لبنان «ارتجف» مع زلزال هاتاي في ليلة الذعر الكبير

22/02/2023 07:29AM

جاء في الراي الكويتية:

- شوارع امتلأت بالناس والسيارات وبالبكاء والصراخ والأدعية

- إشاعات و«شعوذات» غذّت حال الهلع

- صور انحسار البحر بمناطق لبنانية و«الأضواء الزلزالية» أثارت الرعب

لم يكن ينقص اللبنانيين إلا الزلازل لتكتمل حلقاتُ الذعر الذي يقبض على أنفاسهم وهم يرصدون الانهيارات المتوالية في واقعهم المالي والنقدي والمعيشي والتي جاءت على «صَدَعٍ» سياسي يتحرّك منذ 2005 وموصول بـ «فوالق» المنطقة والصراع الاقليمي الكبير.

ومنذ السادس من فبراير، تاريخ «زلزال القرن» في تركيا وسورية، تحوّل لبنان «صندوقة رعب»، هو الذي اهتزّ ذاك الفجر الأسود الذي خلّف وراءه تسونامي دم ودمار لم تنتهِ ارتداداته بعد.

وجاء زلزال مساء الاثنين في هاتاي بقوة 6.4 درجات على مقياس ريختر ليوقظ مَخاوف لم تسترح أساساً من كارثةٍ تكمل «لعنةً» تصيب «بلاد الأرز» (منذ نحو 4 أعوام) التي لم تبلسم بعد كل جِراح «زلزال الأمونيوم» الذي ضربها في 4 اغسطس 2020 وحوّل العاصمةَ التي دُمر نصفها «محرقة» قضى فيها نحو 230 شخصاً وجُرح ما لا يقل عن 6500 آخَرين.

وشكّل «دفقُ» الإشاعات عبر مواقع التواصل، وتضخيم ظواهر مثل الجَزْر، و«التحرياتُ» الافتراضية عن «أضواء زلزالية» في تركيا ومصر، عوامل أجّجتْ حال الذعر التي أَطْبَقَتْ على كل لبنان، من دون أن تنجح في الحدّ منها إطلالاتٌ لخبراء بعضها أدى «مفعولاً عكسياً» بعدما لم تحمل «الخبر اليقين» عن أن «بلاد الأرز» في مأمن «أكيد» من زلزالٍ مدمّر تستجرّه الحركة الزلزالية التي لم تهدأ في تركيا، فيما زادت الطين بلة تحليلات وادعاءات أقرب الى «الشعوذات» من «صيادي المآسي» على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقبل وقوع زلزال مساء الإثنين، كانت بدأت تنتشر صور عن تراجع للبحر في بعض مناطق الشاطئ اللبناني، في منطقة عدلون الجنوبية ومنطقة عمشيت الشمالية، وهي ظاهرة أثارت القلق ولا سيما بعد ترافقها مع أخبار مماثلة من مصر وتونس وفلسطين وليبيا ما جعل الكثيرون يخشون أن أمراً ما سيحدث وقد يكون تسونامي يجتاح سواحل لبنان او حتى مناطق مختلفة من البحر المتوسط.

وبعد انتشار هذه الصور وموجة القلق التي أثارتْها، أصدر مركز علوم البحار ومركز البحوث العلمية بياناً تطمينياً أكد فيه «أن التراجع في البحر حالة طبيعية تتعلق بالمد والجزر الطبيعيين للبحر وتتأثر بحركة الكواكب ولا سيما وضعية القمر وبالتالي لا داعي للخوف»، وهو ما لاقاه بحارة عالمون بشؤون «الأزرق الكبير» اعتبروا أن التراجع طبيعي في مثل هذا الوقت من السنة وأن هذه الحركة تبلغ أوجها بين شهري فبراير ومارس عادة، لكنها بدت واضحة أكثر للعيان بسبب صفاء الجو بعد العاصفة التي ضربت لبنان. أما التسونامي فقد أكد مركز علوم البحار أنه لا يحصل إلا إذا حدث زلزال في عمق البحر وهذا الأمر لم تشهده «بلاد الأرز» والمناطق القريبة منها.

لكن رغم هذه التأكيدات، بقيت نظرات اللبنانيين تتنقل بخوف بين شاطئ البحر والثريات المعلّقة وسط السقوف، وبين سعر الدولار المستعر صعوداً والأموال «المخطوفة» في المصارف... وكأن المَخاوف المحلية لم تَكْفِهم لتأتي توقعاتُ العالِم الهولندي فرانك هوغربيتس وتصبّ «الزيتَ على النار»، هو الذي «ضرب موعداً» للزلزال الأول وأطلق يوم التاسع عشر من فبراير تغريدةً حذّر فيها من نشاط زلزالي متوقَّع بين 20 و 22 الجاري ويبلغ ذروتَه في الثاني والعشرين منه. لكن الزلزال سَبَقَه بقليل وانفجر مساء الإثنين تارِكاً اللبنانيين وغيرهم من شعوب المنطقة مذهولين من هذه التوقعات.

وبهذا ازداد هَمٌّ جديد الى هموم الشعب المنكوب يتمثّل في متابعة تغريدات العالِم الهولندي والدخول الى موقعه الإلكتروني لمعرفة أخبار الجيولوجيا التي يربطها بحركة الكواكب ولا سيما أنه حذّر من حدوث زلزال يصيب لبنان ومصر أيضاً «ربما خلال أسبوع أو 10 سنوات فلا أحد يمكنه الجزم».

وإذا كان المؤمن لا يُلدغ من الجحر مرتين فإن اللبنانيين الذين أخذهم الزلزال الأول على حين غفلة وهم نائمون حيث أنه حدث فجراً، فإنهم عند وقوع الزلزال الثاني مساء الاثنين كانوا لا يزالون في بداية أمسيتهم قرابة السابعة وخمس دقائق بالتوقيت المحلي. وكلهم شعروا بالهزّة وبأن الأرض تترنح تحت أقدامهم سواء في السواحل أو الجبال وفي الجنوب كما في الشمال، وإن كانت الهزة جاءت أكثر حدة في مناطق لبنان الشمالي القربية من مركز الزلزال في مقاطعة هاتاي جنوب تركيا.

وهذه المرة لم يتردد المواطنون في الهروب من منازلهم والالتجاء الى الشوارع والساحات خوفاً من انهيار المباني فوق رؤوسهم... حَمَلوا أطفالهم و«حقيبة الطوارئ» التي باتت جاهزة في كل بيت وركضوا نحو الخارج. وبلحظةٍ امتلأت الشوارع بالناس والسيارات وبالبكاء والصراخ والأدعية، وانشغلتْ خطوطُ الهاتف باتصالات الاطمئنان والاستفسار بين الأهل.

وفي مدينة طرابلس الشمالية كان الأمر أشدّ قسوة. فهناك، الكثافة السكانية عالية، وعدد كبير من المباني القديمة متصدّع وآيل للسقوط على طريقة «لا تهزّو واقِف عَ شوار»، وهو خطر مزمن يرزح تحت عبئه أشد أهل طرابلس فقراً.

في عاصمة الشمال، بدأت العيارات النارية تُطلق في الشوارع تحذيراً للمواطنين ولدعوتهم لإخلاء بيوتهم، حيث توجهت أعداد كبيرة منهم الى معرض رشيد كرامي الدولي الخالي من المباني. وما هي إلا دقائق حتى بدأت تظهر صور لتصدّعات حدثت في مبان عدة في منطقة دير عمار القريبة من طرابلس ما زاد من مخاوف السكان ودعاهم لمبيت ليلتهم في العراء.

إجراءاتُ إخلاء المباني التي اتّخذها السكان في مناطق عدة من لبنان، لم تمنع تَزايُد حال الهلع ولا سيما بعد تحذير السلطات التركية لمواطنيها من إمكان حدوث موجة تسونامي إثر الزلزال. فصار كل مَن كانوا قريبين من الشواطئ يبحثون عن ملاذ آخَر أكثر آماناً. وازدادت المَخاوف مع حدوث زلزال ثالث أو هزة ارتدادية ضربت منطقة السويدية الساحلية الواقعة جنوب إنطاكيا وارتفع معها منسوب مياه البحر بنحو خمسين سنتيمراً وفق ما أفاد مركز «أفاد» التركي. لكن حتى تَراجُع السلطات التركية عن التحذير من موجة تسونامي لم يُلْغِ وضعية الترقب التي عاشها لبنان وخصوصاً مع شعور المواطنين بهَزّات أرضية خفيفة ما عادوا يدركون حقاً إذا كانت تجري على أرض الواقع أم في مخيّلاتهم الملتهبة وأجسادهم المُنْهَكة.

في منطقة النبعة (ساحل المتن) القريبة من بيروت، كما في الضاحية الجنوبية، خرج المواطنون الى الشوارع خوفاً من تداعي المباني عليهم. فهاتان المنطقتان شهدتا حروباً كثيرة على مدى خمسة عقود وغالبية مبانيهما تلقّت قذائف وانفجارات وصارت أساساتها ضعيفة متخلخلة لا تحتمل هَزات قوية، وهي التي بالكاد «نجت» من انفجار مرفأ بيروت وما عادت لها قدرة على الصمود في وجه الهَزات التي تصيب البلد المنهار أصلاً.

المركز الوطني للجيوفيزياء التابع للمجلس الوطني للبحوث العلمية أصدر بياناً ليل الاثنين أوضح فيه «أن من الطبيعي حدوث هزات ارتدادية بعد الهزة التي سُجلت في السابعة والدقيقة الرابعة مساء الإثنين في 20 فبراير ولكن ليس هناك خطر من أمواج تسونامي في لبنان بحسب نظام الإنذار المبكر من التسونامي في البحر المتوسط».

كذلك أشار المتخصص في الزلازل الخبير طوني نمر الذي صار اللبنانيون ينتظرون إطلالاته التلفزيونية ليستمدّوا منه معلومات مُطَمْئنة إلى «أن لبنان يقع في منطقة زلزالية وعلينا تقبُّل الفكرة لكن يجب أن نهدأ لأن مركز الزلزال بعيد عن لبنان». أما المهندس ميشال فرام مدير عام مؤسسة الأبحاث العلمية الزراعية فكذّب كل الأخبار المتداولة حول إمكان حدوث تسونامي قائلاً: «لا يتوجب الخوف من زلزال كبير لأن لبنان لا يعيش حالياً في مرحلة زلازل، إنما بمرحلة هَزات اعتيادية ولا داعي للخوف من أخبار زلزال مدمّر او تسونامي كاسح»، مؤكداً «أن كل الأخبار التي تربط حركة الكواكب بالزلازل والهزات ليست علمية أو دقيقة إذ لا علاقة لِما يحدث فوق قشرة الأرض بما يحدث تحتها».

وما كادت النفوس تهدأ قليلاً وتسرق العيونُ غفوةً حتى شعر السكان في بعض مناطق لبنان ولا سيما السواحل وسلسلة الجبال الغربية بهزة أخرى في تمام الساعة 4 و23 دقيقة فجراً، ما جعل النوم يطير من عيونهم مرة ثانية، ليعلن المركز الوطني للجيوفيزياء عبر تطبيق «Lebquake» أن الهزة وقعت «قبالة شواطئ جنوب لبنان، تبعد 64 كيلومتراً عن صيدا، وقوّتها 4 درجات على مقياس»ريختر".

وكان وزير التربية اللبناني عباس الحلبي أصدر قراراً بإقفال المدارس الرسمية والخاصة والمعاهد والجامعات إثر هزة الاثنين وتخوفاً ربما من حال فوضى أو هلع قد تصيب الطلاب وأهلهم في حال حدوث هزات مرتدة جديدة. لكن القرارَ أَحْدَثَ بلبلةً في النفوس ولم يؤدِ الغاية المطلوبة منه، وهي الكشف عن المباني المدرسية والجامعية للتأكد من قدرتها على الصمود في وجه الهزات، كما أثار قلق الأهالي من ترك أبنائهم وحيدين في البيت وهم مجبَرون على الذهاب الى أعمالهم كالعادة.

وكان لبنان عقد في 2018 مؤتمراً حول «معالجة آثار الزلازل والوقاية منها» بالتعاون مع «الجمعية اللبنانية للتخفيف من أخطار الزلازل» وخرج بمقرارات حول التدابير المعتمَدة لأجل الحماية من الزلازل والتخفيف من أخطارها، قبل وأثناء الزلزال وبعده، من قبل الأجهزة الرسمية، من المركز الوطني للجيوفيزياء في بحنس الى المديرية العامة للدفاع المدني وهيئة إدارة الكوارث لدى مجلس الوزراء. وأشار يومها المهندس راشد سركيس نائب رئيس الجمعية اللبنانية، الى دور الهندسة الجيوتقنية في الحماية من الزلازل «وضرورة التزام أعلى درجات الامان عبر اعتماد المعايير الملزمة في السلامة العامة».

وقال سركيس ما يقوله كل لبناني اليوم: «لا نستطيع بالعلم وقف الهزة الأرضية، إلا أننا نستطيع اتخاذ التدابير التي تحمي وتخفف من الآثار، فالبناء قد يتهاوى ونضطر الى هدمه بعد الزلزال، لكن يجب أن نحرص على تفادي الخسائر البشرية التي لا تعوّضها أي تدابير لاحقة... وهي ليست مستحيلة انما سهلة المنال اذا عرفنا كيف نصرف عليها القليل من المال».

فهل تبنّتْ الدولةُ اللبنانية هذه التوصيات أم أن الانهيار الشامل الحاصل في البلد وَضَعَ على الرف كل الخطط وتَرَكَ لبنان وبعض مبانيه وأهله فريسة للهزات والرعب المرافق لها؟ علماً أن الحكومة المستقيلة أعطت إشاراتٍ لتعاملها بجدية أكبر مع خطر الزلازل، حيث عُقد اجتماع بعد ظهر الاثنين في السرايا للجنة تنسيق عمليات مواجهة الكوارث والأزمات الوطنية في اطار تنسيق الجهود وحشدها للاستجابة للكوارث الزلزالية.

ومعلوم أن لبنان يقع على تَلاقي الصفيحتين العربية والافريقية. وقد اقترن اسم بيروت منذ العهد الفينيقي بزلازل هدمت العاصمة مرات عديدة. وخلال القرن الماضي وحده، أصاب لبنان زلزالان كبيران، الأول عام 1918 والثاني عام 1956. وفي حال حصول زلزال أو أمواج تسونامي فلا شك أن ذلك سيسبب كارثة لا سيما مع ازدياد الكثافة السكانية في المدن اللبنانية الساحلية من صور الى طرابلس.


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa