"بور سعيد".. أقدم مكتبات الرقة السورية تكافح للعودة بعد إحراقها

24/07/2022 10:48PM

يواظب أحمد الخابور (81 عاماً) يوميا، على فتح باب مكتبته في مدينة الرقة السورية، فإحراق تنظيم داعش لمحتوياتها لم يُثنِ عزيمته لعمل ما اعتاد عليه طيلة ستة عقود ونصف تمثل عمر المكتبة التي تعد الأقدم في المدينة.

ففي شارع المنصور، بالقرب من متحف الرقة الأثري، تقع مكتبة بور سعيد، التي افتتحت عام 1957 بمبادرة من الخابور ومقربين منه في تنظيم أنصار السلام، وذلك كحيز ثقافي رديف للحراك اليساري.

تحتوي على الكتب والمجلات والجرائد. وتوسعت الفكرة لاحقاً لتشمل مطبوعات من مختلف المشارب الفكرية من قومية ودينية ويسارية وليبرالية، غدت معها المكتبة مكاناً يلبي أذواق كل القراء والطيف الثقافي في الرقة.

ملتقى لمثقفي الرقة

عن بدايات التأسيس يشير الخابور أن المكتبة كانت نافذة ثقافية رافدة للمركز الثقافي الذي أنشأته وزارة الثقافة، "ما من إنسان له علاقة بالحرف أو الكتاب إلا وكان صديقاً للمكتبة وصديقاً لصاحبها، المكتبة عرفتني على النخبة من الناس، فالقارئ هو نخبة المجتمع".

عاصرت المكتبة منذ تأسيسها حقب الحكومات المختلفة في سوريا منذ فترة الانقلابات العسكرية، إلى العهد الناصري (الوحدة بين سوريا ومصر 1958 – 1961)، فالانفصال ومن ثم حكم حزب البعث منذ 1963. عن هذا التاريخ الممتد لعقود يقول الخابور، "بعد خروج فرنسا ورثنا فترة قصيرة جداً من الديمقراطية ومن الحكم البرلماني والصحافة الحرة، لتأتي بعدها العسكرتارية وتصادر كل شيء لتمجيد الحاكم".

يعود الخابور بذاكرته للسنين الطوال التي أدار فيها المكتبة وكيف أنها كانت مركزاً أساسياً في المنطقة لتوزيع المطبوعات سواء الكتب الصادرة عن دور النشر أو الصحف اليومية، خلال هذه المدة، "كانت المكتبة تعج بالأصدقاء وتغلي بالحوارات من القناعات المختلفة، كانت بمثابة ملتقى لمثقفي مدينة الرقة، ومن أبرزهم الأديب عبد السلام العجيلي الذي كان من الرواد الدائمين للمكتبة في كل زياراته لمدينته الرقة".

"كاد داعش أن يحرقني مع الكتب"

ويضيف الخابور أنه وبالرغم من الدور الريادي للمكتبة فقد واجهتها الكثير من المصاعب والتحديات التي لم تحل دون استمرارها، بيد أن أقسى ما مرت به المكتبة، وهو شخصياً، كانت فترة سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على الرقة، فالتنظيم أحرق القسم الأكبر من كتب ومحتويات المكتبة.

"عناصر داعش أحرقوا محتويات المكتبة باستثناء بعض الكتب الدينية المتشددة، تركوها هي والقرآن، أما ما تبقى حولوه لكومة رماد، كمية هائلة من الكتب التي تملأ رفوف المكتبة (شالوها) وأحرقوها أمامي، لم أستطع أن أقول شيئاً؛ ماذا عساي أقول لهم؟ ماذا تفعلون؟ (..) لكانوا أحرقوني مع الكتب".

عندما أحرق تنظيم داعش الإرهابي محتويات مكتبة (بور سعيد)، كان صاحبها الخابور يخفي قسماً من الكتب في مستودع قريب من منزله، لم يطلها لهيب التنظيم، ولتصبح هذه الكتب لاحقاً كل ما تبقى من رأسماله الثمين، استطاع بها إعادة افتتاح المكتبة بدعم من لجنة الثقافة في مجلس الرقة المدني، وذلك بعد تحرير قوات سوريا الديمقراطية الرقة من تنظيم داعش.

القراءة مفتاح المعرفة

رفوف المكتبة المرصوفة تخلو اليوم من الكثير من الكتب التي كانت تذخر بها فيما مضى، فناهيك عن التخريب الذي لحق بها على يد تنظيم داعش، يشكو الخابور صعوبة التواصل مع دور النشر في الداخل السوري وفي الخارج، إضافة لعزوف الجيل الشاب عن القراءة وعدم تقدير المعرفة حق قيمتها، "الإنسان الآن يعتمد على المعلومة المجتزأة السريعة التي يأخذونها من مواقع التواصل. كما أن الكتاب قد يكون ثمنه أغلى من دخل القارئ الذي يتفاجأ بأنه لا يملكه في جيبه، لذا يحجم عن الشراء، فتأمين الخبز قد يكون أولى".

تشكل مكتبة (بور سعيد) اليوم جزءاً من ذاكرة المكان؛ مدينة الرقة، فأجيال عديدة وأحداث كثيرة مرّت على المدينة، كانت هذه المكتبة شاهدة عليها، يقول صاحبها (حارس ذاكرة المكان) بأنه لا يستطيع الراحة ما لم يشم يومياً راحة التراب من على رفوفها، كما يتوجه بالنصح لكل إنسان بأن يقرأ، "القراءة تجدد الإنسان وتجدد معرفته، ومن لا يملك المعلومة سيتخلف عن ركب الحضارة بكل تأكيد، فعندما أكون متعلماً سوف أعلم مصلحتي ومصلحة بلدي وناسي".


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa