"حنا الماروني" أسير الظلام وكاتب الظل... وكتاب ينصفه بعد زمن

كتبت ميليسّا دريان في "السياسة":

في بلد كلبنان تكثر فيه المصائب والأزمات، تكثر فيه الإبداعات أيضًا ويكثر فيه المؤلفون والأدباء والشعراء.

الكاتب سليم بدوي هو مبدع لبناني، كتب كتابًا تناول فيه موضوعًا جديدًا أغفل عنه عدد كبير من الباحثين اللّبنانين والعرب.

"حنا الماروني ملهم أشهر حكايات ألف ليلة وليلة" عنوان كتاب جديد لبدوي، من أجل التذكير بوجوه غابت أو غُيّبَت بينما أعمالها باقية في ما خلّده آخرون أو تناسوا ذكرها ولكنهم لم يتمكنوا من محو آثارها من على صفحات الزمن.

هذا الكتاب الذي أبصر النور، هو حكاية القلم الخفي الذي خط مصدر أروع ليالي شهريار.

حنا دياب، الشاب الماروني الذي قادته دروب الحياة من حلب الى مدينة النور فيما ظلّ هو أسير الظلام.

حنا دياب "الماروني"

عن الكتاب يقول بدوي: "كل الناس تعرف أهمّية "ألف ليلة وليلة" وكل الباحثين والاختصاصيين والمستشرقين وكل من قاموا بدراسات عن الأدب المقارن والأدب الشعبي والحكواتي في العالم العربي والعالم كله يعلمون أنّ من أطلق كتاب ألف ليلة وليلة في العالم هو المستشرق الفرنسي أنطوان غالان وكل الأبحاث تقول إن غالان هو الكاتب أو المترجم لكتاب ألف ليلة وليلة".

وفي حديث لـ "السياسة" يضيف: "لا أحد يعلم، باستثناء قلّة من الاختصاصيين والمستشرقين أن هناك مجموعة من القصص لا بل أشهرها، أظهرت كل الدراسات أنّ أنطوان غالان حصل عليها ليس من مخطوطات تُرجمت أو مصادر معروفة، إنما حصل عليها من شاب ماروني حلبي يُدعى حنا دياب ويُلقّب بـ "الماروني".

ويتابع: "في أوائل القرن الثامن عشر، التقى غالان بالماروني في باريس عند مستشرق آخر يدعى بول لوكا، ومن حنا الماروني أخذ غالان هذه الحكايات أو ملخص هذه الحكايات، 16حكاية نُشر منها 10 في ألف ليلة وليلة وأهمها: علاء الدين والمصباح السري، علي بابا والأربعون لصًا وسندباد".

ويضيف: "عندما اكتشفتُ هذه القصة بحثتُ في تاريخ ألف ليلة وليلة وكل الكتابات والدراسات واطّلعت على مذكرات أنطوان غالان والتي يعترف فيها أنه حصل على هذه الحكايات من الماروني حنا، وأحد المستشرقين الألمان حضّر دراسات وأسماها "حكايات حنا" أي أن  ما من شك حول الموضوع".

إعادة اعتبار للماروني

ما قام به الكاتب سليم بدوي هو كرد اعتبار لحنا الماروني الذي ظُلم برأيه، وفي هذا الإطار يقول بدوي: "ما قمتُ به هو أنني فتشت عن قصة هذا الشاب في مذكراته المحفوظة في المكتبة الفاتيكانية والذي حرص أن يكتبها قبل أن يموت في حلب، ومذكرات أنطوان غالان وكل الدراسات التاريخية والأدبية التي كُتبت حول ألف ليلة وليلة وكتبت قصة حنا دياب الماروني".

ويردف قائلًا: "حنا دياب الماروني كان يريد أن يصبح راهبًا في الرهبانية اللبنانية المارونية وتوقف عن رسالته وسافر الى فرساي واستُقبل هناك، وقابل الملك لويس الرابع عشر والتقى بأنطوان غالان وأخبره هذه القصص فكان ضحية خدعة من قبل غالان".

مشيرًا الى أنّ "ما يُخبره في الكتاب هو حكاية كاتب الظل، لأنّ غالان لم يكلّف نفسة ويعترف أنه حصل على هذه القصص من شاب ماروني اسمه حنا دياب، إنما ذكرها فقط بمذكراته التي لم يكن يطمح يومًا لنشرها، والتي اهتم المستشرقون بها بعد وفاته ففُضح غالان وقتها".

أهمية الكتاب بحسب بدوي، هي أنه "صدر ليذكّر اللبنانيين والموارنة والعالم كيف أسهم الموارنة بالثقافة العالمية وكيف كان الهمّ الماروني هو الثقافة والعلم والكتابة، فضلًا عن أنّ العديد من الموارنة من أصحاب المواقع المتقدمة كانوا دائمًا مسهمين بالترجمات وتقديم المشورات والمناصب والمواعظ في أكبر الجامعات العالمية وكان دائمًا الهم التعليمي هو الأبرز لديهم".

بدوي: الكتابة بين "كيف كنا" و "كيف صرنا"

يشير بدوي الى أن "هذا الكتاب هو للتذكير كمقاربة أولى كيف كان الإشعاع الماروني في المستوى الثقافي وما يقابله اليوم من تراجع ماروني خاصة على المستوى السياسي في لبنان".

والمقاربة الثانية، كما يقول بدوي هي أنّ "الكتاب هو للتذكير بالإشكالية التي كانت تطرحها دائمًا عملية الاستشراق وكيف كان المستشرقون الأجانب وخاصة الأوروبيين دائمًا يسرقون الإنتاج الثقافي لأولاد الشرق وينسبونه لهم كما حصل مع جبرايل الصهيوني الإهدني الذي لعب دورًا كبيرًا في باريس في اللغات العربية والسريانية". 

مضيفًا: "هذا مثال على الاستعلاء الاوروبي على المشرقيين وكيف ينسبون أعمال الشرقيين إليهم، وهذا ما تعرّض له حنا دياب الماروني، الذي ما زال حتى اليوم مجهولًا لدى العامة، لتكون العبرة من الكتاب هي إنصاف هذا الرجل وإعادة الاعتبار له ولدوره المهم الذي قام به بشهرة ألف ليلة وليلة عالميًا".

وعليه، الأشياء الجميلة موجودة دائمًا في هذا البلد الصغير، وهي فقط بحاجة إلى من يضيء عليها بأنوار المعرفة والثقافة وعدم طمسها في التراب وتناسيها مع مرور الزمن.