الحرب على أوكرانيا... أوروبا "تتغير الى الأبد"

27/02/2023 12:31PM

ترى صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية في تقرير مطول أن الغزو الروسي لأوكرانيا قد غير قارة أوروبا بشكل أعمق من أي حدث آخر منذ نهاية الحرب الباردة، واصفة تلك التغييرات بأنها "أبدية".

فمصطلح "Zeitenwende"، الذي يمكن ترجمته من الألمانية إلى "نقطة التحول"، هو الذي استخدمه المستشار الألماني، أولاف شولتس، قبل عام تقريبا عندما أعلن خلال خطاب مفصلي عن استثمار 112 مليار دولار في القوات المسلحة لبلاده.

ويعتبر هذا القرار بالفعل نقطة تحول منذ سقوط النازية في ألمانيا، إذ أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى زعزعة غير مسبوقة للعقيدة السياسية للبلاد التي تأسست بعد الحرب العالمية الثانية.

وبعد الغزو، أدركت ألمانيا التي تتجذر لديها عقلية السلام، أن القوة العسكرية مطلوبة في السعي لتحقيق الأهداف الأمنية والاستراتيجية.

ولم يتحدث المستشار الألماني عن "نقطة التحول" فقط، بل استخلص أيضا استنتاجات أخرى، أهمها ضرورة إعادة الاعتبار للجيش الألماني المُهمل منذ عقود بإنشاء صندوق خاص بقيمة 100 مليار يورو لتمويل المشتريات العاجلة.

ووعد شولتس أيضا بالالتزام بما أكد عليه حلف الناتو في العام 2014 بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، ويتعلق برفع ميزانية دفاع الدول الأعضاء إلى ما لا يقل عن 2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. وهذا ما جعل ميزانية التسلح الألمانية الأعلى في أوروبا.

وفي هذا الصدد، يقول السفير الفرنسي في ألمانيا، فرانسوا ديلاتر، "لقد أعادت الحرب الأوروبيين إلى الأساسيات، إلى مسائل الحرب والسلام وقيمنا. وبات كل واحد منا يسأل: من نحن كأوروبيين؟".

ومع ذلك، فهناك ثمة انقسامات داخل أروقة الحكومة في برلين، فشولتس الذي كان مترددا بتزويد كييف بدبابات "ليوبارد" المتطورة يرى أن الحل الأمثل للصراع هو بمفاوضات سلام مع موسكو.

وفي المقابل، فإن وزيرة الخارجية، أنالينا بربوك، المنتمية إلى الحزب الخضر، تتخذ موقفا أكثر صرامة، وتميل إلى السعي لتحقيق نصر كامل على الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.

وقالت بربوك في الشهر الماضي "نحن في حرب ضد روسيا".

نهاية الحياد

وفي فنلندا، يرى سولي نينيستو، رئيس تلك الدولة الإسكندفانية التي كانت على الحياد لفترة طويلة أن الغزو الروسي قد "أسقط الأقنعة، وعاد الوجه المرئي للحرب الباردة".

فقبل شهر من هجوم قوات الكرملين على أوكرانيا، قالت رئيس الوزراء الفنلدنية، سانا مارين، في تصريحات لوكالة رويترز إنه "من غير المحتمل للغاية" أن تتقدم بلادها بطلب للانضمام إلى حلف الناتو خلال فترة ولايتها.

وكانت استطلاعات الرأي قد أظهرت باستمرار أن التأييد من قبل الشعب الفنلندي إلى حلف شمالي الأطلسي كان يتراوح بين 20 إلى 30 بالمئة من آراء الناس.

ولكن كل ذلك تغير بعد 24 فبراير من العام الماضي، إذ تقول مديرة السياسة في وزارة الدفاع الفنلندية، جان كوسيلا، إن "المشاعر الشعبية هي التي قادت الطريق".

وأوضحت: "عادة ما يتغير السياسيون ويتبعهم الناس، ولكن في هذه المرة كانت الآية معكوسة"، في إشارة للتغير المفاجئ في الرأي العام بشأن الانضمام إلى حلف الناتو.

فقد شاهد الفنلنديون ماضيهم المأساوي مع روسيا من خلال المأساة التي تعيشها أوكرانيا، وبالتالي رأوا استحالة وجود علاقة عملية مع نظام بوتين، مما جعل الدعم لعضوية الناتو يرتفع إلى أكثر من 70 بالمئة. 

وفي غضون ثلاثة أشهر من الغزو الروسي، تقدمت فنلندا إلى جانب السويد، بطلب للحصول على عضوية الناتو، وهي عملية من المتوقع أن تكتمل بحلول قمة الحلف المقبلة في ليتوانيا، وذلك على الرغم من استمرار الاعتراضات التركية على عضوية السويد بسبب اتهام أنقرة لاستوكهولم بإيواء "إرهابيين" على أراضيها.

وفي نفس السياق، قالت مديرة منتدى الأعمال والسياسة الفنلندي، إميليا كولاس، "كل عائلة لديها ذكريات حرب، والتاريخ ينذرنا بالخطر، لكننا كنا مترددين. اعتقدنا خاطئين أن الحياد يخدم فنلندا بشكل أفضل".

قال بيتري هاكارينن، كبير المستشارين الدبلوماسيين للرئيس الفنلندي، "يجب أن نتصالح مع حقيقة أن العالم قد تغير".

وبالنسبة للسويد أيضا، أصبح الخيار واضحا حتى بالنسبة لبلد لم يخض حربا منذ أكثر من 200 عام.

ويعقب السفير الألماني في بولندا، توماس باغر، على تلك التغيرات، قائلا: "لقد أصبح بحر البلطيق بركة تابعة لحلف شمال الأطلسي ... هذا تحول استراتيجي كبير".

دعم كبير لأوكرانيا

بشكل عام، تعهدت الدول الأوروبية كجزء من الاتحاد أو بشكل فردي، بتقديم أكثر من 50 مليار دولار في أشكال مختلفة من المساعدات إلى كييف، وفرضت 10 جولات من العقوبات استهدفت روسيا.

واستوعبت دول الاتحاد أكثر من ثمانية ملايين لاجئ أوكراني (ما يقرب من سكان النمسا)، وإلى حد كبير فطموا أنفسهم عن النفط والغاز الروسي في تحول كاسح تحت ضغط تضخمي حاد.

وبدون  الولايات المتحدة، ربما لم يكن لدى الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، الوسائل العسكرية لمقاومة الغزو الروسي.

وبحسب خبراء، فإن تلك فكرة واقعية للأوروبيين، فحتى لو تجاوزت استجابة أوروبا في دعمها لكييف العديد من التوقعات، فإن الدعم الأميركي يعتبر مقياسا للعمل الذي لا يزال يتعين القيام به إذا كانت أوروبا تريد أن تصبح قوة عسكرية ذات مصداقية.

لذلك، بينما تلوح حرب طويلة في الأفق مع احتمال حدوث حالة من الجمود طويلة الأمد، فإن الاتحاد الأوروبي سوف يواجه العديد من النقاشات بشأن كيفية تعزيز قواته المسلحة. 

وبحسب تقرير "نيويورك تايمز"، فقد مهدت الحرب الروسية على أوكرانيا الطريق أمام أوروبا: كيف تحول نفسها من قوة سلام إلى بطل جيوسياسي يستعرض عضلاته.

ويقول سينيكوكا ساري، الخبير في الشؤون الروسية ومدير الأبحاث بالمعهد الفنلندي للشؤون الدولية، "حتى لو انتهت الحرب قريبا، فلن يكون هناك عودة".


المصدر : الحرة

شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa