«ثلاثاء أسود» في لبنان... دولار الـ 100 ألف يُسرّع الانهيار الكبير

15/03/2023 07:00AM

جاء في "الراي الكويتية ": 

إنه «الثلاثاء الأسود». فلا شيء كان أمس أقوى من «دويّ» الانزلاق الجديد لليرة اللبنانية إلى مستوى انهيارٍ قياسي أكْمل معه الدولار «المئويةَ الأولى» في مسارٍ من السقوط الحرّ للعملة الوطنية الذي بدأ خريف 2019 من عتبةِ 1507 ليرات ومضى معه «الأخضر» تباعاً في الأعوام الثلاثة ونيف الماضية في «تسلُّق قممٍ» بلغ أعلاها في الساعات الأخيرة عند سقف الـ ما فوق 100 ألف، وهو الرقم الذي يُخشى أن يكون مفتاح «صندوق باندورا» المالي بكوارثه المروّعة التي تلوح في الأفق المقفل.

و14 مارس الذي انطبع في الروزنامة اللبنانية منذ 2005 بأنه يوم «ثورة الأرز» البيضاء أو «انتفاضة الاستقلال»، أي ذكرى اهتزاز الأرض من تحت أقدام نظام الوصاية السوري الذي كان يَحْكم لبنان وذلك على وهج زلزال اغتيال الرئيس رفيق الحريري (14 فبراير)، دَخل التاريخ مجدّداً وهذه المرة ليس توثيقاً لمحطةٍ مضيئةٍ في صفحات الوطن الصغير بل تسطيراً لأقوى درجاتِ «زلزال الدولار» الذي لم تهدأ هزّاته الارتدادية والذي تتدحرج معه «بلاد الأرز» منذ 2020 على سلّم الشعوب الأكثر فقراً وبؤساً وتعاسة في الطريق نحو القعر المفتوح لـ «جهنّم» اللبنانية.

ورقم الـ 100 ألف الذي باتت معه أعلى ورقة في العملة اللبنانية تساوي دولاراً واحداً، هو واقعياً فصل جديد من الانهيار الكبير الذي تشكّل «محرقةُ الليرة» أحد فتائله المتفرّعة من إفلاسٍ، مع وقفِ الإعلان الرسمي، للقطاع المصرفي والدولةِ التي أمْعن القيّمون عليها منذ بدء «الرحلة نحو القعر» في التناحر داخل «الغرف السود» وخارجها، ومازالوا يجهدون لإخفاء «الصناديق السود» لأزماتٍ متشابكة لا تنفكّ تتوالد في المال والسياسة، وليس آخِرها الشغور في موقع رئاسة الجمهورية الذي يكمل بعد 15 يوماً شهرَه الخامس.

ورغم أن بعض اللبنانيين حاول استيعابَ صدمة تدشين حقبة دولار «الخمسة أصفار» بالاحتكام إلى «الكوميديا السوداء» أو التداولِ بـ «استعاراتٍ» لأغنياتٍ أو برامجَ تلفزيونية بـ «لغة الميّة» أو معايداتٍ ممهورةٍ بـ «عقبال الميّة»، فإن تَحَوُّلَ دولار المئة ألف واقعاً، أجّج المخاوفَ من آتٍ أعظم لاسيما في ظلّ السرعة التي باتت تشتدّ معها الاختناقات المعيشية على رقاب اللبنانيين في ضوء «دولرة» أسعار السلع في السوبرماركت ودخول جنون العملة الخضراء «حيز التنفيذ الفوري» على الرفوف كما على عدّاد أسعار المحروقات (يقترب سعر صفيحة البنزين من مليونيْ ليرة)، فيما الرواتب جامدة وتتآكل قيمتُها البخسة أصلاً، ومؤّشرها الأبرز الحد الأدنى للأجور الذي لم يعد يساوي إلا 26 دولاراً.

وجاءت الوثبةُ «الحارقة» للدولار، الذي قفز منذ الخميس الماضي بنحو 20 ألف ليرة وهو مستوى غير مسبوق يعكس تَسارُع وتيرة الانهيار ويعمّق الخشيةَ من انسحاقاتٍ يومية للعملة الوطنية بمعدلاتٍ مُرْعبة تستدرج موجاتٍ متواليةً من تسونامي التضخم المتوحّش، على وقع سريان الإضراب المفتوح الجزئي الذي عادت إليه المصارف أمس اعتراضاً على ما تعتبره تعسفاً قضائياً بحقها من خلال عدم اعتماد وحدة المعايير ربْطاً بأحكام «تلزمها بقبول تسديد الديون العائدة لها بالعملة الأجنبية بذمّة المقترضين بشيك مسحوب على مصرف لبنان أو بالليرة على أساس سعر صرف 1500 ليرة للدولار الواحد، فيما تلزم المصارف بتسديد أو تحويل الودائع بالعملة الأجنبية نقداً وبنفس العملة لصالح بعض المودعين على حساب الآخَرين».

كما أتت حمّى الدولار عشية أول استماعٍ يخضع له حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من القاضية الفرنسية Aude Buresi التي يُنتظر أن تستجوبه اليوم في شبهة جرائم اختلاس وتبييض أموال وتزوير وإثراء غير مشروع ترتبط به وبشقيقه رجا وتتمحور حول أكثر من 330 مليون دولار و5 ملايين يورو (بين 2002 و2021)، وتحويلاتٍ ماليةٍ في هذا الإطار تمّت عبر مَصارف لبنانية واستُخدمت فيها بنوكٌ في فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ، وهي القضية التي سبق لوفود قضائية من هذه الدول أن أجرت في سياقها جولةً أولى من جلسات الاستماع لشهودٍ في بيروت قبل أسابيع.

وأشارت تقاريرُ إلى أن سماع سلامة سيتم بحضور قاضي التحقيق الاول في بيروت شربل أبوسمرا الذي كان أحيل عليه أخيراً ادعاء القضاء اللبناني على حاكم «المركزي» في الملف نفسه، وأن الجلسة سيحضرها الوكيل القانوني الفرنسي لسلامة ومعه المحامي اللبناني، وأن عدد الأسئلة التي ستُطرح خلال الجلسة يُقارب الـ100 وقد تتطلب أكثر من يوم.

وإذ نَقل تلفزيون «الجديد» أن الجلسة لن تشهد في خلاصاتها أي توقيف لسلامة، أفادت تقارير أخرى أن حضوراً ألمانياً سيُسجَّل فيها (على مستوى غير قضائي)، وأن القاضي أبو سمرا سيبلغ إلى حاكم «المركزي» إرجاء «الاستجواب اللبناني» في هذا الملف والذي كان مقرَّراً اليوم أيضاً، وسط رَصْدٍ لِما إذا كان مثول «الحاكم» أمام القاضية الفرنسية سيكون إيذاناً بـ «مساكنةٍ» ستتم بين المساريْن اللبناني والاوروبي لهذه القضية، أم أن استئخاراً ما زال ممكناً لاحقاً للاستجابةِ لطلب المساعدة القانونية الأوروبية - وفق الصيغة التي ارتؤي إسباغُها على تحقيقات الوفد القضائي الاوروبي - وذلك لتَعارُضها مع تحقيق جارٍ في لبنان وفق الفقرة 25 من المادة 46 من إتفاقية مكافحة الفساد لعام 2003 التي انضم إليها لبنان العام 2008.

في موازاة ذلك، انشغلتْ بيروت بزيارةِ الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبوالغيط، الذي بحث مع كبار المسؤولين في الواقع اللبناني والأزمة الرئاسية على هامش مشاركته في المنتدى العربي للتنمية المستدامة لعام 2023 الذي نظمته لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (اسكوا) بالتعاون مع الجامعة وهيئات الأمم المتحدة العاملة في المنطقة العربية.

وأعلن أبوالغيط بعد لقاء رئيس البرلمان نبيه بري أنه «سيكون هناك رئيس للجمهورية والمسألة مسألة وقت ويجب أن نسرع بهذه الخطوة لأن الأمور خطيرة».

وخلال اجتماعه برئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي يتوجه اليوم إلى الفاتيكان للقاء البابا فرنسيس، أكد أبوالغيط تعليقاً على اتفاق بكين حول عودة العلاقات الديبلوماسية بين الرياض وطهران «أن القمة السعودية - الصينية - الايرانية ايجابية جداً، ومفاعيلها الأولية هي إرساء نوع من الاستقرار السياسي والأمني بين السعودية وايران، ولكن مفاعيلها على سائر الملفات المطروحة في المنطقة غير واضحة بعد».

وأشار إلى «أن مؤتمر القمة العربية سيعقد في مايو المقبل في السعودية، ومن المرجح ان يكون الموضوع الرئيسي للقمة اقتصادياً ويتناول كيفية مساعدة الاقاليم العربية المحتاجة».


المصدر : الراي الكويتية

شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa