"إيقاف النوافير والاستحمام بمياه باردة".. خطة ألمانية لمواجهة انقطاع الغاز الروسي

30/07/2022 09:25AM

لا شك أن ألمانيا سوف يكون على كاهلها العبء الأكبر بين دول الاتحاد الأوروبي في مواجهة النقص المحتمل لانقطاع الغاز الروسي عن بلدان الكتلة، ولاسيما أنها تشكل أكبر اقتصادات القارة العجوز، وهذا يعني أن انخفاضا ملحوظا في النمو لديها سوف يؤثر على بقية شركائها.

وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز" تعد مدينة أوغسبورغ في ولاية بافاريا مثالا واضحا على سعي الألمان للتخفيف من استهلاك الطاقة بعد قرار الاتحاد الأوروبي التقنين بشكل طوعي للاستهلاك الغاز بنسبة 15 بالمئة مما يجعل تلك الدول قادرة على تخزين 45 مليار متر مكعب لمواجهة الشتاء القارس القادم.

ويجلس المسؤولون المحليون في المدينة، وعلى راسهم فولفغانغ هوبشل، المستشار الاقتصادي لمدينة أوغسبورغ، على خط المواجهة في الصراع الجيوسياسي مع روسيا، فهو وبعد أن كان يتوقع أن يكون عمله ينحصر بالتخطيط للمهرجانات التقليدية والسياحية، بات في انتظاره هذه الأيام مهمة غير شعبية تتمثل في حساب عدد إشارات المرور التي يجب إيقافها، وكيفية خفض درجات الحرارة في المكاتب وأحواض السباحة، وصولا فيما إذا كان يتوجب سحب القابس من مصانع الجعة المحبوبة في ولاية بافاريا ولكن كثيفة الاستهلاك للطاقة.

وتعد أوغسبورغ الآن من بين الأماكن التي تتجلى فيها جهود الحفاظ على النمو من ولاية إلى أخرى، حيث تقدم بعض المدن الألمانية حوافز مالية لخفض استخدام الغاز، في حين جرى التخفيف من مصابيح الشوارع، لكن هذه الجهود لا تقتصر على ألمانيا فقط بل تشمل العديد من دول الاتحاد الأوروبي.

ففي الكثير من تلك البلدان، تجد البلدات والمدن طرقًا مختلفة لمساعدة المواطنين على تقليل استخدام الطاقة، فعلى سبيل المثال تقدم برشلونة تقييمات لكفاءة المنازل في قلة الاستهلاك بما يزيد من أسعارها، بينما تدعم وارسو المنازل التي تستخدم الطاقة الشمسية عوضا عن استعمال الغاز وبقية أنواع الوقود الأحفوري، بينما عمدت بعض المناطق في شرق فرنسا إلى إطفاء مصابيح الشوارع بعد منتصف الليل.

بين الألم.. والمال

ويرى هوشيل أنه في حال تمكنت أوروبا من التوفير في الطاقة مع انخفاض شحنات الغاز الحالية، فإن ذلك قد يردع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، والذي سوف يفضل عندئذ الحصول على المزيد من الأموال مادام قطع الغاز لن يؤتي بثمار أهدافه.

ويضيف هوشيل: "إذا لم يكن الأمر مؤلمًا كثيرًا، فسوف يختار بوتين أخذ المال على إلحاق الألم".

على الرغم من أن أهداف الاستهلاك في الاتحاد الأوروبي ليست ملزمة في الوقت الحالي، إلا أنها أرسلت إشارة واضحة ليس فقط عن التصميم الأوروبي للوقوف في وجه بوتين، ولكن أيضًا القلق الحقيقي من أن الاقتصادات الأوروبية في خطر، ولاسيما بالنسبة لألمانيا التي كانت تعتمد على 55 بالمئة على الغاز الروسي من مجمل وارداتها من الغاز.

ويجري تدفئة ما يقرب من نصف جميع المنازل في ألمانيا بالغاز، بينما تستخدم الصناعة ثلث الغاز في البلاد، وبالتالي بأن البلاد قد تحتمل فاتورة كبيرة للتخفيف عن المواطنين مع الاحتمالات القوية بشأن ارتفاع أثمان فواتير الاستهلاك خلال الشتاء

وفي سبيل توفير استخدام الطاقة، أمرت عمدة مدينة أوغسبورغ، إيفا ويبر، بإغلاق العديد من نوافير المدينة وتخصيص ساعات محدودة لتشغيل ثلات نوافير متصلة بنظام إدارة المياه بالمدينة الذي يبلغ عمره 800 عام، علما أنها تعد من أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو.

وجاءت مبادرات المدينة في أعقاب أشهر من حث وزير الاقتصاد الألماني، روبرت هابيك، الذي اتخذ خطوات مؤلمة، مثل إعادة فتح محطات الطاقة التي تعمل بالفحم لتحل محل تلك التي تحرق الغاز وتتوسع بسرعة البنية التحتية للغاز الطبيعي المسال جنبًا إلى جنب مع تأمين عقود التسليم من قطر والولايات المتحدة.

وفي منشور حديث على وسائل التواصل الاجتماعي، نصح هابيك الناس بتغيير عاداتهم اليومية كجزء من الجهود المبذولة للوصول إلى هدف الدولة المتمثل في توفير 20 بالمئة من استهلاك الطاقة.

قال هابيك: "إذا كنت تعتقد، أن تبديل رأس الدش التالف، أو إيقاف سخان الماء (الاستحمام بمياه باردة حاليا)، لن يحدث أي من ذلك فرقًا فأنت تخدع نفسك".

وأعرب بعض المسؤولين عن قلقهم من أن الحكومة تثير الذعر، معربين عن أملهم من أن تشجع الحوافز على استخدام الطاقة بحذر.

وتعهد المستشار الألماني، أولاف شولتز، بزيادة دعم الإسكان وحماية المستأجرين من عمليات الإخلاء بسبب فواتير التدفئة غير المدفوعة، بينما أعلنت السلطات في ميونيخ هذا الأسبوع عن "مكافأة طاقة" بقيمة 100 يورو للأسر التي تخفض استهلاكها السنوي بنسبة 20 في المائة، وتزامن ذلك مع إطلاق شركة المرافق العامة في المدينة مسابقة لمكافأة العملاء الذين يوفرون الطاقة هذا الخريف.

في المقابل، قالت الرابطة الفيدرالية للطاقة والمياه إن البلاد قد استخدمت غازًا أقل بنسبة 15 في المائة تقريبًا مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وهو اتجاه عزوه جزئيًا إلى السعر القياسي للطاقة، بينما توقع بعض الخبراء التكاليف سوف ترتفع بشكل أكبر بحلول بداية أكتوبر، عندما تفرض الحكومة رسومًا إضافية على الغاز.

ورداً على ذلك، بات الناس يقبلون على شراء الأفران التي تعمل بالفحم في العديد من المدن، بالإضافة إلى وجود قوائم انتظار كبيرة لمن يرغب بتركيب ألواح الطاقة الشمسية على أسطح منازلهم.

"مناشدة الشركات أهم"

قالت كلوديا كيمفرت، الخبيرة الاقتصادية في مجال الطاقة في المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية، إن مثل هذا التوفير أضحى أمر بالغ الأهمية، لكنها قلقة من أن البلاد قد أهدرت عدة أشهر في مناشدات المواطنين بدلاً من اتخاذ إجراءات أكثر قوة مع الشركات التي تستهلك الجزء الأكبر من الطاقة.

أظهرت الشركات أن بإمكانها تقليل استهلاك الغاز عندما لا يكون لديها خيار، إذ قالت شركة صناعة السيارات مرسيدس-بنز يوم الأربعاء إنها قلصت 10 في المائة من استخدامها للغاز، ويمكن أن تخفض ما يصل إلى 50 في المائة مع الحفاظ على كامل عملياتها.

وأوضحت كيمفرت: "هناك الكثير الذي يمكننا تحقيقه من خلال الأساليب القائمة على السوق، وينبغي أن نستنفد كل خيار لدينا في تلك الجبهة حتى نتمكن من تجنب حالة الطوارئ".

وفي ميونيخ، عاصمة ولاية بافاريا الجنوبية وفي بؤرة الصناعة الألمانية، قالت نائبة رئيس البلدية، كاترين هابينشادن: "أعتقد أننا ببساطة بحاجة إلى خيارات أخرى أو حلول أخرى".

وبصفتها النائبة المسؤولة عن إدارة الشؤون الاقتصادية، كانت تساعد المدينة في نوع من الفرز الاقتصادي، أي تقييم نوع التقنين الذي يمكن أن تواجهه الشركات المختلفة، ودراسة طلبات الشركات الكبيرة والصغيرة لمعرفة من تستحق أن تحصل على بعض الاستثناءات في مجال توفير الطاقة.

وتعتبر بافاريا مصدر قلق خاص لأنها موطن للشركات التي تعمل في مجال أهم الصناعات الألمانية، مثل شركتي "بي أم دبليو" BMW و"سيمنيز" Siemens.

وفي سياق ذي صلة، يعتقد هوبشل أنه يجب على ولاية بافاريا إغلاق مصانع الجعة الشهيرة قبل السماح للصناعات الكيماوية بمواجهة نقص الغاز.


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa