تصريحات سلامة تثير الجدل.. فما مصير الدولار في الفترة المقبلة؟

أثار حاكم مصرف لبنان رياض سلامة جدلًا كبيراً منذ يوم أمس من خلال تصريحاته التي لوّح فيها بفضح المستفيدين من قرار تخلّف لبنان عن سداد ديونه ممن جمعوا ثروة جراء هذا القرار، كذلك الافصاح عما تبقى من الاحتياطي الالزامي في ظل تضارب الأرقام التي يتم التداول بها في الأروقة المالية والسياسية والاعلامية.

لذلك، لفت الخبير المالي والاقتصادي أنيس أبو دياب في حديث لـ"نيوزفوليو"، الى أن التصريح الذي خرج عن حاكم مصرف لبنان حول ما تبقى من احتياطي الزامي في البنك المركزي إذ قدّره بـ11.8 مليار دولار، صحيح ودقيق، مؤكدًا أن كل المداولات الاعلامية التي ترمي أرقامًا مختلفة لا يمكننا اعتبارها مرجعًا، لا سيّما أن الحاكميّة تصدر balance sheet بشكل أسبوعي، تبيّن فيها قيمة الاحتياطي المتبقية، لذلك نعتمد في دراساتنا وأبحاثنا على الرقم الرسمي الذي ذكره سلامة ونعتبره الرقم الصحيح.

وتعقيبًا على التحقيق الذي فتحه سلامة لتحديد ما إذا كانت هناك جهات داخلية مستفيدة من مسألة تخلّف لبنان عن سداد ديونه، وما إذا كان بعض الأفراد جمعوا ثروة من خلال هذه العملية، شدد أبو دياب على أنه كان لا بد من الحوار مع الدائنين بدلا من عدم التسديد، موضحًا أنه منذ اللحظة الذي استلم فيها رئيس الحكومة الأسبق حسان دياب زمام المسؤولية، كان عليه عقد مفاوضات مع الجهات الدائنة، حتى لو وصل الأمر الى عدم السداد في النهاية، لكن كان بالإمكان أن يحصل ذلك مع خطوات مدروسة تخفف من وطأة الأمر، مردفًا بالقول: "البلد ينهار والجميع يستثمر في انهياره".

وحول تقلبات سعر صرف الدولار، رأى أبو دياب أن الدولار هو جزء من الاستثمار السياسي في البلد، مشيرًا الى أنه لا يمكن ان نعود الى استقرار في سعر الصرف من خلال الاجراءات النقدية التي يصدرها مصرف لبنان، لأننا في أزمة عميقة جدا، وحل المشكلة من خلال تعاميم 158 أو 161 لا يوفّر أي أمل باستقرار سعر الصرف للدى البعيد، وطالما لم نقم باجراءات اصلاحية لاستعادة الثقة النقدية، سيحلّق الدولار أكثر.

ولفت الى أنه بعد أشهر قليلة لن نجد في الاحتياطي الالزامي سوى 5 أو 6 مليار دولار فقط، وهذا سيصعّب من عملية استنهاض البلد، لذلك على القوى السياسية الاسراع في اجراء الاصلاحات اللازمة، مؤكدًا أنه رغم النسبة الهائلة من السياح والمغتربين التي ينتظرها لبنان في الفترة المقبلة، فإنها ليست كافية لاستقرار سعر الصرف، لأن كل ليرة تصل الى السوق يتم تحويلها دولارًا على الفور.

واعتبر أبو دياب أن في ظل التعاميم الصادرة عن المركزي لن يصعد الدولار سريعًا، بل سيكون التحليق بطيئًا، وسيظل سعر الصرف يتراوح ضمن حدود معينة، كما أنه اذا ذهبنا الى تشكيل حكومة سريعة ترضي طموحات المجتمع الدولي، واذا بدأنا باصلاحات سريعة قبل 15 تموز موعد اجتماع صندوق النقد الدولي، ومرّرنا الموازنة والكابيتال كونترول وبعض الملفات الملحّة في المجلس النيابي، قد ننتقل الى الضفة الايجابية.

وكان سلامة قد أكد في حديث لموقع "Ici Beyrouth"أمس، أنّ "المصرف فتح تحقيقاً لتحديد ما إذا كانت هناك جهات داخلية مستفيدة من مسألة تخلّف لبنان عن سداد ديونه، وما إذا كان بعض الأفراد جمعوا ثروة من خلال هذه العملية التي تم إبلاغهم بها مسبقاً، وكان سلامة عارضها بشدة نسبة لتداعياتها البالغة على الدولة، ذلك أن "التخلف عن سداد الديون قطع لبنان عن مصادر تمويله".

واعتبر سلامة، أن "حملة الشيطنة التي شُنت ضده هدفها مزدوج: تحميل السياسات التي اتبعها المسؤولية الكاملة عن الانهيار الذي تعيشه البلاد، وتأليب المودعين الذين تستعد الدولة لمعاقبتهم ضده"، مشيرًا إلى "انني لا أعرف ما إذا كانت محاولة تحويل الخسائر إلى مصرف لبنان هي عن جهل أو عن قصد".

وشرح سلامة بالتفصيل نتائج التدقيق في حسابات مصرف لبنان بين عامي 2010 و 2021، مفنّداً من خلالها كيف استنزفت الدولة خلال هذه الفترة 62 مليار دولار فريش من مصرف لبنان .

وعارض سلامة بشدة العديد من النفقات التي تكبّدتها السلطة التنفيذية، بما في ذلك سلسلة الرتب والرواتب التي لحظت في العام 2018 زيادة رواتب موظفي القطاع العام، أصر على أن "الخسائر هي حصراً نتيجة النفقات التي فرضتها الحكومة على أساس إصدار قوانين. وهذه ليست خسائر مصرف لبنان، بل خسائر لمصرف لبنان".

وأعطى في السياق مثالاً على المبالغ المقترضة من المصرف المركزي بفائدة 1%، أيضاً على أساس تشريعات حتى لا تضطر السلطات إلى دفع فائدة على الدين الذي يحمله مصرف لبنان على الدولة .

وذكر أنهم "يحاولون تحويل الخسائر إلى المصرف المركزي ، لكن هناك أيضًا تحوير الانتباه لتأليب المودعين ضد مصرف لبنان الذي كان يطبق القوانين"، ورد على من يتهمونه بتمويل الدولة بالقول: "لم نكن وحدنا من موّلها. فقد استمرت منظمات عربية ودولية في ذلك. إذا كان علينا التوقف، فسيتعيّن على الجميع ذلك".

ولفت سلامة، الى ان "بين العامين 2017 و 2022، قام مصرف لبنان بسداد دولارات فريش للمصارف. لقد سددنا 24 مليار دولار إضافية كتكاليف. فلا يقولنّ أحد أن مصرف لبنان هو الذي بدد أموال المودعين" . ورأى سلامة أن لبنان يحتاج قبل كل شيء إلى "الاستقرار السياسي الضروري لإنعاش الاقتصاد، لأن هذا الانتعاش سيعيد الأموال إلى المصارف وبالتالي إلى المودعين ".

وفيما يتعلق بأموال المودعين، أشار حاكم مصرف لبنان إلى أنها تعتمد على الخطة التي ستتبناها الحكومة. واعتبر ان "الخطة الحالية تتضمّن خطوطاً عريضة، لكن لا تفاصيل. تاريخياً، لم تكن هناك برامج تعافي في العالم تعاقب المودعين في بلد ما".

وأعرب عن أمله في أن "تأخذ السلطات اللبنانية هذه النقطة في الاعتبار خلال مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي"، مشددا على أن "لبنان له مصلحة بأن يكون لديه برنامج مع صندوق النقد الدولي. ولذلك، فإن المودعين يقعون إلى حد ما تحت رحمة المفاوضات بين الحكومة وصندوق النقد الدولي"، بحسب سلامة الذي جدد معارضته لبيع الذهب وشرح الآلية التي اعتمدها مصرف لبنان لتثبيت سعر الصرف .

وكشف أن احتياطي البنك المركزي يبلغ 11.8 مليار دولار، وقال: "ما زال احتياطنا البالغ 12 ملياراً عند هذا المستوى، 11.8 ملياراً تحديداً. ويعود سبب التدهور البالغ 200 مليون دولار إلى أن ضمن احتياطنا مبالغ باليورو وقيمة اليورو إزاء الدولار انخفضت".