التصعيد الروسي في شمال سوريا.. "وساطة" أم استثمار لـ"مصلحة"؟

28/11/2022 09:41PM

مرّ أسبوع على العملية الجوية التي أطلقتها تركيا في شمال سوريا، وفي حين لا تزال ضربات الطائرات مستمرة حتى الآن - رغم انخفاض حدتها- يسود الترقب عما إذا كان الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان سينفذ تهديداته بشن هجوم بري ضد مناطق نفوذ "وحدات حماية الشعب" الكردية. 

وأثار التلويح بهذا الهجوم ردود فعل من جانب الولايات المتحدة من جهة، وروسيا من جهة أخرى، إذ وصل قائد قواتها في سوريا، ألكسندر تشايكو، الأحد، إلى مدينة القامشلي، والتقى قائد "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، مظلوم عبدي، في خطوة وضعت ضمن إطار "الوساطة" من أجل خفض التصعيد. 

وذكرت وسائل إعلام مقربة من النظام السوري، وأخرى من طهران، الاثنين، أن المسؤول الروسي عرض على "قسد" الانسحاب من الحدود السورية-التركية مسافة 30 كيلومترا، على أن يتم إحلال "الجيش السوري" مكانها، في تغيّر ميداني قد يبعد شبح أي عملية عسكرية تركية. 

وقالت صحيفة "الوطن" شبه الرسمية إن "قسد" لم توافق على العرض حتى الآن، وهو الذي يرتبط بشكل أساسي إلى مخرجات اتفاق "سوتشي" الموقع في 2019، بين الرئيسين إردوغان ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين. 

ووصفت "الوطن" الطلب الروسي بأنه "رسالة تركية أخيرة قبل بدء العملية البرية"، نافية توقيع أي اتفاق بين "الحكومة السورية وقسد". 

وكان إردوغان انتقد موسكو في إحدى خطاباته الأسبوع الماضي، بقوله إنها لم تف بتنفيذ بنود الاتفاق الموقّع، وبعد ذلك بأيام أعرب مبعوث بوتين إلى سوريا، ألكسندر لافرنتيف أن تستمع تركيا لدعوة موسكو، بعدم القيام بعمل عسكري بري شمال سوريا. 

واعتبر لافرنتيف أن "إجراء مثل هذه العمليات العسكرية لا تأتي بنتائج وإنما تشجع الإرهاب"، مشيرا من جانب آخر: :من الضروري إقامة حوار بين الأكراد ودمشق، حيث جرت مفاوضات بين الطرفين، وتم وضع خطة، وتأمل روسيا في التواصل ما بينهما". 

ما آخر التطورات؟ 

ورغم انخفاض حدة الضربات التركية على مواقع "قسد" و"الوحدات" في شمال سوريا، إلا أنها لم تتوقف، في وقت كثرت فيه تقارير وسائل الإعلام الحكومية، التي ترجح انطلاق هجوم بري "في أقرب وقت". 

ويتركّز الحديث التركي منذ السبت على أن "العملية المرتقبة" ستستهدف على الخصوص منطقة تل رفعت في ريف حلب الشمالي، ومنبج، وصولا إلى عين العرب (كوباني) الحدودية. 

وذلك ما أشار إليه قائد "قسد"، مظلوم عبدي، بقوله قبل يومين إنه يرجح أن يكون الهجوم البري التركي باتجاه تل رفعت ومنبج وعين العرب، مضيفا أن "حماية المنطقة وظيفة الجيش السوري، ونتطلع إلى التنسيق معا للتصدي للهجمات التركية". 

ومنذ مطلع 2018، وعقب عملية "غصن الزيتون" في عفرين، بقيت القوات الكردية محتفظة بالسيطرة على منطقة تل رفعت والقرى والبلدات في محيطها، ضمن ما يسمى بـ"جيب تل رفعت". 

ويختلف الجيب المذكور على الأرض بطبيعة الأطراف المنتشرة فيه، التي لا تقتصر على القوات الكردية فقط، فإلى جانبها هناك انتشار لقوات الشرطة الروسية وقوات النظام السوري وميليشيات مدعومة من إيران. 

ولطالما هددت أنقرة بالسيطرة على تلك المنطقة "الاستراتيجية"، واعتبرتها تهديدا لأمنها القومي والمناطق التي تديرها جنوبي حدودها. لكنها، ومع ذلك، لم تتمكن من تحقيق هذا الهدف، لاعتبارات تتعلق بالاتفاقيات المبرمة مع موسكو. 

وكذلك الأمر بالنسبة لعين العرب (كوباني) التي يحكمها اتفاق سوتشي الموقع في 2019 بعد عملية "نبع السلام"، إضافة إلى منبج التي تنتشر فيها نقاط عسكرية للنظام السوري وروسيا. 

ماذا تريد موسكو؟ 

ولطالما كانت موسكو حاضرة مع كل تلويح أو تصعيد تركي اتجاه المناطق الخاضعة لسيطرة "قسد"، وهو ما بدا عقب عملية "نبع السلام"، وصولا إلى التهديدات التي أطلقها إردوغان على التوالي خلال العامين الماضيين. 

ويبرز الدور الروسي بالتواصل والاجتماع مع "قسد" من جهة، ومع الجانب التركي من جهة أخرى، بحكم العلاقة المتقاطعة في ملفات عدة، على رأسها الملف السوري. 

الرئيس المشارك لـ"مجلس سوريا الديمقراطية" (الذراع السياسي لقسد)، رياض درار قال إن موسكو "تضغط باستمرار من أجل الاستفادة من الصراع"، في إشارة منه للتصعيد الحاصل على الحدود الشمالية لسوريا. 

ويضيف في حديث لموقع "الحرة": "يعلم الجميع أنها تنسق مع تركيا في مسار أستانة، ومع الإيراني أيضا. هدفها الأول إعادة النظام إلى المناطق خارج سيطرته، وإن كان ذلك بشكل متسلسل. بمعنى عملية قضم جزئي ومرة بعد مرة". 

واعتبر درار أن روسيا تحاول لعب دور في شمال وشرق سوريا كذاك الذي فرضته في عام 2018 بالجنوب السوري، من خلال "عقد سلسلة اتفاقيات تكون فيها الضامن، فيما سيستفيد الجيش السوري بالدخول إلى مناطق أوسع". 

"ربما تفكر أيضا بإنشاء قوة مثل الفيلق الخامس. هذا هو الشيء الواضح مبدئيا، ويريد الروسي أيضا إدخال شركاته للاستثمار بالنفط"، كما ذكر مسؤول الجناح السياسي لـ"قسد". 

وفي نوفمبر 2021 كانت تركيا قد صعدت تهديداتها بشن هجوم ضد "قسد"، وما كان من روسيا إلا تقديم عرض تضمن إدخال ثلاثة آلاف مقاتل من قوات الأسد إلى مدينة عين العرب/ كوباني. 

وذلك ما قوبل بالرفض، حسب حديث الرئيسة المشتركة لـ"مجلس سوريا الديمقراطية" (مسد)، إلهام أحمد، في ندوة حوارية حينها، موضحة أن سببب الرفض هو "منع سيناريو درعا في كوباني". 

بدوره يقول المحلل السياسي المقيم في موسكو، رامي الشاعر، إن "الاتصالات عن طريق القنوات العسكرية والدبلوماسية بين روسيا وقسد مستمرة منذ سنوات، ولم تتوقف". 

وبينما يستبعد الشاعر إقدام تركيا على شن هجوم بري، يقول لموقع "الحرة": "روسيا تتفهم ردة الفعل التركية وقصف مواقع محددة على الأراضي السورية والخارجة عن سيطرة النظام في دمشق، والتي تتوفر معلومات استطلاعية لدى أنقرة تؤكد تواجد إرهابيين فيها، وتستخدم من قبلهم". 

ويضيف المحلل السياسي: "ليس صحيحا استخدام مصطلح: فشلت المحادثات بين العسكريين الروس وممثلي قسد، لأن ممثلي روسيا لا يمكن أن يبادروا بخطوات أو مباحثات يمكن أن تفشل"، وفق تعبيره. 

كما أشار الشاعر إلى أن "روسيا اليوم تقوم بجهود الوساطة لتخفيف التصعيد والتوتر وإقناع الأكراد وسلطات دمشق، للتوصل إلى صيغة معينة للتنسيق بخصوص مهام ووضع القوات المسلحة الكردية، في مناطق تواجدهم على الأراضي السورية". 

ما هو موقف "قسد"؟ 

في غضون ذلك يعتقد الرئيس المشارك لـ"قسد"، رياض درار، أن "الأمر صعب جدا بالنسبة للنفط وحتى بما يخص النقاط الأخرى"، في تعليقه على إمكانية القبول بالمطالب الروسية التي تطرحها موسكو، كسبيل لخفض التصعيد. 

ويقول: "هناك مواقف متباعدة بين قسد وروسيا، بسبب الطريقة الاستفزازية التي تدار بها المحادثات من قبل الأخيرة". 

ومع ذلك يضيف: "في المحصّلة فإن المصلحة من أجل وقف القتال يمكن أن تصب في شيء من المقاربات. هذه المقاربات لن تنجح إلا بموافقة أميركية لأنها أكثر قربا من قسد". 

"واشنطن يهمها أمن الطاقة ولا تريد أن يستفيد منها أحد، وخاصة إيران والنظام"، وفق ما أشار درار في حديثه المتعلق بالطلب الروسي الخاص بدخول الشركات لاستثمار آبار النفط في شرقي البلاد. 

واعتبر من جانب آخر أن "موسكو لها مطالب من تركيا أيضا، ولذلك هم مختلفون حتى الآن على إعطاء الضوء الأخضر للدخول في عملية عسكرية برية". 

ويوضح: "موسكو لها مطالب في شمال غرب البلاد وبالتالي لا يمكن القبول بأي تدخل تركي إلا في حال تلبية هذه المطالب. على الأقل في طريق الإم فور ومناطق جنوب إدلب". 

"القصة بعد 2019"  

في أواخر عام 2019 شنت تركيا عملية عسكرية حملت اسم "نبع السلام" في مناطق شمال وشرق سوريا، لتكون الأولى من نوعها في تلك المناطق الخاضعة لسيطرة "قسد".  

وفي ذلك الوقت سيطر الجيش التركي، وتحالف "الجيش الوطني السوري" الذي تدعمه أنقرة، على مساحة واسعة على طول الشريط الحدودي، بدءا من تل أبيض بريف محافظة الرقة، ووصولا إلى مدينة رأس العين في ريف محافظة الحسكة، وبعمق يقدر بـ30 كيلومترا، حتى محاذاة الطريق الدولي المعروف باسم "M4".  

وبينما كادت تركيا أن تتوسع أكثر، سواء باتجاه الشرق أو الغرب نحو مدينة "عين العرب" (كوباني) أعلنت تعليقها "نبع السلام"، بعد "محادثات هدنة" أجرتها مع الولايات المتحدة الأميركية.  

ووصل مايك بنس، نائب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلى العاصمة أنقرة آنذاك، وأعلن عقب اجتماع مع المسؤولين الأتراك التوصل إلى "اتفاق وقف إطلاق نار"، وهو ما رد عليه وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو بالقول إنه "تعليق" و"ليس وقفا لإطلاق النار".  

ودار الحديث عن الهدنة التي تحددت بـ120 ساعة على أنها ستحقق هدفين رئيسيين، هما سيطرة تركيا على شريط من الأراضي السورية بعمق يتجاوز 30 كيلومترا، وطرد "وحدات حماية الشعب" (العماد العسكري لقسد) من المناطق الحدودية.  

أين كانت روسيا؟  

أيام قليلة فصلت الإعلان التركي الأميركي والهدنة المحددة بالساعات، حتى أعلن الرئيسان التركي والروسي إردوغان وبوتين عن اتفاق من مدينة سوتشي الواقعة على البحر الأسود.  

ووصف إردوغان ذلك الاتفاق بـ"التاريخي"، ونص على احتفاظ تركيا بالسيطرة على منطقة بعمق 32 كيلومترا في سوريا، استولت عليها خلال عملية "نبع السلام".  

وجاء فيه أن "الشرطة العسكرية الروسية وحرس الحدود السوري سيعملان على تسهيل إزالة المقاتلين الأكراد مع أسلحتهم، من منطقة بعمق 30 كيلومترا على طول الحدود التركية السورية".  

وبالفعل دخلت عناصر من الشرطة العسكرية الروسية إلى مناطق سيطرة "الوحدات" على الحدود مع تركيا، خاصة مدينة عين العرب (كوباني)، وانتشر إلى جانبهم أيضا عناصر من "حرس الحدود" التابع لقوات النظام السوري.  

وبعد ذلك شرعت القوات التركية والروسية بتسيير دوريات مشتركة على طول المناطق الحدودية، بينما قال مسؤولون أكراد لوسائل إعلام أجنبية إنهم "امتثلوا للاتفاق".  

أما في أنقرة فقد أعلنت وزارة الدفاع التركية أنه "لا حاجة" لاستئناف العملية العسكرية ضدّ المقاتلين الأكراد في شمال شرق سوريا بعد انتهاء الهدنة، مشيرة إلى أنّ الولايات المتّحدة أبلغتها بأنّ انسحاب القوات الكردية من المناطق الحدودية قد "أنجز"، مضيفة: "في هذه المرحلة، ليست هناك حاجة لتنفيذ عملية جديدة".  

ومنذ أواخر عام 2019 أجرت القوات الروسية والتركية دوريات مشتركة عدة على طول الحدود الشمالية لسوريا، لكن التفاصيل التي نص عليها الاتفاق المذكور سابقا تغيرت بجزئيات عدة.  

واتهمت أنقرة مرارا "الوحدات" الكردية بتنفيذ هجمات ضد قواتها، داخل وخارج الحدود، وهو ما نفته الأخيرة في أوقات متفرقة. 

وبينما استمر هذا التصعيد، مع الإشكالية المتعلقة ببنود "سوتشي 2019" جاء تفجير إسطنبول الأخير ليعيد التهديد بعملية خامسة إلى الواجهة من جديد. 

وقد اتهمت أنقرة "وحدات حماية الشعب" و"حزب العمال الكردستاني"، المصنف على قوائم الإرهاب، بالوقوف وراء الهجوم الدموي، فيما نفى الطرفان أي مسؤولية لهما فيه، بينما قال وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو إن "أمر التفجير جاء من كوباني ومنبج"، وفق تعبيره. 


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa