أزمات متصاعدة ونظرة اقتصادية متشائمة.. سيناريو سريلانكا يحوم فوق دولتين عربيتين

29/07/2022 06:48PM

أزمة مالية متصاعدة، ارتفاع بأسعار السلع والخدمات، تراجع قيمة العملة المحلية، عجز بالموازنة العامة، ومباحثات مع جهات دولية لإنقاذ "ما يمكن إنقاذه"، هكذا تصاعدت وتيرة الأزمة الاقتصادية في مصر وتونس، ما دفع مؤسسات لدق ناقوس الخطر، والتحذير من "مصير مشابه لما تعرضت له سريلانكا". 

وتوقع تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز"، "مواجهة عدة دول نامية لمصير يشبه لما حدث في سريلانكا بسبب المشاكل الاقتصادية والديون المتراكمة".

وأشارت الصحيفة إلى أن قائمة الدول التي تبدو معرضة للخطر طويلة ومتنوعة، وتضم أكثر من 20 دولة من البلدان ذات الأسواق الناشئة المثقلة بالديون وتجد نفسها مضطرة للاختيار بين الدفع للدائنين أو توفير الغذاء والوقود لشعوبها.

وحسب الصحيفة فإن مصر وتونس، من تلك الدول حيث تواجهان أزمة اقتصادية حادة، وتجريان مباحثات مع صندوق النقد الدولي لإنقاذ اقتصادها"، فهل يمكن أن يتكرر السيناريو السريلانكي في هذه الدول؟

وتُجري سريلانكا حاليا مفاوضات مع صندوق النقد الدولي بهدف إقرار خطة إنقاذ محتملة، لكن قد تستغرق العملية أشهرا.

واستهلكت سريلانكا تقريبًا إمداداتها الشحيحة أساسًا من البترول. وأمرت الحكومة بإغلاق المكاتب والمدارس غير الأساسية لتخفيف حركة السير وتوفير الوقود.

وبلغ التضخّم في يوليو 60,8%، مسجّلًا نسبة قياسية للشهر العاشر على التوالي، بحسب بيانات لمؤشر أسعار المستهلك في كولومبو نُشرت الجمعة، فيما فقدت الروبية السريلانكية أكثر من نصف قيمتها مقابل الدولار الأميركي هذا العام.

وبلغت الأزمة ذروتها في 9 يوليو حين اقتحم عشرات آلاف المتظاهرين القصر الرئاسي، ما أجبر الرئيس راجاباكسا على الفرار إلى سنغافورة، ثمّ التنحّي. 

وأعلن الرئيس الجديد رانيل ويكريميسينغه حالة طوارئ تمنح القوات المسلحة سلطات واسعة وتسمح للشرطة باعتقال مشتبه بهم لفترة طويلة بدون توجيه اتهامات إليهم.

ويقول الخبير الاقتصادي، عبدالنبي عبدالمطلب، إن التقرير عرض "نظرة صندوق النقد الدولي المتشائمة"، ويتابع: "وضعت الصحيفة توقعاتها على أساس التزامات مصر والتي تبلغ 20 مليار دولار حتى نهاية ديسمبر 2022، والتوقعات بارتفاع الدين التونسي إلى نحو 39 مليار دولار خلال العام ذاته، دون دراسة عناصر القوة باقتصاد البلدين".

ورأى في حديث لموقع "الحرة" أنه "رغم خطورة تلك المؤشرات من الناحية الاقتصادية، لكنها لم تأخذ في الاعتبار قيمة الاحتياطي النقدي لمصر وتونس، والذي مازال مرتفعا طبقا لمقاييس تغطية الواردات".

لكن لغة الأرقام تشير إلى معاناة مصر وتونس اقتصاديا، نتيجة عدة عوامل، فهل تستطيعان، مواجهة "التحديات الاقتصادية المتصاعدة"؟

تحديات اقتصادية غير مسبوقة في مصر

An employee counts Egyptian pounds at a foreign exchange office in central Cairo, Egypt, March 20, 2019. REUTERS/Mohamed Abd El…

تواجه القاهرة تحديات اقتصادية وسياسية غير مسبوقة/ صورة تعبيرية

خلال الفترة الماضية، تواجه القاهرة تحديات اقتصادية وسياسية غير مسبوقة، ما أوقظ مخاوف قديمة من اضطرابات سياسية في البلاد، وفقا لتقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال".

وتحتاج مصر إلى تحقيق "تقدم حاسم" في الإصلاح المالي والهيكلية فيما تسعى القاهرة للحصول على جولة جديدة من الدعم من الصندوق، وفقا لبيان لـ"صندوق النقد الدولي"، الثلاثاء.

في تقييم لترتيب احتياطي بقيمة 5.2 مليار دولار تم الاتفاق عليه مع مصر في عام 2020، أشار المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي إلى " الدين العام المرتفع ومتطلبات التمويل الإجمالية الكبيرة"، وفقا لوكالة "بلومبرغ".

ولأول مرة منذ عام 2013، خفضت وكالة "موديز" لخدمات المستثمرين نظرتها المستقبلية لمصر من مستقرة إلى سلبية، محذرة من أن "البلاد لا تزال معرضة للخطر".

وأشارت تقديرات موديز إلى أن حجم الدين المصري كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، قد يصل إلى 93.5 في المئة في السنة المالية 2022.

10 عوامل تنقذ الاقتصاد المصري

Tourists visit the Sphinx and the Great Pyramids of Giza, on the outskirts of Cairo, Egypt March 8, 2020. REUTERS/Mohamed Abd…

هل يتكرر "سيناريو سريلانكا" في مصر؟ / صورة تعبيرية

استبعد مستشار المركز العربي للدراسات والباحث في الاقتصاد السياسي والعلاقات الدولية، أبوبكر الديب، مرور مصر بسيناريو مشابه لما حدث في سريلانكا، مرجعا ذلك إلى 10 عوامل.

وفي حديثه لموقع "الحرة"، وصف القاهرة بقوة اقتصادية رئيسية أفريقيا وعربيا، نتيجة "نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي أطلقته الحكومة عام 2016، فضلا عن تعظيم الإنفاق على الصحة والتعليم، وتعزيز مظلة الحماية الاجتماعية".

وأشار إلى نجاح القاهرة في "رفع كفاءة المالية العامة للدولة، والحفاظ على المسار الاقتصادي الآمن، والتحول الرقمي المتسارع، فضلا عن المساندة والدعم القوي من دول خليجية كالسعودية والإمارات".

وأوضح الديب أن "مصر قادرة على الوفاء بالتزاماتها وسداد ديونها بشكل منتظم"، مشيرا إلى أن قيمة الديون الخارجية المستحقة على مصر لا تدعو للقلق وأغلبها ديون خارجية طويلة ومتوسطة الأجل.

ويتميز اقتصاد مصر بالتنوع، ولديه ثوابت دخل منها 30 مليار دولار سنويا من تحويلات العمالة المصرية بالخارج، و 7 مليارات دولار من عائدات قناة السويس، فضلا عن السياحة والاستثمار، وفقا لحديث الديب.

وبحسب الديب فقد حققت مصر أعلى حجم صادرات في تاريخها ليصل إلى 45.2 مليار دولار عام 2021، منها 32.340 مليار دولار صادرات غير بترولية، و 12.9 مليار دولار صادرات بترولية، ولديها خطة لتخطي الصادرات حاجز الـ 100 مليار دولار.

أزمة متصاعدة في تونس

People queue outside a bakery in Tunis, Tunisia March 23, 2022. Picture taken March 23, 2022. REUTERS/Jihed Abidellaoui

تواجه تونس أزمة اقتصادية متصاعدة/ صورة تعبيرية

تواجه تونس أزمة اقتصادية متصاعدة، تسببت في ارتفاع أسعار السلع والخدمات، بسبب تداعيات جائحة كورونا وآثار الغزو الروسي لأوكرانيا، وفقا لـ"رويترز".

وتوقع محافظ البنك المركزي التونسي، مروان عباسي، اتساع عجز الميزانية إلى 9.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، مقابل 6.7 في المئة بالعام السابق.

ويرجع ذلك إلى ارتفاع سعر الدولار والارتفاع الحاد في أسعار الحبوب والطاقة، وهي آثار غير المباشرة لحرب أوكرانيا التي قال عباسي إنها ولدت 1.6 مليار دولار إضافية من الاحتياجات التمويلية، وفقا لـ"رويترز".

واعتبارا من عام 2020، كان الدين العام للبلاد أعلى بنسبة 70 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وقد تكون مستويات الدين الحالية أعلى من ذلك بكثير، وفقا لـ"البنك الدولي".

وفي ظل غياب قطاع خاص قوي ومنظم جيدا، اعتمد التونسيون منذ فترة طويلة على الدولة كمزود للوظائف والسلع والخدمات المدعومة، مما أدى إلى خلل اقتصادي غير مستدام، حسب البنك الدولي.

وتدفع الأزمة الاقتصادية والديمقراطية المزدوجة، بتونس نحو "حافة الهاوية"، وفقا لتقرير لـ"معهد الولايات المتحدة للسلام".

ليست سريلانكا

A man displays Tunisian dinar banknotes after withdrawing cash from an ATM machine in Tunis, Tunisia, May 25, 2021. Picture…

هل تواجه تونس مصير مشابه لـ"سريلانكا"؟/ صورة تعبيرية

لكن الكاتب الصحفي التونس، محمد بوعود، يستبعد ذلك السيناريو، مؤكدا أن "تونس لن تتعرض لمصير مشابه لسريلانكا"، لعدة أسباب.

ويرى بوعود في حديث لموقع "الحرة" أن تقرير "فايننشال تايمز" قد أخطأ التقدير حول الوضع في تونس، لأنه اعتمد على كونها "دولة فقيرة" فقط.

وتحدث بوعود عن "الاختلاف في الظرفية والامكانيات والموقع" بين البلدين، مشيرا إلى أن "تونس تقبع وسط محيط من الأصدقاء والشركاء والجيران القادرين على تخفيف حدة الأزمة الاقتصادية".

وتمتلك تونس رصيدا من الثقة لدى المؤسسات الدولية المانحة، على عكس سريلانكا الخارجة لتوها من حرب أهلية وتنحصر ثرواتها في السياحة، وفقا لحديث بوعود.

وفي سياق متصل، يشير عبدالنبي عبدالمطلب إلى "زيادة الاحتياطي النقدي التونسي من نحو سبعة مليارات من الدولارات إلى ثمانية مليار دولار خلال العام الحالي".

وتحدث عبدالنبي عن "توقعات بوصول قيمة تحويلات التونسيين في الخارج إلى نحو 10مليار دولار"، مشيرا إلى قدرة تونس على تجاوز تداعيات الأزمة الاقتصادية.


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa