المواجهة الروسية - الأوكرانية... في لبنان؟

15/02/2019 05:52AM

البطريركية الأنطاكية واحدة من «الكيانات» التي تسعى الولايات المتحدة الأميركية إلى شرذمتها، وتفتيتها إلى كنائس محلية، بسبب علاقة كرسيها البطريركي القوية بالدولة السورية، وحلفها الاستراتيجي مع الكنيسة الروسية. مواجهة هذا المُخطط تتم اليوم من خلال الحديث علناً عنه، والتحذير من الإقدام عليه

الضربة «الأقسى» للكنيسة الأرثوذكسية «الجامعة»، سعياً لتفتيتها إلى كنائس قومية محلية، حصلت في أوكرانيا في 11 تشرين الأول الماضي. ولكن «المُخطّط» الأميركي، الذي تبيّن أن البطريركية القسطنطينية تُساهم في تنفيذه، لم ينتهِ بعد وهو يشمل كنائس أخرى. بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الأرثوذكس، هدف رئيسي يُراد ضربه. وبعد أن كان الحديث عن فصلٍ كنسي بين لبنان وسوريا، أو نوايا لنقل الكرسي البطريركي من دمشق إلى بيروت، محصوراً في إطار «الوشوشات»، أصبحت التحذيرات تُطلق من أعلى المراجع وبشكل علني. الرئيس السوري بشار الأسد، قال في 9 شباط، أمام «مجموعة الصداقة بين البرلمانيين الروس والسوريين»، إنّه «نرى محاولات لتقسيم الكنيسة الأنطاكية في أرضنا. هناك حديث عن منح الاستقلال للمطرانية اللبنانية». وشدّد الأسد، كما نقل مدير «المجموعة» عنه، على ضرورة «منع هذا التقسيم في المنصات الدولية، وإلا سيكون لدينا مئات الكنائس الأرثوذكسية وفاتيكان واحد فقط». وخلال زيارته إلى روسيا، لم يُخفِ البطريرك يوحنا العاشر يازجي «أنّ بعض القوى الخارجية تهدف إلى إضعاف الكنيسة الأنطاكية بطريقة أو بأخرى».

منذ مدّة، وتحديداً مع طلب إنشاء جامعة القديس جاورجيوس في بيروت (ينظر معارضو إنشائها إليها بصفتها «منافسة» لجامعة البلمند التابعة لبطريركية أنطاكية)، أصبحت أصابع الاتهام في موضوع الفصل الكنسي تُوجّه إلى متروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس الياس عودة. ساهم في إسقاط «التهمة» عليه، حديث بعض السياسيين المُقربين منه بشكل واضح، بمنطق «الكنيستين»، وتماهيهم التام مع السياسة الأميركية المرسومة للكنيسة الأرثوذكسية. ولكن، أصبح هناك بين السياسيين اللبنانيين المتماهين مع السياسة الروسية، من يقول إنّه «على رغم كلّ المآخذ على عودة، لا يُمكن تسجيل نقطة واحدة عليه بأنّه مشارك في مُخطط تقسيم الكنسية. الخطورة تكمن في أحد السياسيين المقربين منه». يستند هؤلاء إلى كلام عودة العلني خلال افتتاح أعمال المؤتمر الطبي لمستشفى القديس جاورجيوس (تشرين الأول الماضي)، وكرّره في «مؤتمر الإخوة الإنسانية» في أبو ظبي، بأنّ «أبرشية بيروت تُشكّل أحد أعمدة بطريركية أنطاكية. وأبرشية بيروت تفتخر بانتمائها إلى بطريركية أنطاكية»، من دون أن يدفع ذلك إلى إنهاء «الحملة» ضدّ عودة. على العكس من ذلك، بلغت مستوى مُتقدّماً، ولا سيّما بعد «التحذير» الذي نقله الوفد الروسي عن الأسد. أمام هذا الواقع، بعث وزير الدفاع الياس بو صعب برسالة إلى الرئيس السوري، عبر السفير علي عبد الكريم علي، «للتوضيح بأنّه إذا كانت المعلومات التي نُقلت عن الرئيس الأسد، قد وصلته عبر جهة ما، فهي غير دقيقة». وقد أرفق بو صعب رسالته، بكلام عودة العلني عن افتخاره بالانتماء إلى «أنطاكية»، كتأكيد على ذلك. أما بالنسبة إلى إنشاء جامعة في بيروت، «فهذا ليس دليلاً على الفصل، لأنّ كلّ أبرشية لديها مدارس ومستشفيات ومؤسسات». ويُشير بو صعب، في اتصال مع «الأخبار»، إلى أنّه بصدد «القيام بمسعى قريباً، من أجل إنهاء هذا السجال الذي لا أساس له من الصحة». المسعى سيكون «عبر التواصل مع البطريرك يازجي، لأنّ موقف المطران عودة نعرفه». وتجدر الإشارة إلى أنّ يازجي، كان قد ردّ على سؤال بعد لقائه بطريرك موسكو وسائر روسيا كيريل في بداية الشهر الجاري، أنّ «متروبوليت بيروت هو أخونا الحبيب».

لا لُبس في أنّ شهية الغرب مفتوحة على «أنطاكية»، حتى ولو لم يكن في لبنان «بيئة حاضنة» جاهزة للفصل. الأرضية غير مؤاتية لهذه الخطوة، لأسباب عدّة، منها توسّع نفوذ موسكو في المنطقة. فلا يُمكن التعامل باستخفاف مع الوجود العسكري الروسي في سوريا، وتمكّن الأخيرة من اجتياز مرحلة الخطر، ثم الانتقال إلى تحقيق التقدم على كافة الجبهات. لكن ذلك لا يعني أن خصوم روسيا وأعداءها سيقبلون بالأمر الواقع. وانطلاقاً من هنا، يُفهم «السباق» لسحب «أنطاكية» من «موقعها السياسي» الحالي، وجعلها تتموضع في المعسكر المعادي لموسكو. يظهر ذلك في الحراك الدبلوماسي الذي تقوم به بعثة أوكرانيا في بيروت. فبعد دعوة السفير الأوكراني إيغور أوستاش، البطريرك يازجي إلى دعم منح صفة كنسية مستقلة للكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية (خلال لقائهما في البلمند في تشرين الأول الماضي)، كتب الدبلوماسي مقالاً في «الدايلي ستار» (نُشر في 10 كانون الثاني) حول التطورات الكنسية، مُخصّصاً آخر ثلاث فقرات من مقالته للحديث عن «الكنيسة اللبنانية». فوصف الأخيرة بأنّها «رمز للحرية»، رابطاً بينها وبين الكنيسة الأوكرانية. فالاثنتان، برأيه، واجهتا «ظلم جيرانهما الأكبر منهما». كلمات أوستاش تحمل دلالات واضحة، باللعب على وتر التمييز بين كنيسة لبنانية وأخرى سورية، من خلال قوله إن جار لبنان «الكبير»، أي سوريا، حاول السيطرة على «الكنيسة اللبنانية»، تماماً كما سعت روسيا إلى السيطرة على الكنيسة الأوكرانية. وقد أمل، في مقالته، بأنّ يدعم أرثوذكس لبنان، الكنيسة الأوكرانية المستقلة، «كتحقيق للعدالة التاريخية، على رغم نداءات بعض الكنائس لعدم الاعتراف بها».

الردّ الدبلوماسي الروسي - غير المباشر - أتى في 9 شباط. فقد أجرى سفير روسيا لدى لبنان ألكسندر زاسبكين مقابلةً مع وكالة «سبوتنيك» الروسية، قال فيها إنّه إذا كان رئيس أوكرانيا بترو بوروشينكو «قد لعب دور الأب الروحي لانشقاق الكنيسة الأرثوذكسية في أوكرانيا، فإنّ الرئيسين ميشال عون وبشار الأسد يعملان لمصلحة المساواة بين جميع شرائح المجتمع الطائفي - العرقي، ولمنع الصراع داخل المذاهب. في الوقت نفسه، يهدف هذا الخط إلى تحقيق المهمة الاستراتيجية المتمثلة في الحفاظ على وجود المسيحيين في الشرق الأوسط - مهد المسيحية»​​​. وأضاف بأنّه يُمكن «دقّ إسفين لزعزعة الوضع بين لبنان وسوريا، على المثال الأوكراني، لكن هذا لن ينجح. يقف الأرثوذكس في لبنان بثبات من أجل الوحدة ويؤكدون ذلك من خلال تضامنهم مع كنيسة أنطاكية الأرثوذكسية». وتُضيف مصادر دبلوماسية روسية لـ«الأخبار» بأنّ الملف الأرثوذكسي لا يقف عند أعتاب الصراع الروسي - الأوكراني، «إذا استمرت المؤامرة، ستشمل كنائس أخرى، لينطلق مسلسل تقسيم الدول، بحجة إنشاء كنائس محلية، من دون الأخذ في الاعتبار بأنّ حدود الكنائس الأرثوذكسية مغايرة للحدود السياسية. هناك قوى خارجية تريد تقسيم أنطاكية، ولكن ذلك لن يحصل». ويُشير المصدر إلى أنّ «أنطاكية قادرة على تجاوز هذا الأمر، والأساس في ذلك هو وجود غبطة البطريرك، ولكن يجب أن نبقى حذرين». ليس الصراع الدائر أرثوذكسياً أقلّ من «مشكلة مصيرية، تشمل اتخاذ قرارات تضرب التقاليد والقوانين الكنسية، بهدف استهداف روسيا». ويقول المصدر الدبلوماسي إنّ «السياسة والدين خطّان متساويان، نحن نريد أن نخلق انسجاماً بينهما، وليس مواجهة، لتأمين الحياة الطيبة للناس». من هذه الخلفية، تُقارب روسيا علاقتها بـ«أنطاكية» والمسيحيين في المشرق، «نريد الحفاظ على الوجود المسيحي، ونريده أن يكون حليفاً لروسيا، وهذه العلاقة التاريخية سنطورها خلال الفترة المقبلة. المرحلة العسكرية في سوريا على وشك الانتهاء، ولدينا خطط طويلة لمرحلة إعادة الإعمار، والتعاون مع القوى في المنطقة على كلّ المستويات».

المصدر : جريدة الأخبار

شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa