اتصالات سرية وزيارات معلنة بين إسرائيل وتركيا.. ما الذي تريده الأخيرة؟

16/02/2022 05:17PM

يجري وفد تركي رفيع المستوى زيارة إلى إسرائيل، الأربعاء، في خطوة يراها مراقبون أنها تمهّد لتلك "النادرة" التي سيجريها الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، إلى العاصمة، أنقرة، في مارس المقبل، وذلك بناء على دعوة وجهها له الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان. 

ويرأس الوفد إبراهيم كالن، كبير مستشاري إردوغان، المتحدث باسمه، ونائب وزير الخارجية التركي، سادات أونال، ومن المقرر أن يلتقيا بمسؤولين إسرائيليين في الزيارة التي تستغرق يومين، ومسؤولين في السلطة الفلسطينية أيضا.

ويأتي ذلك في إطار الخطوات التي بدأتها أنقرة، خلال الأشهر الماضية، في مسعى منها لإعادة تحسين علاقاتها المتوترة مع إسرائيل منذ سنوات، وكذلك الأمر بالنسبة لدول أخرى كانت في "صف الخصوم"، على رأسها دولة الإمارات، والتي عاد منها إردوغان، الثلاثاء، بعد زيارة "تاريخية" له استمرت يومين. 

وقّعت تركيا والإمارات، الإثنين، 13 اتفاقية تشمل مجالات مختلفة، وفي الوقت الذي تحدث فيه مسؤولو البلدين عن "حقبة جديدة" تخيّم على مشهد العلاقات الثنائية، ذكرت وسائل إعلام أن أنقرة وأبوظبي تستعدان لتوقيع مذكرة تفاهم بشأن التعاون في مجالات النقل البري والبحري. 

وفي يناير الماضي، قال إردوغان، في مؤتمر صحفي، إنهم يهدفون إلى إحراز تقدم عبر مقاربات إيجابية بخصوص احتمال التعاون مع إسرائيل في شرق المتوسط، مؤكدا أن بلاده "ستبذل ما بوسعها إذا كان هذا الأمر قائما على أساس الربح المتبادل".

وأشار إلى أن وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي السابق، براءت ألبيرق، كان يجري محادثات مع إسرائيل، وكانت الأخيرة قد وصلت في هذه المحادثات إلى هدف معين يتمثل في نقل الغاز إلى أوروبا عبر تركيا، مضيفا: "والآن يمكننا القيام بذلك".

وأردف: "قبل كل شيء نحن سياسيون وكسياسيين فإننا مع السلام وليس الصراع، وإذا كان النفط وسيلة للسلام فإننا سنستخدمه، وإذا لم تكن أداة سلام، فإن القرار يعود بالطبع لكل بلد".

"شقاق وتدهور علاقات"

وكانت العلاقات بين إسرائيل وتركيا تأزمت عقب الحملة العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة عام 2008، لتتدهور وتصل إلى حد القطيعة أكثر عقب اعتراض البحرية الإسرائيلية "أسطول الحرية" في مايو 2012، حيث قتل الكوماندوز الإسرائيلي عشرة ناشطين أتراك.

وإثر ذلك طردت تركيا السفير الإسرائيلي وجمدت التعاون العسكري بعد أن خلص تقرير للأمم المتحدة في الحادث عام 2011 إلى تبرئة إسرائيل بدرجة كبيرة. وقلصت إسرائيل وتركيا تبادل المعلومات الاستخباراتية وألغتا تدريبات عسكرية مشتركة.

وفي عام 2016، عادت تركيا لتعلن استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل بعد ست سنوات من الشقاق، حيث أكد إردوغان في حينه حصول اتفاق مع إسرائيل وأن "العلاقات الاقتصادية معها ستبدأ في التحسن".

بعدها بعامين، عاد التوتر من جديد في العلاقات بين البلدين، بسبب الموقف التركي من العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، لتصبح العلاقات الدبلوماسية بينهما على مستوى القائم بالأعمال.

وفي أواخر 2020، تردد حديث عن حراك لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وهو ما ورد ذكره على لسان مسؤولين أتراك بينهم المستشار الرئاسي، مسعود كاسين، في ديسمبر 2020. لكن هذا الأمر تجمد لتعود العلاقات إلى التأزم بعد التصعيد العسكري الأخير في غزة وقضية حي الشيخ جراح.

"تحوّل مع قرب 2022" 

ومنذ الكلمات التي أطلقها كاسين، وقضية "الشيخ جراح" الأخيرة، لم يطرأ أي جديد على صعيد العلاقة بين إسرائيل وتركيا، وصولا إلى شهر نوفمبر 2021 لتطلق أنقرة تصريحات ومواقف وصفت بـ"الدافئة". 

في 30 من الشهر المذكور، وبعد أيام من زيارة ولي عهد أبوظبي، الشيخ محمد بن زايد، إلى أنقرة جدد الرئيس التركي رغبة بلاده في تحسين العلاقات مع إسرائيل ومصر، ردا على سؤال صحفي عن العلاقات مع القاهرة وإسرائيل، وقال إن "أي خطوات اتخذت مع الإمارات سنتخذ مثلها مع الآخرين (مصر وإسرائيل)".

وبعد أزمة اعتقال الزوجين الإسرائيليين بشبهة التجسس في تركيا، حصل لأول مرة تواصل بين إردوغان ورئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، وإردوغان ونظيره هرتسوغ، وعكست الأجواء الإيجابية في الاتصال انفتاح الجانبين على إعادة إصلاح العلاقات.

وبقيت الأمور تسير على هذا المنحى، ومعها تطورت "التصريحات الدافئة" شيئا فشيئا من جانب أنقرة، لتصل في آخر محطاتها بالدعوة التي وجهها إردوغان إلى هرتسوغ لزيارة تركيا، واتجاه الأخير مؤخرا لتهنئته بالسلامة بعد إصابته بفيروس "كورونا".

ما الذي تريده تركيا؟ 

وتتضارب الأسباب التي تدفع تركيا للتقارب مع إسرائيل، وبينما يربطها البعض بأنها جزء من "التغير الكبير" الذي طرأ على السياسة الخارجية للأولى، يشير آخرون إلى أنها تتعلق بمآرب أبعد منذ لك، جزء كبير منها اقتصادي. 

في المقابل، يجادل محللون تحدث إليهم موقع "الحرة" بأن الأهداف الاقتصادية لا يمكن أن تكون في صداره دوافع أنقرة للتقارب مع إسرائيل، وهذا يرتبط بأن حجم التجارة بين البلدين لم ينقطع، على الرغم من حالة "الشقاق" القائمة لسنوات طويلة. 

وفي العام الماضي، تم كسر رقم قياسي في التجارة الثنائية بين تركيا وإسرائيل، وبحسب إحصائيات رسمية، وخلال الفترة الممتدة من 2010 إلى 2021، استمرت التجارة الخارجية للبلدين في الزيادة بشكل عام. 

وارتفع حجم التجارة الثنائية من 3.4 مليار دولار، في عام 2010، إلى 8.1 مليار دولار، في عام 2021.

وفي العام الماضي (2021) تم بيع منتجات بقيمة 6.1 مليار دولار لإسرائيل، بينما تم شراء منتجات بقيمة 1.9 مليار دولار من هذا البلد.

ويقول الباحث بالشأن السياسي التركي، طه عودة أوغلو، إنه ورغم أن العلاقات التركية الإسرائيلية دخلت فعليا في مسار إعادة تطبيع العلاقات منذ أشهر عبر سلسلة اتصالات وتصريحات إيجابية بين البلدين، إلا أن الأيام الأخيرة شهدت حراكا مكثفا، وخاصة من الجانب التركي من أجل تسريع هذا المسار.

ويضيف الباحث في حديث لموقع "الحرة" أن الهدف المعلن من زيارة الوفد التركي رفيع المستوى، الأربعاء "هو الانتقال للحديث حول الملف الأهم الذي دفع أنقرة لمراجعة علاقاتها مع تل أبيب، وهو إمكانية توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية والاتفاق على مشروع لنقل غاز شرق المتوسط إلى أوروبا عبر تركيا".

وإلى جانب الاتصالات السياسية المعلنة تحدثت مصادر إعلامية إسرائيلية وتركية متطابقة عن اتصالات سرية تكثفت خلال الأيام الماضية على مستوى الاستخبارات.

ويوضح عودة أوغلو: "رغم أن التصريحات الإسرائيلية الأخيرة التي صدرت من مسؤولين إسرائيليين تقول إنه لا توجد أي شروط مسبقة لإخراج حماس من تركيا، إلا أن الواقع على الأرض يبدو غير ذلك". 

"حذر لسببين"

في غضون ذلك وبينما ينظر البعض إلى زيارة هرتسوغ لأنقرة على أنها "تحول ملحوظ" في العلاقة مع تركيا، اعتبر محللون إسرائيليون أن الرئيس الإسرائيلي "ليس صاحب القرار السياسي"، حيث يرتبط هذا القرار برئيس الوزراء، بينيت والخارجية الإسرائيلية. 

وكان بينيت قد علّق على تحسن العلاقات مع تركيا، قبل أيام، بقوله إنّ إسرائيل حذرة ولا تعلق آمالاً كبيرة على تحسن العلاقات، مبدياً في الوقت عينه عدم معارضته زيارة هرتسوغ إلى تركيا.

ويوضح المحلل السياسي الإسرائيلي، يوني بن مناحيم أن "التوجه السائد في إسرائيل في الوقت الحالي هو أنها تسير بحذر في التقارب مع تركيا، وذلك يعود لسببين"، بحسب تعبيره. 

ويقول المحلل لموقع "الحرة": "السبب الأول هو أن تركيا تسمح للجناح العسكري لحركة حماس بممارسة النشاطات في إسطنبول. هذا الجناح له مكتب يتم من خلاله توجيه الهجمات على إسرائيل". 

أما السبب الثاني، بحسب بن مناحيم وهو أن "هناك تحالفا بين إسرائيل وقبرص واليونان، وهذا الأمر لا يتماشى مع مصالح تركيا". 

ومع ذلك يرى المتحدث أن "إسرائيل معنية بالتقارب لكن الأمر يسير بحذر. سنرى ماذا يريد الأتراك"، مؤكدا أنه "بمجرد ذهاب رئيس الدولة إلى تركيا فهذا مؤشر إيجابي أن إسرائيل معنية بالتقارب، لكن يجب الحفاظ على سقف التوقعات".

ويصف المحلل السياسي ما يحصل بين البلدين بأنها "زيارة حسن نية لجس النبض"، مؤكدا أن "إسرائيل معنية بالتقارب وتحسين العلاقات لكن بصورة تدريجية، بينما تريد في المقابل أخذ ضمانات بالنسبة لنشاطات حماس، وتطالب بإغلاق مكتبها في إسطنبول". 

ولا توجد أي تصريحات رسمية من تركيا أو إسرائيل تتحدث عن شروط مسبقة لدفع عملية التقارب. 

وبينما تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية، في الأيام الماضية عن وجود "الشرط المتعلق بحركة حماس"، نقلت صحيفة "جوروزاليم بوست"، الأربعاء، عن مصدر دبلوماسي رفيع المستوى قوله: "إن إسرائيل لا تشترط على تركيا مهاجمة حماس". 

وأضاف المسؤول "لم نضع شرطا. بالتأكيد، في عملية دقيقة للغاية للاقتراب، هناك إشارات هنا وهناك.. وضع النقاط على الحروف". 

وفي مارس 2021، كتبت الباحثة، كاريل فالانسي، عبر موقع المجلس الأطلسي، وهي مؤسسة بحثية غير حزبية، مقالا عن العلاقات التركية الإسرائيلية، وقالت إن "عزلة تركيا المتزايدة في جوارها وعلاقاتها المتوترة مع الولايات المتحدة تدفعها لتطبيع العلاقات مع دول المنطقة بما في ذلك إسرائيل".

ورجحت فالانسي أنه "ربما يكون مزيج من المصالح الاقتصادية والطاقة والاستخباراتية والسياسية قد أقنع أنقرة بإعادة التفكير في سياستها تجاه إسرائيل".

من جهته، يقول عودة أوغلو، إن "زيارة  الرئيس الإسرائيلي في مارس المقبل إلى أنقرة ستضع النقاط على الحروف وتتوج مسار عودة العلاقات بين البلدين".

لكنه يشير إلى عدة أسئلة "مهمة ستبقى تشغل بال الكثيرين"، منها: "ما هو مدى حدود التطبيع بين البلدين، وعلى حساب من؟ والأهم: هل سيؤدي هذا التطبيع إلى إحداث تغيير في سِياسة إردوغان اتجاه حلفائه، وخاصة حركة حماس؟".

وسبق وأن أشار تقرير لمجلة "فورين بوليسي"، نشر في 12 من فبراير الحالي، إلى أن التقارب التركي الإسرائيلي المتجدد، من شأنه أن "يغير مرّة أخرى الخريطة الدبلوماسية للشرق الأوسط".

وستجعل الزيارة المرتقبة لهرتسوغ، منتصف مارس، منه، أول رئيس إسرائيلي يزور تركيا منذ زيارة شمعون بيريز، عام 2007.


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

10/05/2025 10:58PM

عون للكويتيين: "بيروت اشتاقتلكم" والعلاقات بين البلدين مثال على المحبة المتبادلة

10/05/2025 10:50PM

"التربية" تنفي الأخبار المتداولة عن الامتحانات الرسمية

10/05/2025 10:47PM

عون للكويتيين: العلاقات بين البلدين تشهد على المحبة المتبادلة وأدعوكم إلى بلدكم الثاني لبنان و"بيروت اشتقتلكم"

10/05/2025 10:45PM

موعد كلاسيكو الدوري الإسباني بين برشلونة وريال مدريد

10/05/2025 10:31PM

جمهور سعودي في مدرجات مجمع نهاد نوفل

10/05/2025 10:21PM

الرئيس اللبناني جوزف عون: اتّخذنا خطوات إصلاحية مطلوبة كتعيين حاكم مصرف لبنان وقانون إصلاح المصارف إلى جانب الاستحقاق الدستوري الأهم حالياً هو الانتخابات البلدية والاختيارية

10/05/2025 10:18PM

الرئيس عون: الدولة موجودة في كل لبنان وقرار حصر السلاح اتخذ ويبقى موضوع كيفية التنفيذ والموضوع يحل بالتشاور ولا نريد اي صراع عسكري

10/05/2025 10:17PM

الرئيس عون: نحن مع مبادرة السلام وحل الدولتين وما يقرره العرب نسير به والوضع في غزة غير مقبول ومن الملحّ الوصول إلى حل

تواصل إجتماعي

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa