06/09/2022 06:51PM
تصاعد التوتر بين تركيا واليونان إلى مستويات أكثر حدة عن السابق، بعدما هدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، أثينا بلغته "المألوفة"، قائلا: "لا نعترف باحتلالكم للجزر (في بحر إيجه). سنقوم بما يلزم عندما يحين الوقت. يمكننا أن نأتي على حين غرّة ذات ليلة".
ولطالما استخدم الرئيس التركي هذه اللغة في سياق التهديدات التي أطلقها سابقا لشن عمليات عسكرية في العراق وسوريا، لكن توجيهها إلى اليونان قبل يومين، تعتبر سابقة أولى من نوعها.
ورغم أن تركيا واليونان جارتان من جهة، وعضوتان داخل تحالف عسكري واحد (حلف شمال الأطلسي "الناتو")، إلا أنهما ومنذ عقود عاشتا على أعتاب "صراع متبادل".
وبينما تشوب العلاقة المتوترة بينهما قضايا "صعبة الحل"، أذكت التطورات التي تتابعت، مؤخرا، حالة التصعيد، إلى أن ترجمها إردوغان بكلماته، وعاد وكررها صباح الثلاثاء، قبل زيارته إلى 3 دول في البلقان، بقوله:"يمكننا أن نأتي فجأة.. بين عشية وضحاها".
ومن بين هذه التطورات إعلان أنقرة أن طائرات تركية كانت في مهمة في بحر إيجه وفي شرق البحر المتوسط، وأنها "استهدفت من جانب اليونان بنظام دفاع جوي روسي (إس-300)"، منددة بما وصفته "عملا عدائيا".
جاء ذلك بعد سلسلة إعلانات مشابهة، إذ أشارت تركيا في وقت إلى "استفزازات وتحرشات يونانية" بطائراتها التي تقوم بتنفيذ طلعات، فيما اتهمت مؤخرا أثينا بتسليج جزر بحر إيجه المنزوعة السلاح، وهو الأمر الذي تراه الأخيرة ضمن "حق الدفاع عن النفس".
وقد عبر الاتحاد الأوروبي، الاثنين، عن قلقه إزاء ما سماها "تصريحات عدائية"، كتعليق على التهديدات الأخيرة للرئيس التركي.
وقال بيتر ستانو، المتحدث باسم مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، في بيان، إن "التصريحات العدائية المستمرة من جانب القيادة السياسية لتركيا ضد اليونان تثير مخاوف كبيرة، وتتناقض تماما مع جهود التهدئة التي تشتد الحاجة إليها في شرق البحر المتوسط".
بدورها، ردّت اليونان بالقول إنها لن تحذو حذو تركيا في "الانزلاق اليومي الفظيع" في التصريحات والتهديدات، وجاء في بيان لخارجيتها: "سنبلغ حلفاءنا وشركاءنا بمضمون التصريحات الاستفزازية.. لتوضيح من الذي يضع الديناميت في تماسك تحالفنا خلال فترة خطيرة".
هل يتطور التصعيد إلى صدام؟
وأمام ما سبق من موقفين متضادين، لا تبدو ملامح واضحة لحدود التصعيد في المرحلة المقبلة، لاسيما أنه يأتي في الوقت الذي تتجه فيه أنظار العالم إلى ما يحصل في أوكرانيا، وتداعيات الحرب الروسية، هناك منذ شهر فبراير الماضي.
إلا أن لغة الرئيس التركي "التهديدية"، وتحوله للقول صراحة إن اليونان "تحتل" الجزر في بحر إيجه، بعدما كان الموقف ضمن سياق "التشكيك في السيادة"، يعطي مؤشرا على تحول من جانب أنقرة، في الصراع مع أثينا، ذي الجذور التاريخية.
وتنظر تركيا إلى الجزر من "زاويتين"، الأولى من خلال معاهدة لوزان عام 1923، التي رسمت الحدود الحالية بعد الحرب اليونانية-التركية، بينما منحت اليونان السيطرة على "ليسبوس، خيوس، ساموس، إيكاريا".
أما الزاوية الثانية فترتبط بمعاهدة باريس عام 1947، بعد الحرب العالمية الثانية، وحينها تنازلت إيطاليا عن جزر دوديكانيسيا لليونان. ودعت هاتان المعاهدتان إلى أن تكون الجزر منزوعة السلاح.
ومع ذلك، تقول اليونان مرارا إن وجود قواتها على الجزر يرتبط بـ"ضرورة الدفاع عن النفس"، من زوارق الإنزال المتمركزة على الساحل الغربي التركي.
ويرى الباحث المختص بالشأن السياسي التركي، محمود علوش، أن المستوى الجديد من التصعيد "أكثر خطورة مقارنة بالسابق"، رغم التوترات المزمنة بين أثينا وأنقرة، والخلافات العميقة "عصية الحل".
ولم يعد الأتراك يُشككون علنا بالسيادة اليونانية على جزر بحر إيجه فحسب، بل يعتبرون السيطرة اليونانية عليها "احتلالا".
ويقول الباحث لموقع "الحرة" إن "تراجع حكمة تقدير العواقب وصعود النزعة العدائية المتبادلة والدوافع الداخلية المرتبطة بالتنافس السياسي في كلا البلدين إلى جانب البيئة العالمية المضطربة، كلّها تُشكل مجتمعة وصفة مثالية لتأجيج التوترات".
وعلى عكس العقود الماضية، التي كانت أنقرة وأثينا خلالها قادرتين على إدارة خلافاتهما في بحري إيجه والمتوسط، فإن عملية التسليح اليونانية المستمرة للجزر، و"استدعاء أثينا للوجود العسكري الأميركي"، فضلا عن تصاعد حدة التنافس على الطاقة في شرق المتوسط "تُعطي التوتر أبعادا أخرى"، وفق الباحث.
لكن أستاذ العلوم السياسية في جامعة بان ديو في أثينا، الدكتور عارف عبيد، ينظر إلى ما يحصل بمنحى مختلف عما تحدث به علوش.
ويعتبر عبيد في حديث لموقع "الحرة" أن ما يجري "معركة إعلامية بين اليونان وتركيا فقط. ستنحصر على وسائل الإعلام ولن تتطور إلى صراع عسكري لأسباب كثيرة. منها ما يتعلق بتركيا وأخرى باليونان".
ومن هذه الأسباب أن تركيا منخرطة في سوريا والعراق وإثيوبيا وأذربيجان، وبقوة في الملف الأوكراني، و"لها أولويات"، بينما تحاول التركيز على الاقتصاد والتضخم الذي "لا يسمح لها دخول حرب"، وفق أستاذ العلوم السياسية.
ويضيف: "حزب العدالة والتنمية ليس ضمن أجندته السياسية أن يدخل في حرب شاملة. هذا الحزب يعتمد على الاقتصاد وعلى رفع الإمكانيات الاقتصادية قبل أي شيء. أي حرب تعني فشل الرؤية المستقبلية الاقتصادية".
"ورقة رابحة"
في غضون ذلك، أشار أستاذ العلوم السياسية عارف عبيد، إلى "عامل آخر" من شأنه أن يمنع تحوّل التصعيد إلى "صدام مباشر"، يرتبط بوجود تركيا واليونان في "حلف الناتو".
ويوضح عبيد: "قد يحصل تحرش واصطدام قارب صيد هنا وهناك، لكن الأمور من الصعب أن تصل إلى مستوى الحرب، بسبب الضغوط الأميركية والأوروبية".
وكانت أثينا وأنقرة قد سارتا قبل أكثر من عام بـ"محادثات استكشافية"، وعلى الرغم من "أهمية هذا التطور"، إلا أنهما لم يستقرا على قواسم مشتركة. ومع ذلك اعتبر عبيد أن المحادثات "كانت بإشراف من الناتو، من أجل عدم انزلاق الطرفين لصدام شامل".
من جهته يقول الباحث محمود علوش إنه، وبالنظر إلى العلاقات العسكرية القوية التي أقامتها أثينا مع بعض الدول الغربية في السنوات الأخيرة، فإن "الحماية الغربية التي تحظى بها، تجعلها أكثر جرأة في استفزاز تركيا دون القلق الكافي من العواقب".
وبعد الحرب الروسية الأوكرانية، سعت الدول الغربية إلى "تهدئة" خلافاتها مع تركيا بسبب تزايد قيمتها في الصراع الجيوسياسي بين روسيا والغرب.
وهذا الأمر بات "يُقلق القادة اليونانيين على وجه الخصوص"، وفق علوش، موضحا: "أنّه يجعل الغربيين أقل استعدادا للمخاطرة في تحدي حليف ذي قيمة استراتيجية كبيرة، من أجل حليف آخر لا يمتلك نفس القيمة".
وقد تكون "الحرب أسوأ الخيارات" بالنّظر إلى تكلفتها الكبيرة على الجانبين، لكنّها يُمكن أن تندلع "بسبب خطأ عسكري غير مقصود، أو سوء تقدير لعواقب اللعب في دائرة الخطر".
ويضيف الباحث: "مما يزيد المخاطر أن تركيا مقبلة على انتخابات شديدة الأهمية منتصف العام المقبل، فيما اليونان تسير أيضا باتجاه احتمال إجراء انتخابات مبكرة خلال الأشهر المقبلة".
كما أن كلا البلدين يُعانيان من ضغوط اقتصادية متزايدة من جراء التضخم والاضطرابات الجيوسياسية المحيطة بهما، مما يعني أن "جرعة إضافية من التصعيد قد تخدم أردوغان وميتسوتاكيس انتخابيا، لكنّها في المقابل قد تؤدي إلى نتائج عكسية أيضا".
وذلك ما يشير إليه عبيد، لكن ضمن سياق معاكس، بقوله إن تهديدات إردوغان "لها علاقة بالوضع الداخلي التركي، وتحديدا الوضع الانتخابي. الصراع مع اليونان جزء لا يتجزأ من الحملة الانتخابية، كما هو ملف اللاجئين السوريين".
وكذلك الأمر بالنسبة لليونان، التي من المتوقع أن تشهد انتخابات بعد حوالي 4 أشهر. ويضيف عبيد: "الحزب اليميني الحاكم المدعوم كنسيا يحاول رفع صيغة التوتر كون الأمر ورقة رابحة".
"رسالة على الحدود"
ووفقا لمصادر من وزارة الدفاع التركية، نقلت عنها وسائل إعلام مقربة من الحكومة، الثلاثاء، فقد "انتهكت اليونان المجال الجوي التركي والمياه الإقليمية أكثر من 1100 مرة في الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام وحده".
واشتكت تركيا، حسب وكالة "الأناضول" من "الإجراءات الاستفزازية المتكررة والخطابات من قبل اليونان"، لحلف شمال الأطلسي، بما في ذلك تسليح الجزر القريبة من الشواطئ التركية المنزوعة السلاح.
الكاتب التركي المقرب من الحكومة، حسن بصري يالتشين، اعتبر في مقالة له على صحيفة "صباح"، الثلاثاء، أن "آخر شيء تريده الولايات المتحدة الآن هو مثل هذا الانهيار في حلف الناتو. تفضل واشنطن اليونان التي من شأنها أن تصيب تركيا بالصداع، لكن الولايات المتحدة لديها حدود، لأن هذا سيحول التوازن الأوروبي برمته إلى معركة".
وأوضح الكاتب أنه ولهذا السبب "وجه إردوغان من خلال تهديداته رسالة إلى الناتو والولايات المتحدة. إنه حذر بلغة مألوفة للغاية. هذا هو الهدف من عبارة قد نأتي فجأة ذات ليلة. يقول إن تركيا الآن على الحدود".
من جهته يربط أستاذ العلوم السياسية في جامعة بان ديو بأثينا، عارف عبيد، جزءا من التوتر الحاصل بروسيا، قائلا: "تركيا لها دعم روسي خفي إزاء اليونان، كون الأخيرة أرسلت سلاحا إلى أوكرانيا، وطردت دبلوماسيين، لأول مرة في التاريخ".
واعتبر الأكاديمي أن "الروس يحاولون الضغط عل اليونان من خلال تصريحات إردوغان"، مؤكدا أن "الحدّة الحاصلة ستبقى على وسائل الإعلام إلى أن تنتهي الانتخابات المقبلة في تركيا. لن تتطور الأمور إلى حرب شاملة".
شارك هذا الخبر
بالفيديو: تحطم طائرة عسكرية سودانية في أم درمان ومقتل ضباط كبار
الجيش الإسرائيلي يقول أنه إستهدف عناصر من حزب الله في البقاع
إكتشاف فيروس كورونا جديد في الصين: هل يمثل تهديدًا للبشر؟
بالصورة: نفس موقع وفاة جورج الراسي..حادث مروع يجدد مأساة طريق المصنع
رياض طوق يكشف إسم حاكم مصرف لبنان... ويعلنها: بري وقاسم عملاء وسلاح الحزب حديد عتيق وخردة للبيع
سرقة القرن: لصوص يسطون على مرحاض ذهبي في 5 دقائق
بعد غارة البقاع.. وزارة الصحة تكشف عدد الضحايا
إكتشاف جديد يقلب المفاهيم حول لون المريخ الأحمر
آخر الأخبار
أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني
إشتراك
Contact us on
[email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa