16/05/2022 06:20AM
جاء في الديار:
لا شرعية لسلطة حتى ولو كانت منتخبة إذا كان الشعب جائعًا! هذا هو المنطق الذي تعتمده المؤسسات الدولية في تعاملها مع الأنظمة في الدول. ويعود هذا الأمر إلى أن شرعة حقوق الإنسان نصّت في موادها على حق الإنسان، أينما كان، وأيًا كان العرق أو الدين الذي ينتمي إليه، بالحصول على الأكل والشرب والطبابة والتعليم. وبالتالي نرى أنه في العديد من البلدان حول العالم هناك سلطات شرعية دستوريًا لكنها تفتقد الشرعية الدولية من منطلق عدم قدرتها على تأمين العيش الكريم لشعوبها.
نسبة التصويت في الإنتخابات النيابية للعام 2022 قاربت نسب العام 2018، لكنها بعيدة عن التوقعات خصوصًا مع كل ما اصاب المواطن اللبناني من تردِّ في حياته اليومية والأزمة المعيشية التي جعلت نسبة الفقر في لبنان تصل إلى 80%! الأسباب التي تقف وراء هذا التردّي عديدة وعلى رأسها اليأس الذي يسيطرّ على نفوس المواطنين ولكن أيضًا الوضع الإقتصادي الذي أبرز إلى العلن كلفة التنقل (مع غياب الميغاسنتر)... عمليًا يمكن القول ان الشرعية الدستورية للمجلس النيابي الجديد مضمونة، إلا أن الشرعية الدولية لهذا المجلس تبقى رهينة أدائه في المرحلة المقبلة.
شرعية دولية؟
الدولة اللبنانية أصبحت عاجزة عن تأمين أبسط حقوق المواطن اللبناني من الأكل إلى الكهرباء مرورًا بالأدوية والطبابة والمحروقات وغيرها. هذا الأمر يمكن التأكّد منه من القرض الذي تنوي الحكومة اللبنانية القيام به مع البنك الدولي والذي تبلغ قيمته 150 مليون دولار أميركي لشراء القمح. كما أن عجز الدولة عن شراء الفيول لشركة الكهرباء (كما فعلت على مدى عقود)، دفع بالحكومة العراقية الى تأمين الفيول إلى لبنان مقابل دفعها بالليرة اللبنانية في حسابٍ في مصرف لبنان وهو أقرب إلى مساعدة منه إلى صفقة تجارية مربحة للدولة العراقية. هذا الأمر يعني أن الدولة اللبنانية أصبحت de facto تحت وصاية مالية دولية، ستكتمل معالمها مع مرور الوقت (كل المساعدات والقروض الميسرة مشروطة)، وبالتالي وبحسب المعايير الدولية فقد النظام اللبناني شرعيته الدولية!
ما ينتظره المجتمع الدولي من الإنتخابات النيابية أن تؤدّي إلى خلق مجلس نيابي جديد واستطرادًا حكومة جديدة قادرة على القيام بالإصلاحات اللازمة (تحت رقابة صندوق النقد الدولي). من هذا المنطلق تتسلّط الأنظار على الأداء التشريعي للمجلس النيابي الجديد خصوصًا في الشق المتعلّق بالإصلاحات الإقتصادية والإدارية والمالية والنقدية. وبالتحديد من المتوقّع أن تكون خطة التعافي ومشروع الكابيتال كونترول وقانون رفع السرية المصرفية وقانون إعادة هيكلة المصارف وقانون إعادة هيكلة القطاع العام وقانون الموازنة العامة، محطات رئيسية في العمل التشريعي للمجلس النيابي الجديد حيث سيكون المجلس تحت المجهر الدولي.
من وجهة نظر المجتمع الدولي، يجب على المجلس النيابي الجديد إقرار القوانين التي تتفق عليها حكومة ما بعد الإنتخابات مع صندوق النقد الدولي، وذلك بهدف رفع الكابوس الإقتصادي عن الشعب اللبناني. ومن المتوقّع أن يكون هناك مواجهة حادّة في المجلس النيابي الجديد (بحسب ميزان القوى الجديد) على كل الملفات الآنفة الذكر حيث سيعمد النواب الجدد في المجلس النيابي إلى إثبات حضورهم منذ اللحظة الأولى لدخولهم المجلس النيابي.
خارطة الطريق الدستورية تنصّ على تقديم حكومة الرئيس ميقاتي استقالتها على أن يقوم رئيس الجمهورية بالدعوة إلى استشارات نيابية ملزمة يليها تكليف رئيس حكومة يقوم باستشارات نيابية غير ملزمة، وتنتهي بتشكيل حكومة على أن تنال الثقة من المجلس النيابي. وهنا تظهر المشكلة، حيث من المتوقّع أن يعود الصراع التقليدي على تشكيل الحكومة إلى الواجهة مع طبيعة الحكومة (سياسية، تكنوقراط...) وتركيبتها الحزبية. وبالتالي هناك احتمالان:
الاحتمال الأول: المماطلة في التشكيل مما يعني استمرار حكومة تصريف الأعمال، وبالتالي تأخير التفاوض مع صندوق النقد الدولي واستطرادًا تأخير الإصلاحات، وهو ما يعني المزيد من المعاناة للشعب اللبناني. على هذا الصعيد، التحدّيات التي ستواجه الشعب كثيرة وعلى رأسها استيراد الأساسيات من المواد الغذائية والمحروقات والأدوية وبالتحديد مشكلة استيراد القمح التي قال وزير الإقتصاد انه تمّ حلّها من خلال الإتفاق على قرض من البنك الدولي، إلا أن المشكلة المستجدة هي أن الهند التي كانت من الخيارات الأساسية للحكومة اللبنانية لاستيراد القمح، أعلنت عن وقف تصدير القمح إلى الخارج، وبالتالي فإن هذا التحدّي الجديد يفرض مفاوضات جديدة من قبل حكومة تصريف الأعمال مع ما لذلك من تعقيدات. أيضًا على صعيد الكهرباء، ينتهي العقد بين الدولة اللبنانية والدولة العراقية في شهر آب المقبل، وبالتالي وفي ظلّ غياب إتفاق مع صندوق النقد الدولي، يُطرح السؤال عن قدرة حكومة تصريف الأعمال على تجديد هذا العقد؟
الاحتمال الثاني: الإسراع في تشكيل الحكومة، وهو ما يعني تسريع عملية التفاوض ومعها الإصلاحات الإقتصادية. وهذا الأمر إن حصل سيُسرّع من عملية الخروج من الأزمة، إلا أن المشكلة أنه وخلال هذه الفترة سيواجه المواطن اللبناني ظروفا قاسية نتيجة تشابك عدة عوامل، لكن الأكيد أن الفترة لن تكون طويلة.
لكن ماذا عن أداء المجلس النيابي الجديد؟ في الواقع وبحسب تركيبة هذا المجلس (غير المتوافرة حتى ساعة كتابة هذا المقال) هناك ثلاثة سيناريوهات مطروحة:
السيناريو الأول – يقوم المجلس النيابي الجديد بإقرار كل القوانين المحالة له من قبل الحكومة (مع تعديلات محتملة)، وبالتالي يكون لبنان قد بدأ مرحلة الخروج من أزمته الاقتصادية الخانقة.
السيناريو الثاني – يكون الانقسام بين القوى التي تؤلّف المجلس كبيرة إلى درجة أن هناك تعطيلا كاملا لكل العملية الإصلاحية. وبالتالي من المتوقّع أن يسوء الوضع المعيشي والاقتصادي بنسبٍ كبيرة. ومن المحتمل أن تكون شرارة هذا السيناريو جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب وقوانين متعلّقة بمكافحة الفساد.
السيناريو الثالث – وهو سيناريو وسطي (الأكثر احتمالًا) حيث سيكون هناك خلافات على ملفات معيّنة، لكن بالمطلق سيكون إقرار للعديد من القوانين الإصلاحية. بالطبع التأخير في إقرار القوانين سيدفع ثمنه المواطن اللبناني.
أذًا مما تقدّم نرى الشرعية الدولية للمجلس النيابي الجديد لن تحضر إلا في ظل سيناريو تفاؤلي يذهب باتجاه إقرار قوانين إصلاحية متفق عليها مع صندوق النقد الدولي.
خطّة التعافي ِ
خطّة التعافي التي تمّ تسريبها في الإعلام هي عنوانين عريضة للنقاط التي تمّ بتّها بين الفريق الحكومي المفاوض وفريق صندوق النقد الدولي، وهي لم تُعرض على مجلس الوزراء لإقرارها، كما حصل مع مشروع قانون الكابيتال كونترول، وبالتالي لا يمكن تسميتها بخطة الحكومة.
بدون الدخول إلى جوهر هذه الخطة وخارطة الطريق لتطبيقها مع الجدول الزمني، هناك نقاط جوهرية غائبة عن هذه الخطة نذكر منها نقطتين:
أولًا – لم يجرِ التطرق في خطة التعافي إلى الدين العام والتوجّهات العامة في ما يخص التفاوض مع المقرضين وإذا ما كان سيجري التعامل مع المقرضين المحليين والأجانب بالطريقة نفسها. ولا يُخفى على أحد أن نسبة الهيركات على سندات الخزينة سيكون لها وقع مباشر على خسائر القطاع المصرفي سواء في مصرف لبنان أو في المصارف التجارية. الجدير ذكره أن مصرف لبنان أقرض الدولة (حتى إعلان وقف الدفع) 5.7 مليار دولار أميركي من خلال سندات اليوروبوندز، و15.6 مليار دولار أميركي على شكل تسهيلات للخزينة، و55% من سندات الخزينة بالليرة اللبنانية (دين الدولة بالليرة اللبنانية 50 مليار دولار أميركي على دولار 1500 ليرة لبنانية). أما المصارف فقد أقرضت 14.7 مليار دولار أميركي من خلال سندات اليوروبوندز وما يوازيه (على دولار 1500) بالليرة اللبنانية. في المقابل، يبلغ دين الدولة الخارجي 11.8 مليار دولار أميركي وهو ما يعني أن 85% من دين الدولة هو دين داخلي! بالطبع هذه النسب تغيّرت منذ العام 2019.
وهنا يُطرح السؤال عن نسبة الهيركات على سندات الخزينة التي ستعتمدها الحكومة العتيدة وموقف المجلس النيابي من هذه النسبة، واستطرادًا إمكان استخدام أصول الدولة في عملية سدّ هذا الدين.
ثانيًا – تحفيز النمو الاقتصادي: على هذا الصعيد، تتوقّع الحكومة أنه بمجرّد أن تقوم بتوقيع الإتفاق مع صندوق النقد الدولي، ستأتي الإستثمارات حكمًا من المجتمع الدولي (مؤتمر سيدر)، إلا أن توقعاتنا تشير إلى أن هناك ثمنًا سياسيًا يجب دفعه قبل التأمل بالحصول على هذه الاستثمارات. وبما أن الثمن سياسي، (وهو خارج نطاق اختصاصنا) فإننا لن ندخل في تفاصيله، إلا أنه يجب التذكير أن نصف وعود مؤتمر سيدر تأتي من الدول الخليجية (مباشرة أو غير مباشرة) واليوم ومع ارتفاع أسعار النفط العالمية، انحصرت القدرة التمويلية الدولية في الدول المنتجة للنفط. إذًا ماذا ستكون خطة الحكومة لتأمين هذه الإستثمارات؟ وما هي الإصلاحات الإقتصادية التي ستقوم بها؟ وما موقف المجلس النيابي الجديد؟
إستخدام الذهب
القانون اللبناني يمنع استخدام الذهب، وبالتالي أي استخدام لهذا الذهب يجب أن يمر من خلال قانون يقرّه المجلس النيابي الجديد. أضف إلى ذلك أن هذا الذهب هو ملك لمصرف لبنان، وبالتالي يحتاج إلى موافقة المجلس المركزي لمصرف لبنان لإمكان استخدامه.
المخاوف في ما خص الذهب تنص على أن يتم بيع قسم من هذا الذهب من دون وجود أي خطة تعاف ومن دون رعاية دولية، وبالتالي فإن هذا الذهب سيذهب سدًى. لكن احتمالات هذا السيناريو تبقى ضئيلة نظرًا إلى صعوبة بيع الذهب من دون موافقة دولية ضمنية تحت طائلة فرض عقوبات. وبالتالي فإن أي استخدام لهذا الذهب يمرّ إلزاميًا باستخدامه كضمانة لدى صندوق النقد الدولي بهدف رفع قيمة القرض إلى الدولة اللبنانية، وهو غير ممكن إلا ضمن باقة إصلاحات تحت رقابة صندوق النقد الدولي.
وبغض النظر عن استخدام هذا الذهب أم لا، نرى أن هناك إلزامية للقيام بإصلاحات تُشكلّ محطة ضرورية وجوهرية للخروج من واقعنا الحالي.
شارك هذا الخبر
الحوثيون يستهدفون مقاتلة أميركية فوق البحر الأحمر
أدرعي يزعم: استهداف محاور تهريب سلاح على الحدود اللبنانية السورية
بالصورة: غارة إسرائيلية على البقاع
فرنسا تعتقل أخطر المطلوبين بعد 9 أشهر من الفرار
الجيش الإسرائيلي: سلاح الجو أغار على محاور على الحدود بين لبنان وسوريا والتي يحاول حزب الله من خلالها نقل وسائل قتالية
الأحرار: نحذر من الانزلاق إلى الحرب ونتمسك بسيادة الدولة
الرابطة اللبنانية للروم الارثوذكس تعقد جلستها الشهرية في الشمال في دار امين السر العام المحامي منزه صوان في الكورة
في يوم التأسيس...سلام يهنئ السعودية
آخر الأخبار
أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني
إشتراك
Contact us on
[email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa