مبادرة لتعزيز ثقافة "النقل المشترك" من طرابلس.. إليكم تفاصيلها

09/04/2023 03:17PM

كتبت جنى الدهيبي في "المدن": 

بعدما كشف الانهيار أوجهًا لمشاكل جوهرية كان اللبنانيون يتغاضون عنها، بدا أن غياب شبكة "النقل المشترك" من بين أكثر الأزمات خطورة التي عرفها البلد. وهي اليوم، واحدة من أسباب شلّ البلاد ومرافق الدولة، لأن تغطية بدل النقل الباهظة، أصبحت المعركة الكبرى للعمال والموظفين المضربين عن العمل.  

مبادرة TripoLine  

هذا الواقع، دفع مجموعة من الناشطين من رجال أعمال ومهندسين وأطباء في طرابلس، ويبلغ عددهم نحو 20 فردًا، إلى إطلاق TripoLine (تريبولاين)، وهي مبادرة غير ربحية تقدم خدمة النقل العام في طرابلس ومحيطها عبر حافلات ذات مواصفات عالية، من خلال عدد من المسارات التي تقوم بتفعيلها تدريجيًا.  

عمليًا، انطلقت هذه المبادرة سنة 2021، وكانت بالتوازي مع تأسيس أصحابها "الجمعية اللبنانية للعمران البلدي" (عمران)، حتى تكون تريبولاين، من أولى المبادرات التي تطلقها الجمعية وتعبر عن رؤية أصحابها.  

وقبل عامين، توقع كثيرون في المدينة أن هذا المشروع لن يضمن استدامته، نظرًا للتحديات الهائلة التي يواجهها قطاع النقل، إضافة إلى الكلفة الباهظة للمحروقات التي تعيق مسألة وضع تعرفة بسعر مدعوم للركاب.  

لكن ما حدث خالف التوقعات، وها هي "تريبولاين" تطلق مؤخرًا قبل شهر رمضان، خط رحلات جديد بين الميناء وطرابلس، ليضاف إلى الخط الذي يربط طرابلس والكورة، مع الخط المستقل بين طرابلس والجامعة اللبنانية في الكورة.  

وهكذا، صار عبور حافلات بيضاء كبيرة ممهورة بلوغو TripoLine، مشهدًا مألوفًا تعوّد عليه سكان طرابلس في يومياتهم.  

ما قصة هذه المبادرة؟  

في حديث مع "المدن"، يعود الناشط المدني طه ميقاتي، صاحب شركة برمجة ورئيس مجلس إدارة جمعية "عمران" إلى قصة إطلاق مبادرة "تريبولاين"، على يد مجموعة من رجال الأعمال والعاملين بقطاعات مختلفة، آمنوا أن المساهمة في تنمية المجتمع واجب على كل من استطاع، وقرروا عدم الاستسلام لوقائع الانهيار، كما يقولون، ووجدوا أن النقل العام حاجة أساسية من حوائج المجتمع الطرابلسي ومحيطه.  

لذا "اجتمعنا على تقديم هذه الخدمة بجودة عالية وعبر فريق مميز من خلال إطلاق مبادرة TripoLine، كمبادرة غير ربحية للنقل المشترك في طرابلس".  

وعند تتبع صفحة تريبولاين على منصات التواصل الاجتماعي، نتصفح جداول الرحلات ومواعديها ومختلف التفاصيل حولها، لتعكس مستوى الوضوح والدقة والمهنية. وهو ما عزز الإقبال عليها من شرائح واسعة في طرابلس والكورة والميناء.  

وحسب ميقاتي، جرى إطلاق أول خط رحلات بين الكورة وطرابلس باتجاهين معاكسين، وكان الهدف تخفيف كلفة النقل على الناس وتعزيز ثقافة النقل المشترك في طرابلس. وحينها كانت تعرفة بطاقة النقل رمزية، بسبعة آلاف ليرة فقط. ثم ارتفع السعر تباعاً، وهو اليوم لا يتجاوز 40 ألفًا على الفرد بكل رحلة بين الكورة وطرابلس، و30 ألف ليرة بين طرابلس والميناء.  

وهذا السعر المدعوم، يسدد أعضاء الجمعية مختلف الفروقات بالتكاليف، من دون أي تمويل أو دعم مباشر. لكنهم يعملون راهنًا على توقيع اتفاقيات مع عدد من الجمعيات المحلية، تعزيزًا للموارد الدعم للركاب، وهو ما حصل مع عدد من طلاب الجامعة اللبنانية الأكثر حاجة، الذين تلقوا دعمًا كاملًا لنقلهم من ساحة النور إلى مقر الجامعة في الكورة.  

مواصفات نوعية 

ويقول ميقاتي إن هدف المبادرة أن تبلغ مرحلة تمول فيها نفسها بنفسها، متحدثًا عن ارتفاع عدد الركاب، إذ بلغ في خط الكورة-طرابلس مثلا، نحو 400 راكب يوميًا بمعدل 12 رحلة.  

وحاليًا، يوجد لدى تريبولاين أربعة باصات: باصان لخط طرابلس- الكورة، باص لخط طرابلس-الجامعة اللبنانية وباص لخط الميناء- طرابلس. كما يجري العمل على تأمين باص ثانٍ على خط طرابلس-الميناء.  

ويقول ميقاتي إن حرصهم على تخصيص خط رحلات بين طرابلس-الجامعة اللبنانية، لأن معظم طلابها من أكثر الفئات تهميشًا، وحتى أن بعض الطلاب يذهبون إلى الجامعة سيرًا على الأقدام بسبب عدم قدرتهم على تسديد تكاليف النقل الباهظة.  

ويؤكد ميقاتي على أن المبادرة تستهدف طرابلس وضواحيها وهناك خمسة خطوط تتم دارستها لتفعليها رغم أن العمل حاليًا على خطين.  

ويجمع ركاب رحلات تريبولاين، أن ما يجذبهم إليها هو نوعية الباصات على مستوى الراحة والتكييف، وهي معايير حرص عليها أصحاب المبادرة عند شرائها. ويقول ميقاتي: "نواجه مصاعب بالعثور على نوعية الباصات التي نريدها في السوق اللبناني، ونسعى لاحقًا إذا حصلنا على الدعم والتمويل اللازمين، أن نستورد حافلات من الخارج بمواصفات عالمية للنقل المشترك".  

تلخص مبادرة تريبولاين أهدافها بأربع قيم:  

التميز: نهتم بأدق تفاصيل رحلاتنا، ليكون التميز معيارًا أساسيًا في جميع أعمالنا. 

السلامة: سلامة عملائنا، وفريق عملنا، هي أولى أولوياتنا. 

الراحة: رحلة بعد رحلة، سنسعى لنقدم الحل النوعي لمواصلات داخل المدينة ومحيطها. 

الاستدامة: نحرص كل الحرص على استدامة الخدمة والتحسين على الصعيد الخدماتي.  

ويختم ميقاتي بأن طموح جمعيتهم هو خدمة طرابلس، وكسر الصورة النمطية للخدمات والمساعدات التقليدية، في ظل غياب مرافق الدولة عن القيام بمختلف واجباتها تجاه المواطنين، في النقل ومختلف الخدمات الأخرى.  

وواقع الحال، تبدو هذه المبادرة نموذجًا محليًا صرفًا على كيفية تطوير ثقافة الحلول الجزئية لأزمات المواطنين. ورغم أن بيروت الكبرى شهدت مؤخرًا إطلاق رحلات لعدد من الباصات المقدمة كهبة فرنسية للدولة اللبنانية، لكن جميعها لن تحل المشكلة الكبرى، بغياب شبكة نقل مشترك عام على مستوى كل لبنان وبرعاية الدولة مباشرة.  

وبعدما كان لبنان يشتهر تاريخيًا بضخامة عدد السيارات الخاصة التي يضمها، قياسًا لمساحته الصغيرة وعدد سكانه، نتيجة الثقافة الاستهلاكية التي تنامت في لبنان على نحو كبير، فإن الأزمة جعلت من السيارات الخاصة عبئًا هائلًا وعقبة تكبد البلاد خسائر هائلة وليست حلًا. وهو ما يفسر توجه بعض المبادرات للعثور على حلول جزئية محلية، وإن لم تكن كافية على صناعة حل شامل في دولة تشهد على فصول انحلالها.  


المصدر : المدن

شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa