مواجهة مشتعلة بين إيران ووكالة الطاقة الذرية.. الاتفاق النووي مهدد بالانهيار

10/06/2022 05:50PM

تصاعدت حدة المواجهة بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية والقوى الغربية من جهة وإيران من جهة أخرى بعد أشهر من تجمد المفاوضات لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015.

وندّدت الوكالة الدولية للطاقة الذرّية التابعة للأمم المتحدة، الخميس، بقرار إيران "إغلاق 27 كاميرا" لمراقبة أنشطتها النووية، محذّرةً من "ضربة قاضية" للمحادثات حول هذا الملف الشائك إذا استمر التعطيل.

وتقول صحيفة "نيويورك تايمز" إن قرار القيادة الإيرانية - بإزالة كاميرات الأمم المتحدة والتهديد بتركيب معدات جديد من شأنها أن تزيد بشكل كبير من قدرتها على إنتاج الوقود النووي - يمثل أكثر المواجهات الحية بين إيران والغرب منذ انسحاب الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، من الاتفاق النووي عام 2018. 

وقال المدير العام للوكالة الأممية، رافايل غروسي، خلال مؤتمر صحفي بمقر المنظمة في فيينا إنّ هذا الإجراء يشكّل "تحديا كبيرا لقدرتنا على مواصلة العمل هناك".

ويرى محللون أن تلك المواجهة الإيرانية الغربية تمثل "إعادة ضبط المسار في طريقة التعامل" مع طهران بعد أكثر من عام على مفاوضات فيينا، لكن آخرون يعتقدون أن أسباب الخلاف يتمثل في تسييس عمل الوكالة الذرية.

كيف بدأت المواجهة؟

في نهاية الشهر الماضي، أفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن إيران اقتربت من إنتاج مواد إلى درجة قريبة من صنع أسلحة نووية. كما قالت الوكالة إن طهران لم ترد بمصداقية على أسئلتها بشأن مصدر آثار يورانيوم عثر عليها في 3 مواقع غير معلنة.

وبعد تبني مجلس محافظي الوكالة قرارا ينتقد عدم تعاونها، أعلنت إيران، الأربعاء، وقف العمل بكاميرتَين على الأقل تابعتَين للوكالة الذرية هدفهما مراقبة نشاطاتها النووية قبل أن توقف 27 كاميرا مماثلة، الخميس.

وقالت وزارة الخارجية الإيرانية، الخميس، في بيان إن "ايران تستهجن المصادقة على مشروع القرار المقترح من جانب أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا في اجتماع (...) لمجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، وتعتبر ذلك "إجراءً سياسيا خاطئا وغير بناء".

وهذه الانتقادات الأولى التي تُوَجّه لإيران منذ يونيو 2020، ووافق عليها، الأربعاء، ثلاثون من أعضاء مجلس حكام الوكالة ولم تُصوّت ضدها سوى روسيا والصين، مع امتناع ثلاثة بلدان هي الهند وباكستان وليبيا.

وجاء القرار بعدما عبّرت الوكالة الذرية التي تتخذ من العاصمة النمساوية فيينا مقرا لها، عن قلقها حيال آثار يورانيوم مخصب عثر عليها سابقا في ثلاثة مواقع لم تعلن طهران وجود أنشطة نووية فيها.

وأعربت واشنطن عن قلقها من "استفزازات" طهران، وحذرت على لسان وزير خارجيتها، أنتوني بلينكن، من "أزمة نووية متفاقمة" و"زيادة العزلة الاقتصادية والسياسية لإيران".

وأضافت الخارجية الإيرانية في بيانها أن "المصادقة على القرار المذكور الذي جاء بناء على تقرير متسرّع وغير متوازن للمدير العام للوكالة ومعلومات كاذبة ومفبركة من قبل الكيان الصهيوني لا نتيجة لها سوى إضعاف مسيرة تعاون وتعامل الجمهورية الإسلامية الإيرانية مع الوكالة".

وإضافة إلى تعطيل الكاميرات، أبلغت إيران الوكالة بأنها اتّخذت خطوات تصعيدية أخرى من ضمنها نصب جهازي طرد مركزيين في موقع نطنز، بما يعزز بشكل كبير قدرتها على تخصيب اليورانيوم.

ما هو سبب التصعيد؟

جاء التصعيد الأخير عقب أشهر على توقف مفاوضات إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 الذي يرفع معظم العقوبات الأميركية على إيران مقابل تقييد البرنامج النووي وضمان عدم تطوير السلاح النووي.

ويرى الباحث في الشؤون الإيرانية، هاني سليمان، أن التعامل الغربي المرن مع طهران طوال الفترة الماضية أرسل صورة خاطئة للقيادة الإيرانية بأنها تملك اليد الطولى في المفاوضات.

وقال لموقع قناة "الحرة" إن هناك "عدم رضا أميركي أوروبي على السلوك الإيراني ... هناك حالة من نفاد الصبر".

ويلخص سليمان المشهد بقوله إنه "يمكن فهم حالة التغير الشديد في هذا التوقيت (بين إيران والوكالة الدولية) من خلال عدة اعتبارات أولها استشعار الوكالة بشكل جدي أن فرصة التوصل لاتفاق باتت ضئيلة".

وأضاف: "الاعتبار الثاني هو اكتشاف الوكالة عدم شفافية طهران وإصراراها على ارتكاب خروقات في اتفاقاتها مع الوكالة بعد الكشف عن أنشطة انشطارية نووية غير معلن عنها في 3 مواقع".

في المقابل، يذهب المحلل السياسي الإيراني، حسين رويران، في اتجاه معاكس تماما بقوله إن "الغرب يريد استعمال الوكالة للضغط على إيران والمبرر الجاهز هو عدم التعاون معها"، مشيرا إلى أن هذا يجعل من طهران محبطة جدا من الوكالة.

وقال لموقع "الحرة" إن التزامات إيران تجاه الوكالة الأممية ذات بعدين الأول متمثل في معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية والثاني ضمن إطار اتفاق 2015.

يوضح رويران قائلا: "إيران ملتزمة على ما تمليه معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية كأي دولة موقعة عليها، ولكن فيما يتعلق بالاتفاق النووي فهو أساسا غير موجود بعد انقلاب أميركا وعدم التزام أوروبا"، على حد وصفه. 

وقال إن التزام إيران "أخلاقي" أكثر منه قانوني على اعتبار أن الاتفاق النووي غير مطبق فعليا، لكن استنكار الوكالة الدولية السلوك الإيراني لا يعطي طهران مبررا في التعاون "الطوعي"، وفقا لرويران.

ما هو مصير الاتفاق النووي؟

وبعد خروج الرئيس ترامب من الصفقة عام 2018 وإعادة فرضة عقوبات قاسية على طهران تحت إطار حملة "الضغوط القصوى"، كانت الإدارة الديمقراطية الجديدة في البيت الأبيض ترغب في استعادة الصفقة.

واشترطت خطة العمل الشاملة المشتركة على إيران شحن 97 بالمئة من وقودها النووي خارج البلاد وتفكيك معظم أجهزة الطرد المركزي النووية بهدف عدم إنتاج أسلحة نووية.

في بيانها المشترك، طالبت المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا،  "إيران على ... وقف تصعيدها النووي وإبرام الاتفاق المطروح حاليا على الطاولة بشكل عاجل من أجل إعادة إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة في الوقت الذي لا يزال هذا فيه ممكنا".

وأدانت إدارة بايدن الخطوة الإيرانية الأخيرة بإزالة كاميرات المراقبة الأممية، وكذلك فعلت حكومات فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، التي قالت في بيانها إنه "كان هناك اتفاق قابل للتطبيق مطروح على الطاولة منذ مارس 2022" ورفضته إيران.

وقال سليمان إن عام من المفاوضات غير المباشرة بين واشنطن وطهران في فيينا يبدو أنها تضيع هباء منثورا.

وأضاف: "إيران ليس لدينا نية بالوصول لاتفاق إلا بشروطها الكاملة وهذا صعب في المفاوضات ... الدولة ذات أيدولوجية بطبيعتها ولديها عناد سياسي، بحيث تريد الحصول على كل شيء مقابل عدم التنازل عن أي شيء".

وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، يعتقد مسؤولو إدارة بايدن أن فرص إحياء الصفقة الآن باتت ضئيلة للغاية، وهو رأي يرجحه سليمان أيضا.

وكانت هناك نقاط تباين بين واشنطن وطهران أبرزها طلب الأخيرة شطب اسم الحرس الثوري من القائمة الأميركية للمنظمات "الإرهابية" الأجنبية، وهو طلب امتنعت واشنطن عن تلبيته، بحسب وكالة فرانس برس.

وقال المحلل والرئيس السابق للمجلس القومي الإيراني الأميركي، تريتا بارسي، إن المواجهة الجديدة لا تعتبر "إنذارا نهائيا لموت" المفاوضات.

ومع ذلك، أقر بارسي بأن إعلان الوفاة النهائية للاتفاق النووي "قريبة للغاية"، قائلا في حديثه للصحيفة الأميركية: "كانت المفاوضات في حالة غيبوبة خلال الأشهر القليلة الماضية، دون أي تقدم حقيقي أو أي تحرك".

"مؤشر"

ورغم تصاعد حدة التوتر بين إيران والوكالة الذرية، قال غروسي في المؤتمر الصحفي إن من 40 كاميرا مراقبة أخرى لا تزال نشطة في إيران بموجب اتفاقيات أخرى. ومع ذلك، أقر بأن الوكالة ستفقد تفاصيل مهمة في غضون أسابيع حول أنشطة إيران النووية على الأرض.

وفي هذا الإطار، يعتقد رويران أنه بسبب فقدان مراقبة البرنامج النووي، فإن "الغرب يخسر تعاون إيران الطوعي مع الوكالة". 

وتقول "نيويورك تايمز" إن تفكيك الكاميرات وأجهزة الاستشعار في منشأة نطنز الرئيسية، سيجعل من المستحيل على وكالة الطاقة الذرية الإسرائيلية معرفة كمية اليورانيوم التي تخصبها إيران ومدى سرعتها.

وقال الخبير في برنامج إيران النووي، ديفيد أولبرايت، للصحيفة الأميركية، إن فقدان البيانات اليومية يمثل "ضربة". 

وأضاف أن إيران كانت بالفعل على وشك تحقيق اختراق - القدرة على تحقيق قفزة سريعة نحو تصنيع سلاح نووي قبل اكتشافها. وتابع: "إنهم يحاولون هز القارب لكنهم لم ينقلبوا".

لطالما أكدت إيران أن برنامجها النووي مصمم للأغراض السلمية فقط، لكن تقييم أجرته وكالات الاستخبارات الأميركية في عام 2007 خلص إلى أن البلاد كان لديها في السابق برنامج أسلحة توقف عام 2003.

وفي اتجاه آخر، عارض المسؤولون الإسرائيليون الاتفاق النووي لعام 2015، قائلين إن إيران تعمل على بناء أسلحة، ونفذت إسرائيل هجمات متكررة على البرنامج، وفقا لما نقلت "نيويورك تايمز" عن مسؤولي المخابرات.

وقال سليمان إنه من ضمن المؤشرات على التغيير في مسار التعامل مع إيران وضوح "الضوء الأخضر الممنوح لإسرائيل لتنفيذ بعض العمليات" داخل الأراضي الإيرانية.

ولا تتبنى إسرائيل عمليات الاغتيالات وتخريب المنشآت النووية التي تتعرض لها في العادة إيران، لكن الأخيرة تتهم عدوها اللدود بذلك.

وأشار سيلمان إلى أن زيارة غروسي إلى إسرائيل مؤشر على ذلك بعد حصوله على معلومات استخباراتية دقيقة عن مواقع إيرانية لتخصيب اليورانيوم غير معلن عنها، وفقا لسليمان.


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa