الدّولار... أرحم من التجّار

01/11/2022 07:41AM


كتب قزحيا ساسين في "السياسة": 

في طريقي من الجامعة اللبنانيّة، الحدت، إلى جونيه، خطر لي أن أزور بعض السوبر ماركت، بداعي الفضول لمعرفة الفرق في أسعار السّلع.

وكانت نتيجة الملاحظة والحساب أنّ ما يتعرّض له المواطن اللبنانيّ من سرقة، في السوبر ماركت، يفوق ما يتعرّض له من أذيّة الغلاء الناتج عن ارتفاع سعر صرف الدولار.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، سعر كيس الحليب klim، وزن سبعمئة وخمسين غرامَا، ١٣٥ ألف ليرة في مكان، و١٩٠ ألف ليرة في آخر. وسعر علبة vape، تحتوي على ستّين قرصا، ستّون ألف ليرة في مكان، وثمانون ألف ليرة في آخر، وسعر كيلو جبنة الدوبل كريم ١١٥ ألف ليرة في مكان، والوقيّة ٧٠ ألف ليرة في مكان آخر...

كلّنا نعلم أنّ الغلاء حديث الناس اليوميّ، غير أنّ أسعار السّلع تتفاوت بين محلّ تجاريّ وآخر بشكل غير منطقيّ وغير مقبول، وإذا كانت السلطة لا تستطيع وضع حدّ لجنون الدولار، فماذا يمنعها من حماية الناس، الذين بعد أن يفترسهم الدولار يفترسهم التّجّار مرّة ثانية، وبساديّة أكبر؟

وما يحصل على مستوى الموادّ الغذائيّة يحصل في مختلف القطاعات التجاريّة، وأخطرها الدواء. فمَن يراقب ويحاسب؟ وكيف للنّاس أن يستمرّوا على قيد الحياة وبعض من الكرامة في ظلّ غياب تامّ للسلطة والقانون؟

نحن في غابة، ليس لنا مَن يُعين. ولا شكّ في أنّ أهل المنظومة الفاسدة هم شركاء التجّار الذين يمصّون دمنا صباح مساء. والغريب في الأمر، أنّ القوى السياسيّة الدائمة التنافس على الكراسي والحصص غائبة كلّيّا عن هذا الهمّ، والأرجح أنّها كلّها مستفيدة من هذا الاغتيال الاقتصاديّ الذي نتعرّض له، لأنّها لا تحرّك ساكنا في هذه المسألة.

أُثِيرَت فضائح كثيرة حول تجارة الموت بواسطة الغذاء، ومنها فضيحة فرّوج شومان، وسرعان ما انتهت، وكأنّ شيئا لم يكن. وواضح أنّ التجّار يتغطّون ببطّانيّات أهل السياسة، غير أنّ الناس لا يستطيعون تحمّل إجرام الدولار ومَن وراءه، وإجرام التجّار في الوقت نفسه.

صحيح أنّ الدولة تحتاح عناصر كافية لحماية المستهلك، ولا أحد سيلومها إن خصّصت جهازا بشريّا بهذا الهدف الملحّ، وهي تستطيع فرز جهاز عملاق لهذه المهمّة من موظّفي القطاع العامّ. لكنّ السؤال، هل السلطة تريد؟

إنّ تلطّي التجّار بتَغيُّر سعر صرف الدولار، لسرقة الناس، لا حلّ له إلّا بتسعير السلعة بالدولار، والدفع بحسب سعر الصرف. وليس في هذه المسألة أيّ انتقاص وطنيّ، طالما أنّنا نستورد بالدولار، والموادّ الأوّليّة للتصنيع هي بالدولار أيضا، والبلد تَدَولَر في كلّ المجالات الاقتصاديّة، وفي عدد كبير من الوظائف...

نحن شعب نُنهَب من الفجر إلى النّجر، وباستطاعتنا إيجاد بعض الحلول لمشاكل، هي من حيث المبدأ لا علاقة لها بالسيادة والاستقلال والوضع الإقليميّ والدوليّ. وليس المطلوب سوى حدّ أدنى من الضغط في هذا الاتّجاه، سواء من السلطة، أو من الأحزاب والقوى السياسيّة التي تعلن في خطابها الدائم التزامها بمعاناة الناس.

لا صاحب محطّة محروقات، ولا تاجر، ولا صيدليّ، ولا مُهرِّب... دخل إلى السّجن. كلّ الجرائم عندنا لا يحاسب عليها القانون، والسّجن هو فقط لِمن يمزّق صورة رئيس الجمهوريّة.


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa