بيئتنا حاضنة للعنف... من "الحضانة"

12/07/2023 11:20AM

كتب قزحيا ساسين في "السياسة":

ليس التشهير بالجاني، لا سيّما قبل الإدانة القانونيّة، أمرا مُحِقّا. إلّا أنّ الفيديو المسرَّب من أحد مَسالخ دُور الحضانة، في الفنار، وفيه حضور الجاني والضحايا وتفاصيل الجريمة، أثارَ اللبنانيّين إنسانيّا، ليصيروا قضاة عجَلَة قصوى، ويتمادَوا في الشّتم وطلب التعذيب والقتل للحاضنة المعنِّفة أطفالا، لم يبلغوا بعد سنّ إدراك ما يتعرّضون له من اعتداء وأذيّة.

للأسف، نحن ننتظر دائما ما يُسَرَّب، حاملا الفضائح والجرائم في حقّنا، لنفتح أفواهنا ونملأ الهواء نقمة وشتيمة. بينما في الواقع، قلّما نجد مؤسّسة تعمل محترِمة حقوق الإنسان، معامِلة إيّاه برقيّ وحضارة، خصوصا إذا كان من جماعة أعطِنا خبزنا كفاف يومنا.

إنّ التعنيف في مجتمعنا في أحلى حالاته، فعلى سبيل المثال لا الحصر، إنّ السّواد الأعظم من الموظّفين، لا سيّما في القطاعات الخدماتيّة العامّة، يتنفّس تعنيفا، فما الفرق بين حاضنة أطفال تعنّف ملائكة صغارا، وبين موظّف شابّ يعنّف مواطِنا عجوزا، بكلام قاسٍ وصوت عالٍ وانفعال واضح؟

نحن نعيش في بيئة حاضنة للعنف، غير أنّنا اعتدنا أن نرى الكثير من التعنيف ونتعرّض له، غير منتبهين، بِسبب العادة والتكرار، أنّ ما نراه، أو ما نتعرّض له هو التعنيف بِشَحمه ولحمه.

وكيف إذا انتقلنا إلى ضفّة الموظّفين والمدراء؟ فهناك البكاء وصرير الأسنان، إذ يتمادى الكثير من المسؤولين مع من هم مسؤولون عنهم، بِحكم التراتبيّة الإداريّة، خصوصا في القطاع الخاصّ، في التعنيف المقصود، الرامي إلى الترهيب، لأهداف كثيرة، منها عدم المطالبة بأيّ حقّ مكتسَب، وإشعار الموظّف بأنّ المكان الذي يَشغله، ثمّة كِثارٌ غيرُه جاهزون للحلول فيه...

أمّا بالنسبة إلى مأساة دُور الحضانة عندنا، فالمشكلة متعدّدة، باعتبار أنّ عددا كبيرا من أصحاب هذه الدُّور، وجدوا مكسبا ماليّا 

في هذا العصر، من خلال مصلحة كسّيبة اسمها "دار الحضانة". وهؤلاء، في غالبيّتهم، ينطلقون من فكر تجاريّ، وليس عندهم أيّ إلمام في ما يتّجهون إليه. ومن جهة ثانية، لا يبدو الحصول على رخصة لهذه الدار صعبا، فنحن في لبنان، والوسائط سيّدة الموقف. 

عمليّا، لا تجهيزات كافية، عدّةً وعديدا، في أكثر دور الحضانة. ولا رعاية طبّيّة دائمة من خلال متخصّصين يحضرون على امتداد دوام العمل. إضافة إلى أنّ شروط العمل في حضانة الأطفال لم تعد تستند إلى التخصّص. ويبقى عامل الرقابة، سواء من الدولة، متمثّلة بوزارة الصحّة، أو من إدارات الدور، معرَّضا لألف سؤال وسؤال. ومن أبسط ما يمكن القيام به، تجهيز دور الحضانة بالكاميرات، العاملة لا الشكليّة، وربط كلّ الدّور بغرفة مراقبة مركزيّة، تابعة للوزارة، وهكذا يتمّ بعض من الكشف والمراقبة، بطريقة هي في غاية السهولة. وفي الوقت نفسه تعرف إدارات الدور، والعاملون فيها، أنّهم على مرأى متواصل من الوزارة، ما يعزّز شروط السلامة والأمان لأطفال هذه الدور.

إنّ تطبيق القوانين، ومقاضاة المرتكبين، ضرورتان بديهيّتان، لكنّهما لا يصوّبان العمل في المؤسّسات، فلا بدّ من إجراءات عمليّة ملموسة، توحي بالأمان، فنعرف أنّنا نرسل أطفالنا إلى دار حضانة، لا إلى غُرف تعذيب، وندفع سَطلنا ورطلنا لِمن يقتلهم يوميّا، ونحن "يا غافل إلك ألله."


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa