات طويلة من حياتهم كي يقلعوا عن استخدام المخدرات".

في لبنان نوعان من الأدوية يندرجان في قائمة البدائل الأفيونية هما بحسب سليمان "السيبوكسون والبوبرينورفين، يعدان مسكنين قويين حيث يخففان من الآلام الحادة الناتجة عن أعراض انسحاب المخدرات لا سيما المواد الأفيونية، وهما مسجلان في وزارة الصحة، ويدخلان ضمن إطار أدوية الأمراض المزمنة التي رفع الدعم عنها بنسبة 20 في المئة، كما أنه مرخص لشركة أدوية وحيدة استيرادهما".

تتوفر الأدوية البديلة "في ثلاث صيدليات معتمدة من وزارة الصحة وهي مستشفى ضهر الباشق، مستشفى رفيق الحريري، ومستشفى الهرواي الحكومي".

كذلك تلجأ "جمعية عدل ورحمة" إلى علاج المرتهنين للمخدرات، وخاصة الأفيونيات، بالأدوية البديلة حيث أكد رئيس الجمعية، الأب نجيب بعقليني، أنها "طريقة عالمية موافق عليها من منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة اللبنانية".

وشرح الأب بعقليني لموقع "الحرة" "بعد أن يقرر الشخص التحرر من المخدرات، من الأفضل التوجه إلى المستشفى لتنظيف جسده، بعدها يقصد المركز الذي سيتابع حالته، حيث يخضع لفحص بول للتأكد من توقفه عن التعاطي، تتم متابعته من قبل طبيب نفسي ومعالجة نفسية وأخصائية اجتماعية، ليجري بعدها وصف الدواء له والجرعة المناسبة".

أضاف الأب بعقليني "على المريض التوجه إلى الجمعية بشكل أسبوعي لإجراء فحص بول قبل معاودة وصف الدواء له من جديد، وذلك للتأكد من مدى استمرار توقفه عن  آفة التعاطي، حيث أن خلاصه منها يحتاج من أشهر إلى سنوات، فالأمر يتوقف على إرادته وقدرته على التكيّف مع الحياة".

من جانبه، وصف رئيس قسم الطب النفسي في مستشفى "أوتيل ديو"، البروفيسور سامي ريشا "البدائل الأفونية" بـ "الضرورية جداً" لمعالجة المدمنين على الهيروين، فهي "من العلاجات التي يجب ألا تتوقف قبل شفاء المريض، وفي أحيان لا يمكن تخفيف جرعاتها، وللأسف هناك نقص في تأمينها من قبل وزارة الصحة التي وعدتنا بحل المشكلة، والخوف الأكبر فيما لو انقطعت كلياً". 

وأضاف في حديث لموقع "الحرة" أن "الهيروين مادة ممنوعة لذلك يعطى المدمن علاجاً من خلال دواء يجعله لا يطلب المخدرات، وعند تخفيض جرعة الأدوية التي يحتاجها، يشعر وكأن كمية الهيروين تنقص من جسده، يزيد طلبه للمادة أكثر، فيعود إلى الإدمان".

خسارة المعركة

كالصاعقة سقط خبر إمكانية انقطاع الدواء وتخفيف الجرعات على حسين، لم يتقبل الوضع، فعاد إلى تعاطي الهيروين، وقال: "قُضي على تفاؤلي، لم أجد أمامي سوى معاودة التعاطي لكي أتمكن من الوقوف على قدمي، حاولت إعطاء إشارات لمن حولي علّهم يمنعوني عن ذلك لكن من دون فائدة".

يدفع ابن البقاع يومياً 20 دولار لشراء الهيروين "كل ذلك لأن دولتنا الكريمة لا تقوم بواجبها، لم أتوقع يوماً أن دواء بهذه الأهمية لن يتوفر بالكميات اللازمة، وكأن المسؤولين يريدون أن يبقى الشباب غارقين في الإدمان ليكملوا مسيرة نهب البلد من دون أن يلاقوا أي ردة فعل من أحد".

في عمر الستة عشرة سنة، بدأ حسين رحلته في طريق الإدمان، أسباب عدة دفعته إلى هذا العالم المظلم على رأسها كما قال انفصال والديه وتشتت العائلة والفراغ والوحدة وعدم الشعور بالانتماء، ويقول: "شعرت أني منبوذ من المجتمع وضيف على هذا الكوكب، بدأت بتعاطي الحبوب المهلوسة والحشيش لأجرب بعدها مختلف أنواع المخدرات قبل أن أطرق باب الهيروين شماً وحرقاً وحقناً، والذي عندما أتعاطاه لا أشعر بالخوف والشك اللذين يتملكاني من دونه".

تم رفع الدعم جزئياً عن البدائل الأفيونية ليرتفع سعر العلبة، كما قال الأب بعقليني، من "27 ألف (ليرة لبنانية) إلى 136 ألف، في وقت الاعتمادات التي يفتحها مصرف لبنان لاستيرادها غير كافية، الأمر الذي دفعنا كجمعيات إلى التواصل مع وزارة الصحة ومع جهات خارجية قدمت الدواء بكمية تكفي لستة أشهر، كما أننا نلجأ أحياناً إلى الأدوية منتهية الصلاحية التي تخدم بعد تاريخ انتهائها عدة أشهر".

وكانت الحكومة اللبنانية أصدرت قراراً، في شهر نوفمبر الماضي، برفع الدعم الجزئي والكلي عن معظم الأدوية، وذلك بعد التصريحات المتكررة لحاكم مصرف لبنان المركزي، رياض سلامة، بعدم توفر الدولارات اللازمة لاستمرار الدعم، القرار اتخذ في ظل العجز المالي، الذي يعاني منه البلد منذ عام 2019 جراء الأزمة الاقتصادية.

قرار الحكومة اللبنانية دفع منظمة العفو الدولية، إلى اعتبار أن "السلطات اللبنانية تتقاعس عن حماية الحق في الصحة والحياة للمواطنين في خضم أزمة مستمرة جعلت المرضى غير قادرين على تحمل تكاليف الأدوية الأساسية، أو الحصول عليها".

وأضافت المنظمة في شهر ديسمبر الماضي "رُفع الدعم وارتفعت معه أسعار الأدوية في لبنان أربع مرات مقارنة بعام 2019 في بدايات الأزمة الاقتصادية، ولا يزال النقص في الأدوية شديداً، على الرغم من أنّ الحكومة كانت تدرك ضرورة رفع الدعم، أقلّه منذ العام الماضي، إلا أنها تقاعست عن وضع خطة حماية اجتماعية لضمان استمرار توفر الأدوية الأساسية".

كذلك أكدت سليمان لموقع "الحرة" أن اللجوء إلى الهبات لإنقاذ حياة عدد كبير ممن يرغبون بالشفاء من تعاطي المخدرات، وقالت: "منذ اطلاعنا على إمكانية فقدان الدواء الذي يقع على عاتق وزارة الصحة تأمينه، سارعنا إلى وضع خطة بديلة وهي تأمين الهبات والدفع للشركة المستوردة لشرائه".

اليوم يتم تأمين الأدوية البديلة بكميات قليلة، لذلك كما قالت سليمان: "نحن مضطرون إلى إعطاء كل المرضى الذين يستفيدون من العلاج جرعة 8 ملغ في وقت هناك من يحتاج إلى 16 ملغ وأكثر، وذلك بطلب من وزارة الصحة كي لا يقطع الدواء عنهم بشكل كامل، فحتى الآن لم نصل إلى الحل المناسب الذي لا يعرض حياة المرضى إلى الخطر، باختصار نحن في مرحلة الـSurvival (البقاء على قيد الحياة)".

وأضافت "المشكلة الثانية التي تواجهها مراكز علاج المدمنين على المخدرات عدم قدرتها على استقبال مرضى جدد يرغبون بالإقلاع عن الآفة التي تدمر حياتهم، فأي من الأطباء المخولين بفتح ملفات جديدة لمن يحتاجون إلى البدائل الأفيونية، لا يمكنهم الإقدام على هذه الخطوة، كون هناك اتفاقا مع وزارة الصحة بذلك".

انعاسكات سلبية

نقص جرعات الدواء البديل يؤدي بالمريض كما قال البروفيسور ريشا: "إلى العودة للإدمان، من هنا أشدد أن أدوية مهمة من هذا النوع لا يجب أن تنقطع، والمشكلة أن لا أحد يمكنه جلبها من الخارج، سوى وزارة الصحة كونها منظمة بقانون، لذلك على الوزارة أن تقوم بواجبها وتؤمّنها"، معبراً عن خشيته "من الأسوأ إذا لم يتم إيجاد حل للمشكلة".

كذلك أكدت سليمان أن عدم توفر الدواء وبالجرعات التي يحتاجها مريض الإدمان على المخدرات له انعكاسات سلبية عدة منها "أوجاع جسدية وتوتر نفسي يظهر ذلك في سلوكه ضمن عائلته وفي عمله، حيث يتلاشى الاستقرار الذي كان ينعم به لتاريخ هذه المرحلة، من هنا يحاول الأطباء النفسيون العمل بطريقة دقيقة من خلال تخفيف الجرعات أو وصف دواء آخر لتخفيف العوارض، ومع ذلك هناك من تعرضوا لانتكاسات". 

أدوية الأمراض المزمنة والمستعصية تخضع لآلية الدعم، بحسب ما قاله نقيب مستوردي الأدوية، كريم جبارة، شارحاً " 25 مليون دولار شهرياً هو المبلغ المخصص لهذه الأدوية، في حين كانت حاجة لبنان قبل الأزمة تصل إلى 70 مليون دولار، أي أن الفارق كبير بين السعر الحالي والحاجة الحقيقية للسوق".

ومع هذا قال جبارة لموقع "الحرة" إنه "لا يمكن للمستورد سوى التقيّد بالمبلغ الذي حدده مصرف لبنان لوزارة الصحة واتباع الخطوات التي وضعت له من أجل استيراد الدواء، أي تقديم طلب لوزارة الصحة التي قد ترفضه، وفي حال وافقت عليه ترسله إلى مصرف لبنان لفتح اعتماد قبل التقدم المستورد بطلب الاستيراد".

من جانبه أكد رئيس لجنة الصحة النيابية، النائب الدكتور عاصم عراجي، أنه يتابع قضية كل الأدوية، والمشكلة كما قال لموقع "الحرة": "تكمن في عدم وجود التمويل، فمبلغ الـ35 مليون دولار الذي حدده مصرف لبنان لوزير الصحة، الدكتور فراس أبيض، للتصرف به غير كاف، فـ 25 مليون دولار منه مخصصة لدعم أدوية الأمراض المزمنة والمستعصية و10 ملايين دولار لدعم المستلزمات الطبية، من هنا نجد أن عدداً كبيراً من الأدوية مفقود من السوق".

الحل بحسب عراجي أن "يرفع المبلغ المقرر لدعم الأدوية إلى 50 مليون دولار، وقد تحدثنا مع الرئيس نجيب ميقاتي ووزير الصحة ومصرف لبنان وإلى الآن لم يتغير شيء، حيث أن مصرف لبنان يؤكد أنه لا يمكنه القيام بأكثر من ذلك لعدم توفر الدولارات لديه".  

يرفض جبارة تحميل مسؤولية فقدان بعض الأدوية من السوق لأي جهة، موضحا أن "المستورِد لا يمكنه الاستيراد إلا إذا كان لديه موافقة مسبقة، ووزارة الصحة حُدد المبلغ لها وليس في يدها حيلة، أما مصرف لبنان يُعلن أن لا دولارات لديه تكفي لتلبية حاجة السوق".

مريض وليس مجرماً

تمنع القوانين اللبنانية معاقبة مدمن المخدرات إذا قرر العلاج  حيث تعتبره مريضاً لا مجرماً، إذ  تنص المادة 127 من قانون المخدرات والمؤثرات العقلية والسلائف الصادر سنة 1998 على أنه "يجوز منح المحكوم عليه وقف تنفيذ العقوبة المقضي بها أو إعفاؤه من تنفيذها، إذا كان قاصراً او لم يكن مكرراً أو تعهد بعدم التكرار وخضع لتدابير العلاج أو الرعاية التي فرضتها المحكمة وتشدد العقوبة إذا كان الفاعل من المهنيين العاملين في مجال الصحة".

أما المادة 183 فتنص على أنه "لكل مدمن على المخدرات قبل إجراء أي ملاحقة ضده أن يتقدم تلقائياً أمام لجنة مكافحة الإدمان على المخدرات المنصوص عليها في المادة 199 من هذا القانون طالباً إخضاعه لتدابير العلاج الجسماني والنفساني من مرض التعاطي، ويوقع تعهداً بذلك حيث يكون له الحق في هذه الحالة بإخفاء هويته إلا لأشخاص ملزمين بسر المهنة وعدم ملاحقته إذا تابع العلاج واستمر فيه حتى استحصاله على شهادة تثبت شفاءه التام من التسمم الإدماني والاعتياد الجسماني وتخلصه من الارتهان النفساني لعادة التعاطي".

لا يوجد دولة في لبنان، كما قال بعقليني، لكي يتوجه إليها لحل الأزمة التي تهدد عددا كبيرا من الشبان الذين قرروا سلوك طريق الخلاص، لذلك توجه إلى الجهات المانحة لكي ترأف بوضع المرضى.

وقال: "نحن في حالة إفلاس وانهيار على جميع الأصعدة، نخشى أن ينقطع الدواء ويعود متلقو العلاج إلى تعاطي المخدرات وإلى أفعال جرمية مختلفة، وفي هذه الحالة يشكلون خطراً على أنفسهم والمجتمع، إذ تحت تأثير المخدر لا يدركون ما يقومون به، الوضع مزر جداً، وبالرغم من الظروف الاقتصادية المتردية نلاحظ أن عدد المرتهنين للمخدرات إلى ازدياد، كذلك عدد التجار الذين أفسدوا الشباب".


المصدر : الحرة

شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa