05/03/2022 07:06AM
كتبت صحيفة "الراي الكويتية":
في بيروت القديمة، كانت في وقت من الأوقات تعيش عائلات متحدّرة من أصول روسية، هربت من الثورة البولشيفية وجاءت بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى. اختيارُ العائلات الثرية والأرستقراطية الروسية، بيروت التي كانت منفذاً أوروبياً وواحة في منطقة الشرق الأوسط، جرى أيضاً بسبب الرابط الديني، إذ التجأ الهاربون إلى العائلات البيروتية الأرثوذكسية التي تناغمت مع تركة القياصرة والثورة الحمراء. ومنها ما هاجرت إلى أوروبا، ومنها ما استوطنت بيروت وبقيت ذرّيتها في لبنان ونالت جنسيته.
كانت روسيا بالنسبة إلى المجتمع البيروتي عبارة عن حلم الرفاهية والقصور المذهّبة، والأدب الروسي والموسيقى الكلاسيكية ورقص الباليه. كل ما في روسيا يثير إعجاب المجتمع الذي تآلف مع ما تمثله بلاد القياصرة.
ورغم أن لبنان الطالع من عام 1914 لبناء لبنان الكبير، راح في اتجاه ميثاق ماروني - سني، إلا أن الأرثوذكس الذين لجأت بعض شخصياتهم إلى الحزب السوري القومي الإجتماعي، حافظوا على الخصوصية التجارية والمالية في بيروت مثلهم مثل سنّة العاصمة. وهم وجدوا في الآتين من روسيا القيصرية أخوة لهم في الدين وفي العز المالي والإقتصادي، وإن كان اللاجئون لم يحملوا معهم إلا بعض مقتنياتهم.
بعد الثورة البولشيفية وقيام الحزب الشيوعي في لبنان، ظلت روسيا حلماً مزدوجاً، الإتحاد السوفياتي أصبح مقصداً للطلاب خصوصاً في مجالات الطب والهندسة، لا سيما ان هذين الإختصاصييْن كانا قبل الحرب حكراً على أثرياء لبنان الذي كانوا يقصدون الجامعات الغربية الخاصة. وكانت أوكرانيا واحدة من جمهوريات الإتحاد السوفياتي، ولم تشكّل خصوصية مختلفة، بالنسبة إلى كونها جمهورية ذات غالبية أرثوذكسية، وشيوعية في ظل الإتحاد السوفياتي. وبعد سقوط الأخير وإستقلال أوكرانيا، بدأ التمايز بينهما، من دون أن ينعكس ذلك في العلاقات اللبنانية مع البلدين، لا سيما الإجتماعية منها بسبب الزيجات التي تمت بين لبنانيين وأوكرانيات وروسيات.
الحرب الروسية على أوكرانيا، لم تكن لتثير كل ما أثارته في لبنان، إذا أخذنا في الإعتبار العلاقات بين بيروت وكييف وموسكو. لكن الإنعكاس الأساسي تُرجم وفق الأهواء اللبنانية التي تكاد تكون منقسمة «جينياً» بين قوى «8 و14 آذار». وملفتةٌ كانت الحملات المتصارعة عبر مواقع التواصل الإجتماعي، شارك فيها إعلاميون وسياسيون وناشطون. ويكفي مراجعة أسماء ناشطين وصحافيين مؤيدين للأحزاب أو الثورة والمجتمع المدني حتى يظهر بوضوح حجم الإنحياز إلى هذا المعسكر أو ذاك.
منذ اللحظة الأولى للحرب انقسم اللبنانيون فريقين: واحد تماهى مع سياسة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والثاني وجد نفسه على تَقاطُع مع نضال الشعب الأوكراني. ورغم أن جميع اللبنانيين الذين يتابعون عن كثب تطورات الحرب عبر شاشات، يعيشون مجدداً مشاهد اللاجئين والتدمير والآليات العسكرية التي سبق أن عرفوها في حروبهم الكثيرة والإجتياحات السورية والإسرائيلية، ولهم أبناء في أوكرانيا من طلاب وتجار ما زالوا في مصيدة الحرب، إلا ان إنقسامهم السياسي ظل أقوى.
مثّل بوتين بالنسبة إلى الفريق الذي يعارضه، حلّ التوسع شرقاً وعنوان قمْعٍ للداخل الروسي والتظاهرات المعارضة له، لكنه تحديداً لم ينل حظوة لدى فريق «14 آذار» والمعارضين لسياسات العهد و«حزب الله»، بسبب تأييد موسكو للرئيس بشار الأسد ومسؤوليته في إبقاء النظام السوري على قيد الحياة. وشكلت مواقع التواصل الإجتماعي مساحة واسعة إستُخدمت فيها عبارات التأييد للشعب الأوكراني وشجاعته، منذ اللحظة الأولى ولا سيما عند إعلان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، عزمه على البقاء في بلاده ومواجهة الهجوم الروسي وعدم إستعداده لترك بلاده. وقارنت تعليقات بينه وبينه الرئيس ميشال عون حين غادر قصر بعبدا تحت وطأة الهجوم السوري في 13 أكتوبر 1990. لكن التأييد الذي حصدته أوكرانيا كان تحديداً بسبب عزمها على المواجهة رغم فارق القوة والإستعدادات والتجهيزات العسكرية التي تواجهها، قياساً إلى الالة الحربية الروسية. فيما إنصبّت المواقف ضد روسيا بسبب سعيها إلى شن حرب على مواطنين عزل، وعلى «ديكتاتورية النظام الروسي» مثله مثل بعض الأنظمة الديكتاتورية التي تقمع شعوبها.
في المقابل دافع مؤيدو قوى «8 آذار» عن روسيا لسببين: الأول موقف روسيا من حلف الناتو. وهذا الحلف بالنسبة إلى هذه القوى يعني الولايات المتحدة التي تضيّق الخناق على «حزب الله» وعلى سورية. والثاني هو أن الرئيس الأوكراني مؤيّد لإسرائيل، ويحاول هذا الفريق التمييز كونه يهودياً، عن كونه من مؤيّدي السياسة الإسرائيلية العنصرية ضد الفلسطينيين. علماً ان تل أبيب تربطها علاقة قوية بروسيا والتنسيق مستمر بينهما في سورية عدا عن دول مجاورة لروسيا.
زاد من حدة الانقسام السياسي موقف لبنان الرسمي من الحرب الروسية على أوكرانيا، بعد محاولة غير مُقْنِعة من رئيس الجمهورية ميشال عون للتنصل من مسؤوليته عن البيان الذي أصدرته وزارة الخارجية ضد «الإجتياح الروسي». وجرى استثمار هذا البيان من زاوية محاولة «التيار الوطني الحر» برئاسة النائب جبران باسيل رمي المسؤولية على مدير عام رئاسة الجمهورية أنطوان شقير ووزير الخارجية عبدالله بو حبيب وكلاهما لا يمكن أن يتصرّفا خارج إرادة رئيس الجمهورية. وهذا الأمر لم يقنع حتى «حزب الله» إذ ندد نواب منه ببيان الخارجية. فيما اعتبر خصوم التيار ان باسيل أراد بفضل البيان تقديم براءة ذمة للولايات المتحدة التي تفرض عقوبات عليه، ولأوروبا، بأنه مؤيد لمواقفها من الحرب الروسية، ولا سيما انه تعمّد إظهار التنصل منه عبر إتصال بسفارة روسيا في بيروت لإبلاغها موقفه ومحاولة إرسال مستشار عون للشؤون الروسية أمل ابو زيد إلى موسكو لشرح وجهة نظره.
لكن العبرة من البيان - الذي عاد وتُرجم بغطاء رئاسي وأضح بتصويت لبنان الأربعاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة مع قرار إدانة غزو روسيا لأوكرانيا - وردّ الفعل عليه انه كان أيضاً إحدى المساحات التي تحوّلت فيها الحرب الروسية على أوكرانيا مجرد «وجهة نظر» بين اللبنانيين. لان الفريقين يعولان على ما قد يتأتى من جرائها... تراجع غربي أمام روسيا يمكن أن يؤدي إلى ترتيبات في منطقة الشرق الأوسط تنعكس سلباً على لبنان، أم تحقيق الأوكرانيين بدعم غربي فوزاً على روسيا ما يجعل إمكانات التفاهم الأميركي - الإيراني يتم تحت وطأة تراجع دور روسيا ما يساعد على الحد من الخسائر اللبنانية.
وحتى السفارة الروسية في بيروت تحوّلت نقطة استقطاب، إذ تظاهر أمامها الأربعاء مواطنون لبنانيون وروس، تضامناً مع موسكو ورفضاً للعقوبات الغربية وخطوات الناتو تجاهها ورفعوا لافتات كتب عليها «ندعم عملية القضاء على النازيين والفاشيين»، و«روسيا تقف وحدها بمواجهة النازية»، وذلك بعد أيام من وقفة احتجاجية شاركت فيها الجالية الأوكرانية في لبنان تنديداً بالغزو الرّوسي ومطالبةً بوقف فوري للحرب و«لجنون بوتين» الذي رُفعت في المقابل صور تأييد له في بعض المناطق اللبنانية المحسوبة على «حزب الله».
المصدر : الراي الكويتية
شارك هذا الخبر
بدء الجلسة المسائية المخصصة لمناقشة البيان الوزاري
إلى كل الوزارات والإدارات العامة..تعميم من سلام
إسرائيل ستفرج الليلة عن 445 أسيرًا فلسطينيًا
عن غارة القصير والشخص المستهدف..هذا ما قاله أدرعي
الملك عبدالله الثاني: عودة سوريا لدورها العربي ضروري
ضبط كمية من المخدرات وأسلحة مع مروج في بيروت..إليكم التفاصيل
المواد الغذائية متوفرة بكميات كافية خلال شهر رمضان؟
غارة الهرمل تابع..إليكم عدد الشهداء والجرحى
آخر الأخبار
أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني
إشتراك
Contact us on
[email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa