"لا تراجع قبل تحقيق المطالب"... الدفاع المدني يوقف مهامه

20/06/2022 10:05PM

كتبت أسرار شبارو في "الحرة":

"باعت زوجتي أغلى ما تملك كي نتمكن من الاستمرار بالعيش في هذا البلد، إذ للأسف دفعتها الظروف إلى التخلي عن خاتم زواجنا".. بهذه الكلمات عبّر المتطوع في الدفاع المدني يوسف ملاّح، عما يعاني وزملاؤه في لبنان، متسائلاً "هل من مواطن أو عسكري أو متطوع في المؤسسة التي أنتمني إليها لم يضطر لبيع جزء مما يملك لتسيير أموره"؟ 

من أمام السرايا الحكومي، رفع ملاح وزملاؤه الصوت عالياً علّ صرختهم تلقى هذه المرة آذاناً صاغية، مهددين خلال اعتصام نفذوه بالتوقف كلياً عن اداء مهامهم بعد توقفهم جزئياً عن ذلك منذ نحو أسبوع.

 أعطى المتطوعون السلطات اللبنانية مهلة عشرة أيام لتنفيذ مطالبهم، وعلى رأسها تثبيتهم في ملاك الدولة وكذلك تأهيل الآليات كونها لم تعد صالحة للسير إضافة إلى تأمينها وتأمين العناصر، الذين يدفعون من جيوبهم في حال تعرضوا لحادث أثناء أداء واجبهم الإنساني.

كما طالب المتطوعون بإطلاق سراح زميلهم، إياد الأشقر، الذي أوقف قبل نحو أسبوع نتيجة حادث سير أدى إلى وقوع ضحيتين وذلك حين كان اصطدمت آلية الإطفاء التي كان يقودها بباص لنقل الركاب في منطقة ضهر البيدر في البقاع اللبناني.

منذ سنة 2014 أقر القانون 289 القاضي بتثبيت 2500 متطوع في الدفاع المدني، والذي عدّل بالقانون رقم 59/2017، إلا أنه بقي في الأدراج على مدى كل هذه السنوات، ليخرج إلى الواجهة مع كل حادث كبير يظهر فيه مدى المهات العظيمة التي يؤديها المتطوعون للوطن وشعبه، قبل أن تتناساه السلطات من جديد.

سبق أن طلب رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، من وزير الداخلية والبلديات، بسام مولوي، اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لتنفيذ أحكام القانون لا سيما لجهة الإسراع في إجراء المباراة المحصورة الملحوظة في القانون لملء المراكز الشاغرة في المديرية العامة للدفاع المدني.

ومنذ توليه وزارة الداخلية تعهد مولوي بتثبيت عناصر الدفاع المدني، "إيماناً منه بأهمية إنصاف المتطوعين لما يقومون به من جهد وما يقدمونه من تضحيات خلال تأديتهم لواجباتهم" ولهذا السبب وقع في شهر فبراير قراراً يقضي بتشكيل لجنة لإجراء مباراة محصورة لتثبيت أفراد ورتباء من المتطوعين في المديرية، مؤكّداً متابعته ملف تثبيت المتطوعين وصولاً لخواتيمه، لكن إلى الآن لم يتم إجراء المباراة.

إيقاف كل المهمات

أكد رئيس لجنة المال والموازنة، النائب إبراهيم كنعان، بعد جلسة اللجنة لبحث وإقرار موازنة وزارة الداخلية والبلديات، في شهر مارس الماضي، أن "الدفاع المدني هو من الأجهزة التي ضحّت وتضحّي من دون حساب، ولكن إنصاف عناصره من خلال تطبيق القوانين وإنهاء هيكلته لم ينته بعد".

وقال إن "اللجنة قد خصصت مبلغ 77 مليار ليرة لبنانّة من احتياطي الموازنة، ليقوم الدفاع المدني بعملية التثبيت للعناصر، ولتكون له ملاك وموازنة مستقلة وتفصيلية في موازنة وزارة الداخليّة، فلا يجوز ترك عناصر الدفاع المدني "تشحد"حقوقها". 

ولسنوات طويلة، خاطر متطوعو الدفاع المدني بأرواحهم لإنقاذ الناس، ومع هذا يضطرون للاعتصام عدة مرات كل عام لإيصال صرخاتهم. يتساءل ملاح: " للأسف ماذا بقي في الوطن؟ قطعوا الكهرباء والماء، سرقوا الخيارات وأهانوا الكرامات وأوجعوا المرضى، وماذا بعد؟".

وأضاف "يوم وباء ويوم غلاء، ألا تريدون أن تعوا أن جهاز الدفاع المدني هو بوابة الوطن، ومع هذا نعمل من دون تأمين صحي ومن دون راتب، أي والدة  ستقبل بعد الآن أن يقود ابنها آلية اطفاء ليعود إليها جثة أو يسجن"؟

وتابع: "في هذا البلد تقبّل يد السارق أما يد الكريم فتقطع، مع العلم أن هذه المرة نطالب بحق اللبنانيين قبل حقنا، لا نريد العطف من أحد بل فقط إنصاف الوطن وأهل الوطن وشباب الدفاع المدني".

وتوجه إلى كل سياسي يقف كما وصفه في وجه نهضة البلد بالقول "سياسي إذا ضرب به مثل الندالة صرخ السباب بأي ذنب أشتم" وأضاف: "نعلم أن وزير الداخلية يملك يداً أمنية وأخرى إنسانية، لكن للأسف يداً واحدة لا تكفي".

وبعد انهيار قيمة العملة الوطنية ومعها رواتب القطاع العام أكد ملاح لموقع "الحرة" أن القضية تتعلق بالكرامة وليس بالراتب.

الاثنين الماضي، نفذ متطوعو الدفاع المدني وقفة تضامنية أمام قصر العدل في بعبدا للمطالبة بمعرفة مصيرهم وللتضامن مع زميلهم الأشقر، وذلك بعد حصول عدة حوادث تخللها توقيف سائقي إسعاف أو إطفاء بسبب عدم وجود تأمين للآليات بغض النظر إذا كان سائقو الدفاع المدني على حق أم على خطأ.

حينها أعلن ملاح أن سيارات الاسعاف والأطفاء ستتوقف لان المتطوعين يخافون من استعمالها لا سيما وأنها من دون صيانة أو تصليح، و"ليس لأننا لا نريد أن نخدم الناس، لكن عليكم استخدام سياراتكم لنسعفكم ونخدمكم بعيوننا"، مضيفاً "في السابق كان المواطن يبتعد عنا عندما يرى سيارة اسعاف او غيرها احتراماً، واليوم سيبتعد عنا خوفاً، خاصة أن الآليات غير صالحة للسير".

واليوم شدد المتطوع، مصطفى دمج، على أن "لا إسعاف ولا إنقاذ وإطفاء، كل المهمات ستتوقف حتى نهاية الشهر ولن تعود قبل تنفيذ المطالب وتأمين الآليات والعناصر"، مشيراً إلى أن الأمر لا يكلف الحكومة سوى التوقيع، وقال "بعد تحذيرنا الأول توقفت نحو 80 بالمئة من المهمات أما الآن لن نؤدي أياً منها، على الرغم من الضغوطات التي تمارس علينا".

واعتبر أن اجراء مباراة لتثبيت المتطوعين أمر معيب بعد خدمتهم لسنوات طويلة في هذه المؤسسة، قائلاً "لن نعاود العمل قبل اتخاذ قرار بالمتطوعين الذين صدرت أسماؤهم للالتحاق بمراكز خدمتهم" مشدداً على أن "القوانين التي تفيد البلد لا يقومون بتنفيذها على عكس القوانين التي تحلو لهم".

من جانبه أكد لويس القمري (رئيس مركز حمانا) أنه طالما إياد مسجون ظلماً، وطالما أن الضحيتين لم تأخذان حقهما فهو لا يريد هذه الوظيفة وإن كان سيكمل في مشروع الدفاع المدني، قائلاً "نحن عشقنا هذا العمل كوننا على تماس خاص مع الناس نلمس دمعتهم وبسمتهم، فنحن موظفون لديهم، نقبض منهم دعاءهم لنا".

لا تراجع 

قبل 19 عاماً انضم ابن عكار شمال لبنان، طوني يوسف، إلى صفوف الدفاع المدني من أجل خدمة الناس، لم يتوقع أن يصل الحال إلى ما هو عليه الآن كما يقول لموقع "الحرة"، وأن يضطر وزملاؤه أن يتركهم مسؤولو الدولة من دون أي اهتمام، "بل وصلنا إلى مرحلة ندفع فيها ثمن بدلتنا والمحروقات من جيبنا الخاص، وكذلك تصليح الآليات وكل ما نحتاجه داخل مراكزنا، وفوق هذا لا تأمين لنا وللآليات".

يوسف والد لعسكري في الجيش اللبناني، وآخر طالب جامعي، يعمل وقت إجازته الأسبوعية في كل ما يتوفر له لكي يؤمن ما تحتاجه عائلته، وكما يقول "الوضع أصعب من أن تصفه كلمات".

كما عبّر ابن طرابلس يحيى مراد عن الصعوبات الكبيرة التي يواجهها لتأمين مصروف عائلته المؤلفة من خمسة أبناء، شارحاً: "تطوعت في الدفاع المدني عام 2006، كنت أعمل إلى جانب ذلك في مسلخ للحوم، إلى أن تم اغلاقه قبل حوالي الأربع سنوات، الله وحده يعلم بحالنا، ورغم المخاطر التي أواجهها أثناء القيام بمهمتي في الدفاع المدني حيث تعرضت لإصابات عدة، منها ما استوجب دخول مستشفى لتلقي العلاج واضطراري لدفع الفاتورة من جيبي الخاص إلا أني لا أتردد في الاستمرار بخدمة أبناء وطني".

وتوجه مراد إلى السياسيين عبر موقع "الحرة" بالقول "ألا تريدون أن نطفئ النيران في بيوتكم إذا احترقت، إلى متى هذا التقصير بحقنا، ففي كل دول العالم يعطى عناصر الدفاع المدني الأولوية والأهمية إلا في لبنان"؟! ويضيف "لدينا 8 آليات في المركز واحدة منها فقط تعمل، وبعد أن كنا نصلح الأعطال من مالنا، الآن لم يعد لدينا إمكانية لذلك".

في مركز مرفأ بيروت، يخدم خالد البرهان، الذي انضم إلى صفوف الدفاع المدني قبل 23 سنة، وبعد أن شدد في حديث لموقع "الحرة" على أن تقديم امتحانات لتثبيتهم في الملاك إهانة لهم بعد كل سنوات خدمتهم، أكد على أنه من بعد اليوم لن يتراجعوا عن قرارهم قبل تحقيق مطالبهم التي وصفها بأنها "حقوق مشرّعة".

وشارك مؤسس إليازا، زياد عقل في الاعتصام معلناً دعمه لمتطوعي الدفاع المدني، معبراً عن استغرابه لتمييع السلطات اللبنانية  لمطالبهم المحقة في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها البلد، وقال "من غير المقبول أن يبقى عناصر الدفاع المدني وآلياتهم من دون صيانة لعدم توفر المال، في حين أن جيوب المسؤولين متخمة بالمليارات"!

وختم عناصر الدفاع المدني اعتصامهم بالقول "عندما سنتلقى أي اتصال سيكون جوابنا (روحوا لإندن)، وذلك من باب الفكاهة كون هذه العبارة اشتهر بها أحد الأشخاص الذين ترشحوا للانتخابات النيابية من دون أن يحالفهم الحظ، لتصبح متداولة بشكل كبير في لبنان".


المصدر : الحرة

شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa