هل انتهت المدرسة الرسميّة؟

12/02/2023 04:08PM

كتب قزحيا ساسين في "السياسة": 

كلّ العيون تنظر اليوم دامعة إلى مدرسة الفقراء، المدرسة الرّسميّة، بعدما أثبتت حكومة الرّئيس ميقاتي أنّ هذه المدرسة لا داعي لها، الأمر الذي لا يدعو إلى المفاجأة لأنّ ميقاتي ووزراءه ومَن لهم من أولاد لم يعرفوا ماذا تعني مدرسة الدولة لِلّذين لا يملكون ثمن عروس الزعتر لأولادهم، وقد تذهب السكتة القلبيّة بهم، إن تيقّنوا أنّ كتاب أولادهم مات هذا العام، في حين أنّ كتاب أولاد مَن استطاع أهلهم إرسالهم إلى المدرسة الخاصّة، لا يزال حيًّا يُرزَق عِلمًا ونُورًا.

لم يستطع المعلّمون ولا وزير التربية إقناع ميقاتي بإبقاء بوّابات المدارس الرسميّة مفتوحة. وما الجلسة الحكوميّة الأخيرة إلّا إعلان واضح عن تخلّي الدولة عن كلّ قطاعاتها، وأتى القطاع التربويّ أوّلا. غير أنّ العجب هو في مجاراة الوزير الحلبي لرئيسه، وقبوله بنتائج ماليّة ليس فيها ما يقنع معلّما بالذهاب إلى عمله. وكان الأجدر به أن يقف إلى جانب المعلّمين في إضرابهم بعد الجلسة الحكوميّة المهينة، ويعترف بأنّهم غير قادرين على الاستمرار في التعليم على جوع وحاجة وذلّ، بدل أن يدعوهم إلى فكّ الإضراب، محاولًا التذاكي عليهم بالأرقام التي لم تتغيّر، لأسباب كثيرة، أوّلُها أنّ الحلبي لم يحلب صافيًا مع المعلّمين، وكأنّه قام بما قام به في مجلس الوزراء على سبيل رفع العتب، لا بنيّة إنقاذ المعلّمين والعام الدراسيّ.

لم تستطع الأحزاب إعطاء الحلبي القوّة اللازمة من خلال جماعاتها في التمثيل النقابيّ لضرب الصوت الاعتراضيّ المُطالب بلا مساومة. ولم يتمكّن هو من إرغام المعلّمين على الاستسلام لدعوته بواسطة الملاحقات من خلال إدارات المدارس والاستعانة بالقانون لتربية المتمرّدين. كما أنّ ما في جيب الحلبي من عملة صعبة أو سهلة لا يفي بالمطلوب. ما يعني أنّ الاحتمالات كلّها تقود في اتّجاه استمرار الإضراب، الذي أصبح على مشارف إطاحته بالامتحانات الرسميّة. وهذا ما يدعو إلى التفكير مليّا: هل يجوز في دولة واحدة أن يتعلّم تلميذ ويُحرَم آخَر التعلُّم؟ أليس من الملحّ إيجاد الحدّ الأدنى من العدل بين التعليم الرسميّ والتعليم الخاصّ؟

وهذا الحدّ الأدنى لن يكون إلّا بمساعدة الدولة لمعلّميها، لأنّ إيقاف العام الدراسيّ في المدرسة الخاصّة ليس حلًّا، وفيه كثير من الظلم أيضا. وفي الوقت نفسه سيكون ظلم تربويّ لا يُوصَف بخسارة تلاميذ المدرسة الرسميّة سنة دراسيّة.

بكلّ بساطة، ينتظر الحلبي من المعلّمين التجاوب مع عرضه الذي لم يحمل جديدا، ويستثني المدارس ذات المباني المتصدّعة، المعرّضة للانهيار، بينما يغضّ النظر عن سلامة المعلّمين وهم المُنهارون الذين لا يحتاجون كشفًا وتقريرا.

وفي المحصّلة: المدرسة الرسميّة مقفلة، الوقت المتبقّي وإن عولجت الأمور لا يكفي لإنجاز البرنامج التربويّ، المحروقات وكلفة المعيشة تأكل أيّ زيادة بالليرة، الدولار غير متوفّر، الامتحانات الرسميّة على طريق الإلغاء...

فهل هذا هو المطلوب؟ وهل علينا أن نصدّق أنّ الحكومة والأحزاب والمرجعيّات الدينيّة لا تستطيع الضغط والعمل مجتمعة على إيجاد حلّ ليربح أولادنا سنتهم الدراسيّة وتبقى المدرسة الرسميّة على قيد الحياة؟


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa