.. كل فترة أرقام حمّالة أوجه تَرْفع منسوبَ التوتر السياسي! عدد المسيحيين في لبنان.. رقم سرّي!

27/02/2023 06:37AM

كتبت صحيفة "الراي الكويتية":

تُطْلقُ وزارة الداخلية كل عام القوائمَ الانتخابية، أي أسماء اللبنانيين الذين بَلَغوا السنّ القانونية للاقتراع في الانتخابات البلدية والنيابية. تُصحّح هذه اللوائح بعد تدقيقِ اللبنانيين بأسمائهم المنشورة عبر الموقع الالكتروني، لتصبح رسميةً ومعروفة باسم قوائم الناخبين.

وتشكّل هذه القوائم اللبنةَ الأساسية التي يمكن الاستنادُ إليها جدياً حول عدد اللبنانيين وتَوَزُّعِهم على المَذاهب والطوائف. وهي التي تكوّن القاعدةَ العلمية التي ينطلق منها الباحثون الانتخابيون في قراءة أرقام ونتائج الانتخابات النيابية وتصويت الناخبين.

ولأن الأرقامَ رسميةٌ وصادرة عن وزارة الداخلية، وفي غياب أي إحصاء رسمي لعدد سكان لبنان، يتحوّل الرقمُ الذي تعتمده الوزارةُ المرجعَ الموثوق الذي يمكن على أساسه الكلام عن نِسَب المسيحيين والمسلمين.

وفق قوائم الناخبين لعام 2022 التي اعتُمدت في الانتخابات النيابية (في مايو الماضي) يَتَبَيَّنَ أن نسبة المسيحيين هي 34.42 في المئة من عدد سكان لبنان (فوق 21 سنة). وهذه هي النسبة الرسمية، وما عدا ذلك هو رقم مشكوك في صحته تماماً.

لا شك في أن السجالَ الذي دار بعد حلقةٍ تلفزيونية أطلّ فيها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وسئل فيها عن تقريرٍ حول نسبة المسيحيين في لبنان وأنها تبلغ 19 في المئة، أثارت ردوداً سياسية وأيضاً من بكركي والمؤسسة المارونية للانتشار رافضةً التداول بأعداد مغلوطة، وسط توضيحاتٍ من باحثين ومن مَراكز وجِهات مختصة تعمل دورياً على درس الأعداد الصادرة عن وزارة الداخلية لنفي الرقم الذي قيل عن نسبة الـ 19 في المئة.

لكن السجال في خلفيته ليس سجالاً عِلْمياً، بقدر ما أنه سياسي يُخْفي في طياته الخوفَ الدائم من استخدام سلاح العدد في التوازن القائم سياسياً بين المسيحيين والمسلمين كما ينص الدستور اللبناني.

ليست المرة الأولى يثار فيها نقاشٌ حول عدد المسيحيين في لبنان وانخفاض نسبتهم، وهو أمرٌ تعترف به المؤسساتُ الكَنَسية ومَراكز الأبحاث التي تعمل على تظهير هذه النِسَب وتَوَزُّعِ المسيحيين في لبنان. وهي ليست المرة الأولى كذلك يتم فيها تَناوُل أسباب انحفاض عدد المسيحيين من زاويةٍ سياسية بحتة. لكن هناك منحى دائم لخفْض نِسَب الوجود المسيحي كما تخفيف أهمية الأسباب التي أدت الى تَقَلُّص أعداد المسيحيين، ليس بسبب الهجرة فحسب، وهو أمر تعانيه كافة المجتمعات المسيحية في دول الشرق الأوسط وَسبَقَ للفاتيكان والمرجعيات الدينية في المنطقة أن حذرت منه. لكن في لبنان أسباباً أخرى سياسية وأمنية واجتماعية تضاف إلى كل العوامل التي يتساوى فيها المسيحيون في منطقةٍ ينخفض فيها وجودُهم تدريجاً.

كرّس اتفاق الطائف المناصفةَ بين المسيحيين والمسلمين، ولا سيما في الوظائف الأولى، في وقتٍ حافَظَ لبنان عُرْفاً على التوزّع الطائفي والمذهبي للرئاسات الثلاث كما وظائف الفئة الأولى ومناصب أساسية في المؤسسات العامة. لكن بعد سوء استخدام اتفاق الطائف وتَعَرُّض القيادات المسيحية إما للسجن أو النفي، وما لَحِقَ بالقاعدة المسيحية من اضطهادٍ، تَبَدَّلَتْ الكثيرُ من المعطيات المتعلّقة بالوجود المسيحي في لبنان، وهذا له تبريرات علمية وسياسية معاً.

انطلقتْ أولى مقاربات عدد المسيحيين في تصريحٍ لرئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري في إشارة طَمْأَنَةٍ لبكركي بعبارة «أوقفنا العدّ» التي عاد وكرّرها الرئيس سعد الحريري، بمعنى الالتزام بالمناصفة بحسب الدستور بغض النظر عن الأعداد. لكن العبارة في ذاتها اعتُبرت مسيحياً أنها إشارة إلى أن العدد في تَناقُصٍ، الأمر الذي يتحوّل عند أي احتدامٍ سياسي إلى التذكير به. وهو الأمر الذي أَوْجَدَ سجالاً بين الحريري الابن والوزير السابق سليم جريصاتي إبان عهد الرئيس ميشال عون (في 2021 ) الذي ردّ على الحريري، الذي كان يتحدّث في إطار تَمَسُّكِه بالمناصفة، «أن ضمانةً من هذا النوع هي من الميثاق والدستور، أي من الصيغة التي وُجدت جذورها سنة 1920 عند إنشاء لبنان الكبير، وتَكَرَّسَتْ في دستور 1926 وبعد الاستقلال عام 1943 وفي اتفاق الطائف الذي نصّ على المناصفة. وليس لأحد أن يمنّن النصارى بأنه ضمانتهم، وضمانة وجودهم ودورهم».

في المقابل، مع تنامي دور «حزب الله» في المعادلة السياسية بعد عام 2005، طُرح مجدداً عدد المسيحيين في لبنان من زاوية طرح المثالثة في الحُكْم، أي بمعنى إعادة توزيع الحُكْم ليس مناصفةً بين المسيحيين والمسلمين إنما من خلال تَقاسُم الحصص بين المسيحيين والسنّة والشيعة، وبهذا إشارة إلى صعود القوة الشيعية وتقزيم الدور المسيحي الى الثلث في معادلةِ المسلمين والمسيحيين.

نفى «حزب الله» مراراً أن يكون يهدف إلى المثالثة وتعديل اتفاق الطائف، لكن واقعَ الحال أن القوة الشيعية فرضت إيقاعَها على الحياة السياسية. وما المشكلة التي أثارتْها وتَمَسُّكُها بالتوقيع الشيعي على المراسيم أي توقيع وزير المال، إلى جانب توقيعيْ رئيس الجمهورية الماروني ورئيس الحكومة السني، وحصْر وزارة المال بالشيعة، سوى أحد نماذج المثالثة بطريقة مقنَّعة.

لكن المعضلةَ الأساسية تبقى قائمةً في أن انخفاض عدد المسيحيين أمرٌ مثبت في بلدٍ كانوا يشكّلون فيه الأكثرية عند تأسيس لبنان الكبير عام 1920. ولهذا الانخفاض أسباب موضوعية توافرتْ على مدى سنوات الحرب وما بعدها. لكن مقاربة هذا الملف لا تزال غير عِلْمية، نتيجة ارتفاع مستوى الحساسيات بين المكوّنات اللبنانية. ولذلك يتحول أي كلام عن أرقام وأعداد هذه المكوّنات مُناسَبَةً لزيادة منسوب التوتر ومراجعة العلاقات الداخلية، حتى لو أقرّ الجميعُ بخطأ الأرقام المُتداوَلة.


المصدر : الراي الكويتية

شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa