من كازينو لبنان... إلى لبنان الكازينو

03/06/2022 10:41AM

المقالات المُذيّلة بأسماء كاتبيها تُعبّر عن آرائهم الخاصّة، وليس بالضرورة عن رأي موقع "السياسة"

  كتب قزحيا ساسين في السياسة:


في زمننا اللبنانيّ الحديث، لم تعُد صفة "مُقامِر" لصيقة بروّاد الكازينوهات، فلبنان، ومنذ بدأ الدولار يغتالنا صعودّا وهبوطًا، صار كازينو، وكلّ اللبنانيّين مُجبَرون على المُقامرة يوميًّا.

تتعدّد أسعار الصّرف، بين منصّة صيرفة والسّوق السّوداء وغيرهما، ونحن معلَّقون على حبال الدولار التي كيفما مالت بنا زادتنا فقرًا، والتفّت على أعناقنا بإعدام جَماعيّ.

وليس لنا سوى المقامرة، في المصرف والسوبرماركت والبحث عن وظيفة جديدة...

نتموَّن سلعة معيّنة، خوفًا من مضاعفة سعرها بعد قليل، فننجو أو نعلَق في فخّ الكازينو إذا تراجَع سعر الصرف.

يصل إلينا "شيك"، فنبيعه لسمسار، ويبيعه بدورِه للمصرف... نحصّل ما نسنطيع من مالنا الحلال، ونشكر سماسرة الكازينو، ويتبحبح المصرف، ونقول "زمَطنا بريشنا".

يرتفع الدولار إلى سقف الأربعين ألف ليرة، وبِفَرمان من حاكم مصرف لبنان، يقفز نزولا عشرة آلاف ليرة بأقلّ من يوم واحد، فمن اشترى الدولار عاليًا أُصِيب بالسكتة القلبيّة، ومن صرّف ما معه أسدى إليه الحظّ خدمة العمر.

إذًا، نحن روّاد الكازينو كلُّنا. نلعب مُرغَمين، ودَولتنا تُدير اللعب بساديّة، سلطاتٍ ومصارف وتجّارًا كبارًا. وإذا كنّا كشعبٍ أكثريّة خاسرة كلّ يوم، فإنّ الرّابحين موجودون دائمًا، غير أنّنا لا نقوى على ضبطهم بالجرم المشهود، فهُم يقفون وراء الستائر التي لا يحرّكها ريح القضاء ليظهروا مكبّلين تحت أقواس قصور العدل.

ولا شكّ في أنّ للواقع السياسيّ المتأزّم ظلًّا ثقيلا على لقمة خبزنا، غير أنّنا نعاني فعليًّا الإفلاس الشامل بكلّ ما فيه من دمار. وبالتالي، نعاني من طبقة سياسيّة مجرمة، تسثمر بعبقريّة في المشاكل المزمنة مثلها، ولا تسعى إلى إيجاد حلول لها، ومشكلة الكرباء التي أوصلتنا إلى ما بَعد بَعد جهنّم خير دليل.

ومصيبتنا أنّنا، حين نبحث في من أوصل لبنان إلى أن يكون كازينو، أو مقبرة جماعيّة لنا، يرى كلّ فريق سياسيّ نفسه يرشح زيتًا، ويلقي المسؤوليّة على الآخرين. بينما من الواضح أنّ الجميع مسؤولون، وإن بنسب متفاوتة، ليس سوى القضاء الحرّ قادرًا على تحديدها بدقّة. ويبدو أنّ الكثيرين، من أهل السياسة السوداء عندنا، يستميتون في إبقاء العدالة أسيرة نفوذهم السياسيّ، إلى حدّ إيصال ملاحَقين من القضاء إلى سدّة النيابة، فهل من دليل أكثر وضوحًا؟

نحن المقامِرين لبنانيّون مغلوب على أمرنا. أوصلَتنا إلى هذا الانحراف الدولة، خالتنا زوجة أبينا، التي من المفترض أن تكون أمَّنا. ولا حلّ إلّا بالمواجهة الدائمة، والرّهان على النوّاب التغييريّين أوّلًا، على الأقلّ، لأنّهم غير شُرَكاء في السلطة سابقًا، ولأنّهم يحملون طروحات نظيفة تساهم في إعادتنا شيئا فشيئا إلى الحياة. وقد يكون العمل من خلال المؤسّسات الرسميّة متعثّرًا، في حال كانت الاستحقاقات الآتية على طريقة انتخاب الرئيس برّي، وفي السياق الكارثيّ نفسه، فلا يعود أمامنا سوى خيار من اثنين: الاستسلام للواقع، أو الاستعانة بالشارع. وقد يكون الشارع حاجة لإثبات شرعيّة من أوصلهم إلى المجلس النيابيّ، والشرعيّة الشعبيّة لمن لم يستطع إيصالهم...

صحيح أنّ الخيارات السياسيّة هي في صدارة الهمّ الوطنيّ، لكنّ اللبنانيّين، اليوم، يتعرّضون لإبادة في مقامرة يوميّة، ولا بدّ من توجيه كلّ الجهود في اتّجاه معالجة الوضع الاقتصاديّ القاتل، والاكتفاء بكازينو لبنان، والتخلّص من لبنان الكازينو.


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa