موسم سياحي واعد لـ «نجدة» لبنان من... الطوفان

10/06/2022 07:06AM

جاء في "الراي الكويتية":

عبارةٌ على طريقة «صدِّق أو لا تصدِّق». بلادٌ تُبْحِر عميقاً في قعر أسوأ الأزمات التي تجعلها على حافة الارتطام الكبير، حيث لا مال ولا راحة بال ولا كهرباء وربما لا ماء، ومحروقاتٌ «حارقة» وأسعار مجنونة وهذيان سياسي و«اختبارات» أمنية يومية وقرقعةُ سلاحٍ على الحدود وتَآكُل الخدمات وتَراجُعها.

في هذه البلاد اليائسة التي اسمها لبنان، تحضيراتٌ لموسمٍ سياحي عامرٍ وواعدٍ واستثنائي «فِرَقُهُ السَبّاقة» أرقامٌ ومؤشراتٌ ونياتٌ وعواطف تعكس إرادةً في القفز فوق كل هذا الهشيم المعاش وكأن الراغبين في المجيء إلى لبنان قرروا «نجدةَ» الوطن الذي كان يوماً دُرّةَ الشرقيْن ومصيف العرب ومُنْتَجَع المُتْعَبين والحالمين.

فمن الواضح أن لبنان ينتظر مجيء أعداد كبيرة من مغتربيه المنتشرين في أصقاع الكوكب، كأنهم جرعةُ أوكسجين تُخْرِجُ رأسَه من تحت الماء وتَحْفَظُ رَمَقَهُ الأخير... مغتربون وسياح عرب و«فريش دولار» يضخّون «إكسير حياة» في «زهرة الشرق» التي تكاد ان تحتضر بعد كل ما أصابها من تعب ونكبات ونكسات وسوء أحوال.

ومع إطلالة هذا الصيف بدا واضحاً أن الموسم السياحي لهذه السنة في لبنان سيكون مزدهراً جداً وفي شكل يفوق التوقعات.

فالمغتربون الذين تهافتوا على المشاركة في الانتخابات النيابية في مايو الماضي حيث هم، أَحْدثوا وبحسب كل التحليلات فارقاً واضحاً في النتائج وأوصلوا إلى الندوة البرلمانية أشخاصاً يمثلون التغيير المنتظر وباتوا على أعلى درجات الحماسة للعودة إلى الوطن الذي أصغى إلى صوتهم ولو لمَرّة.

كذلك شكل انحسار جائحة «كورونا» مناسبة للمشتاقين لتفقُّد أحوال الأهل والبلد وناسه.

وهكذا تضافرت كل الظروف، العاطفية والصحية والاقتصادية، لجعل صيف 2022 «ولعاناً».

«هو واجب أخلاقي ووطني أن نعود إلى وطننا في الصيف لا لنمضي عطلتنا ونستمتع بأجواء لبنان وسهراته فحسب بل لنقف إلى جانب آبائنا وأمهاتنا وإخوتنا الذين عانوا ما عانوه بعد انفجار مرفأ بيروت ويعيشون يومياً مأساة انقطاع الكهرباء والماء وغلاء المعيشة الفاحش. الواجب يُمْلي علينا أن نسندهم وننفق في لبنان بعضاً مما جنيناه في الخارج، هو الذي أعطانا الكثير بمدارسه وجامعاته وجَعَلَنا قيمة مضافة إلى أي بلد حللنا فيه». هذا لسان حال الكثيرين الذين يحزمون حقائبهم لتمضية الصيف في ربوع وطنهم.

بحمدون... تحلم بـ «الحبايب»

شكلت بلدة بحمدون على مرّ العقود عاصمةً للاصطياف الكويتي في لبنان، قبل أن ينأى عنها «الحبايب»، الذين كانوا بمثابة «أهل الدار»، نتيجة الأوضاع المأسوية التي يعيشها لبنان وتَراجُع الخدمات على نحو قياسي.

وقال رئيس بلدية بحمدون المحطة فيليب متى لـ «الراي»، إن «بحمدون من أرقى المصايف في لبنان، وقد ساهم أهل الكويت المقيمين فيها بجعلها أجمل القرى، من خلال دورهم في تحديث بُناها التحتية وتجميل شوارعها ولا سيما النفق والدوار الأساسي فيها واستثمروا مبالغ طائلة لتكون عروس المصايف.

وبدورها بحمدون تقوم هذا العام بكل ما يلزم لتستقبل أهلها من الكويتيين خصوصاً والخليجيين عموماً وتؤمّن لهم أجمل إقامة وتوفّر لهم الأمن والسلامة». كل المؤشرات توحي بالخير هذا الصيف، وقد جاء المؤتمر المشترك الذي عقده رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزراء الداخلية والأشغال والسياحة في مطار رفيق الحريري الدولي، ليؤكد جهوزية لبنان لاستقبال الزوار.

من هنا يأمل رئيس بلدية بحمدون المحطة، أن يفتح هذا الاستعداد الطريق أمام الزوار العرب ولا سيما الكويتيين للعودة الى بحمدون ولا سيما أنهم يملكون فيها نحو 180 بيتاً وهم بمثابة الأهل فيها. «البلد رخيص بالنسبة إلى الأحباء العرب والكويتيين نسبةً إلى عملتهم، والأمن في بحمدون ممتاز بوجود العديد من مراكز القوى الأمنية من جيش وأمن عام وشرطة، ولم تُسَجَّل أي مشاكل فيها.

الفنادق بعضها فتح أبوابه وغالبيتها جاهزة لتدشين الموسم، لكنها تنتظر الحجوزات حتى تعاود عملها. أما المطاعم والمقاهي فتتريّث في انتظار حركة السياح والزوار لكنها مستعدّة لاستعادة نشاطها مع عودة الحركة»، وفق رئيس البلدية.

ويؤكد متى أن الحركة تحسّنت 50 في المئة حتى الآن قياساً إلى العام الماضي «والبلدية تحضّر منذ اليوم لنشاطات عدة أبرزها مهرجان صيفي يقام لمدة أسبوع في أواخر يوليو ونشاطات ترفيهية وموسيقية في كل عطلة نهاية أسبوع وذلك بغية إشاعة أجواء من المرح والترفيه».

ويوضح «أن الكهرباء تؤمّنها مولدات أربعة تحت إشراف البلدية، لكن لا يمكننا أن نَعِد بكهرباء مستمرة ولا بتأمين المازوت أو المحروقات، فهذه أمور تتخطى قدراتنا لكن ما نَعِد به هو وضع كل إمكاناتنا كبلدية في خدمة زوارنا لتأمين راحتهم وسلامتهم لتمضية أجمل صيفية بين أهلهم».

صيف يفوق التوقعات

يؤكد نقيب أصحاب الفنادق في لبنان بيار الأشقر لـ «الراي»، أن «الموسم السياحي أكثر من واعد وهذا ليس مجرد كلام وتمنيات بل إن الأرقام على شاشات شركات الطيران تفيد بأن 115 طائرة ستهبط في لبنان يومياً ومن المتوقّع أن يصل عدد القادمين إلى مليون ومئتي ألف شخص غالبيتهم من اللبنانيين.

لكن تضاف إليهم أعداد كبيرة من السياح الأردنيين والعراقيين والمصريين وقد يصل العدد بحسب المتوقع إلى 1000 عراقي في اليوم». الأرقام مشجعة جداً، بحسب الأشقر، وتبشّر بحركة سياحية لافتة في كل المناطق وبإحداث فارق كبير في الوضعين الاقتصادي والاجتماعي. السياح العرب غالبيتهم ينزلون في فنادق بيروت وتتراوح مدة إقامتهم بين ثلاثة وخمسة أيام لكنهم ينشّطون الحركة السياحية في كل لبنان خصوصاً في المناطق المعروفة في العاصمة والساحل وبعض المصايف اللبنانية.

أما اللبنانيون فجزء منهم يختار الفنادق فيما الجزء الأكبر ينزل في بيته، وكلهم يشجعون السياحة الداخلية لا سيما في المناطق الجبلية والريفية البعيدة.

وقد أعدت الشركات السياحية وحتى لجان المهرجانات رزماً خاصة بالمغتربين تتيح لهم التمتع بإقامة في لبنان وحضور المهرجانات السياحية بأسعار مقبولة كما يقول لـ«الراي» المحامي روفايل صفير رئيس مهرجانات بيبلوس السياحية.

وأكد الأشقر «أن الحركة من إهدن إلى الضنية ورأس بعلبك وجزين ناشطة جداً لا سيما بوجود بيوت الضيافة التي حلت محل الفنادق وباتت تلعب دوراً مهماً على صعيد السياحة الداخلية وتعريف القادمين بالمناطق اللبنانية الجميلة الواقعة خارج الخريطة السياحية التقليدية.

فبيوت الضيافة في غالبيتها لا تتسع لأعداد كبيرة من السياح لكنها تستقبل مجموعة تلو الأخرى ما يساهم في إبقاء عجلة الاقتصاد في المناطق الريفية دائرة وتحسين وضع الأهالي في المنطقة ومساعدتهم على التشبث بحرفهم وصناعاتهم التقليدية مثل المؤونة والارتيزانا وغيرها. وحتى اليوم هناك نحو 125 بيت ضيافة محجوزة كلياً على مدار أشهر الصيف».

«اللبناني المغترب سيشكل هذا الصيف رافعة اقتصادية لكل المناطق اللبنانية» يقولها النقيب بثقة، «فهو سيتنقّل وسيحلّ كل أسبوع في منطقة ومعه ستنتعش المناطق البعيدة التي تحتاج إلى هذا النوع من السياحة».

لكن وسط هذا التفاؤل بعودة السياحة تبقى هناك غصة يعبّر عنها الأشقر، «كنا نتمنى عودة السياح الخليجيين إلى لبنان لكن الأجواء والشعارات العدائية التي سادت من قبل البعض منعت هؤلاء من العودة إلى البلد الذي يحبهم، حتى على صعيد فردي، ما خلا بعض الأشقاء الكويتيين الذين مازالوا يقصدون لبنان».

ويختم أن «المشكلة السياسية أثّرت في شكل كبير على السياحة العربية».

الدولار «السياحي»

استعداداً لموسم الصيف، أصدرت وزارة السياحة اللبنانية تعميماً يقضي بالسماح للمطاعم والمؤسسات السياحية التسعير بالدولار واستيفاء القيمة بالليرة اللبنانية.

وقد أجمع كل نقباء المهن السياحية على الترحيب بهذا القرار الموقت الذي يُساهم في ضبط الأسعار وإيجاد جو من الثقة بين السياح الذين كانوا يتخبّطون في معمعة تَبَدُّل الأسعار وتَقَلُّبها بين يوم وآخَر.

وفي هذا السياق، يقول رئيس «نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري في لبنان» طوني الرامي إن «هذا الإجراء ممتاز وسيحافظ على استمرارية المؤسسات السياحية في لبنان التي بات كل إنفاقها بالدولار ويمكّنها بدورها من تحسين ظروف عمالها وموظفيها، كما يؤمن الشفافية في الأسعار بالنسبة للرواد».

أما الأمين العام للاتحاد ورئيس نقابة المؤسسات السياحية البحرية جان بيروتي، فيؤكد أنّ «هذه الخطوة ستخدم أولاً السائح والمواطن اللبناني قبل أن تخدم القطاع السياحي، إذ إنّ التقلّبات الحادة في سعر الصرف والتغيير المتواصل بالأسعار لا يخدمان السائح، فاللاستقرار في سعر الصرف حتّم علينا تغيير قائمة الأسعار أحياناً 3 مرات في اليوم الواحد بينما التسعير بالدولار يُطَمْئن السائح ويعكس شفافية تجاهه وسيلمس أنّ لبنان بلد رخيص بالفعل وليس بالقول فقط وأنّه ليس مغبوناً أو مستغَلاً في السعر.

كذلك ستساعدنا هذه الخطوة كمؤسسات مطعمية على الاستمرارية». التسعير بالدولار الذي رفضه البعض بحجة أن القانون اللبناني لا يبيحه سيشكل بالنسبة لكل العاملين في القطاع السياحي ولا سيما المطاعم، خشبة الخلاص التي انتظروها طوال سنتين بعدما أقفل أكثر من 4 آلاف مطعم وعشرة فنادق أبوابها.

ويؤكد بيروتي أنّه يتوقع أن يُدْخِل القطاع السياحي إلى البلد نحو 4 مليارات دولار، بعدما كان يُدْخِل في أعوام ماضية أحياناً 10 أو 11 ملياراً.

السياحة الداخلية... نهضة أحبطها البنزين

بين التوجه شرقاً أو التوجه نحو الغرب، حَسَمَ اللبنانيون أمرهم واختاروا التوجه داخلياً واستكشاف جواهر بلادهم السياحية الخفية. وبعد عقود من الخصام عاودوا شدّ الأواصر مع مناطق جبلية وريفية لم يتعرّفوا إليها سابقاً ولم تشكّل يوماً بالنسبة إليهم نقطةَ جَذْبِ تستحقّ الزيارة.

قبل أزمته الاقتصادية عاد لبنان يستقطب أهله واستعاد سياحته الداخلية بجهود فردية لم تساهم وزارة السياحة اللبنانية بتفعيلها إلا في شكل خجول جداً، فشهدت مناطق الأطراف والمناطق الريفية البعيدة حركةً سياحيةً واعدة جداً ساهمت في تنميتها اقتصادياً واجتماعياً، واستقطبت السياح الأوروبيين والمواطنين اللبنانيين على حد سواء.

لكن النشاط البيئي الريفي مُهدَّد اليوم لا لغياب رواده بل لعدم قدرة المواطن اللبناني العادي على تَحَمُّل تكلفة الوصول إلى المناطق الريفية البعيدة مع الارتفاع المخيف في سعر المحروقات، ما دفع بالكثير من شركات السياحة الداخلية إلى تنظيم رحلات جَماعية تسمح للمشاركين بالوصول إلى المناطق البعيدة بأقل كلفة ممكنة.


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa