سوق القماش... أم شاطئ صَيدا؟

22/05/2023 10:06AM

كتب قزحيا ساسين في "السياسة":

من نتائج غياب سلطة الدولة سيادة مفهوم الأمن الذاتيّ، وازدهار مافيات المال والاقتصاد، وتطوُّر نشاط التهريب... وما شاهدناه في الأيّام القليلة الماضية، في صيدا، هو ظاهرة قديمة جديدة، تتمثّل في استغلال ضعف الدولة، للاتّجاه نحو إرساء الدولة الدينيّة، ولَو جزئيّا.

ليس حدثًا عاديّا أن تُمنَع مواطِنة لبنانيّة من زيارة شاطئ صيدا بثياب البحر، وتتعرّض للقمع من رجل دين متزمِّت يرافقه بضعة متزمّتين. إنّه تعدٍّ على الحرّيّة الشخصيّة، التي يقرّها القانون اللبنانيّ ويحميها. وبدل أن يُحاسَب مَن لا سلطة قانونيّة له، ليقف على بوّابة الشاطئ متعدّيا على الحرّيّة، أتى ما صدَر عن بلديّة صيدا مخالفا للقانون اللبنانيّ أيضا، وموحيا أنّ البلديّة هي في دولة دينيّة، وليست في لبنان. 

إنّه لقرار سرياليّ، مضحكٌ مٌبكٍ، بلديّة صيدا لا تسمح بزيارة الشاطئ إلّا باللباس المحتشم. تماما، كما لَو أنّنا أمام لافتة في مكان مقدّس تطلب الاحتشام والخشوع والهدوء. 

والنتيجة أنّ شاطئ صيدا صار شاطئِين، ضفّة لِلّذين تظاهَروا، دعما للحرّيّة ولتطبيق القانون، وأخرى لِلّذين يريدون كمّيّة القماش على الشاطئ كتلك التي في سوق القماش، بينما القوى الأمنيّة تقف بين الشاطئَين قوّة فَصل فقط، لأنّها بِلا قرار سياسيّ يحميها، ويدعوها إلى تطبيق القانون.

من حقّ أيّ رجل دين أن يأتي الشاطئ بثياب البحر، أو بالثياب الرسميّة، وأن يصلّي قبالة الموج، أو يختار السباحة... هذا شأنه، وحرّيّته، أمّا أن يتحوّل رجال الدين شرطة للسماء على الشواطئ، فهذا أمر غير مقبول في لبنان.

ومن حقّ أيّ بلديّة، لا بل من واجبها، أن ترعى حياة الناس برًّا وبحرًا، لكن ليس من حقّها ممارسة القمع، مستغلّة سلطتها التي لا تسمح لها مطلقا بمخالفة القوانين، وخصوصا تلك التي تحمي حرّيّة المواطن وكرامته.

وبكلام أوضح، إنّ المرأة اللبنانيّة حُرّة، باعتبارها مواطِنة لبنانيّة، وكلّ ما يدور على شاطئ صيدا هو محاولة سَلبِها حقَّها في الحياة، لأنّ الحياة تعادل الحرّيّة. وفي هذا السياق ما أبشع غياب حضور المؤسّسات القانونيّة من نقابة محامين، وقضاء، وجمعيّات محصورة الهمّ بقضيّة المرأة عندنا...

وبكلام أوضح أيضا، قد تكون مجموعات متشدّدة دينيّا بدأت العمل على الأرض، من خلال أفراد، سواء بصفة علمانيّة، أو دينيّة، ومن خلال مؤسّسات رسميّة تابعة للدولة، مثل البلديّات.

نحن في دولة غائبة، يستثمر غيابَها كلُّ صاحب موّال يتحَيّن الفرصة ليغنّي موّاله.

قد نتأخّر في تحقيق فصل الدّين عن الدّولة كما يجب، لكن علينا أن نرفض، اليوم، تعسُّف أيّ مؤسّسة رسميّة في قراراتها المستهدِفة حرّيّتنا الشخصيّة، وأن نرفض أيضا دَوريّات رجال الدّين الرّاجِلة على الشواطئ، لتسطير مَحاضر ضبط بنسائنا وبَناتنا وأخواتنا.


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

تواصل إجتماعي

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa