عائلات بديلة ومعاناة نفسية... الأطفال المتروكون في حرب مع الحياة

25/07/2023 12:41PM

كتبت نوال برو في "السياسة":

 في وقت تمنح فيه الأبوة والأمومة لأشخاص لا يستحقون هذه الهدية الإلهية ولا يعرفون قيمتها، لم يعد مستغربًا أن نجد طفلًا في كرتونة تحت جسر أو في مكب نفايات. ولم يعد مستبعدًا أن يقدم الأهل فلذة أكبادهم وجبة عشاء للضباع في عتمة اللّيالي.  

حوادث مأسوية شهدتها مناطق لبنانية عدّة الأسبوع الفائت: طفلة حديثة الولادة داخل كيس أسود يجره كلب، طفلَان حديثا الولادة داخل كرتونة تحت جسر وطفل مرمي على جانب الطريق.. كلّها حوادث هزت الشارع اللّبناني في ظرف أيام قليلة. وهي ليست الأخيرة وإن كان قد حالف هؤلاء الحظ فهناك أطفال آخرون لم تمنحهم قسوة الشوارع فرصة للعيش.  


 ارتفاع مقلق في عدد الأطفال المتروكين! 

شمالًا، تُرك طفلان في الشارع بحسب أرقام العام ٢٠٢٢، لكنّ هذا الرقم ارتفع إلى ٤ أطفال حتى النصف الأول من العام الجاري وفقًا لإحصاءات جمعية حماية. 

وفي حديث مع موقع "السياسة"، تحدثت استشارية قسم المناصرة والحماية القضائية في جمعية حماية في شمال لبنان باسمة روماني بلوط عن الاجراءات الروتينية المتبعة بعد العثور على طفل متروك في الشارع. 

 وتشرح بلوط أنه: بداية، وبعد إيجاد الطفل يُبلّغ المخفر الذي يُبلّغ بدوره النيابة العامة التي تصدر محضرها. بعدها، يُنقل الطفل إلى المستشفى لإجراء الفحص الطبي وبعد التأكد من سلامته يوضع في مشفى رعائي يستقبل الأطفال الرضع المتروكين أو في جمعية تعتني به.


 العائلات البديلة: حضن مراقب وباب أمل

 البداية السيئة لا تعني أنّ حياة الطفل ستكون مأسوية بأكملها، إذ تتحدث بلوط عن مشروع الأسر البديلة التي توفر للطفل المتروك حضنًا دافئًا يعوّضه عن قساوة أهله. 

وبحسب بلوط، بدأ مشروع الأسر البديلة في لبنان عام ٢٠١٨ وحاليًا عند العثور على طفل متروك في الطريق يُرسل إلى مؤسسات رعائية تعتني به بعد العودة إلى قاضي الأحداث. لكنّ ذلك لا يعني أنّ بإمكان هذه المؤسسات منح الطفل لعائلة حتى تتبناه من دون الحصول على موافقة قاضي الأحداث المطلّع على الملف وتفاصيله.

ووفقًا للقانون 482 الصادر عام 2002، يأمر قاضي الأحداث بأن "يولى عند الاقتضاء رعاية الطفل لوالديه أو أحدهما وإذا تعثر الأمر لأسرة موثوق بها أو لجمعية".

وتشير بلوط إلى أنّ قاضي الأحداث يرفض أحيانًا بعض طلبات التبني التي تتقدم بها بعض الأسر. إذ وبموجب مشروع الرعاية الأسرية البديلة الذي بدأ العمل فيه في عام ٢٠١٨، هناك أدوات مستخدمة لتقييم قدرة الأسرة على الاهتمام بالطفل وما إذا كانت تصلح لهذه المهمة من حيث الوضعين الاجتماعي والنفسي للوالدين.

 وهذا التقييم تقوم به جمعيات كـ "حماية" تحت إشراف قاضي الأحداث وتقدمه له. بعدها، يستمع القاضي للعائلات التي عرضت الاهتمام بالطفل بالإضافة إلى مرجعين لا تربطهما صلة قرابة أو صداقة مع العائلة. بعد ذلك تُحوّل الملفات إلى الأمن العام ليحقق في وضع هذه العائلة، ويتخذ قراره القاضي بناء على التحقيق وفقًا لبلوط.

ولا يعني ذلك أنّ عين قاضي الأحداث أو الجمعيات المعنية تغفل عن الطفل حتى إن انتقل للعيش مع عائلة بديلة لأنّ تفاصيل حياته وظروف عيشه تبقى تحت المراقبة ويستقبل الطفل مندوبي الجمعية في منزله الجديد في زيارات دورية للاطمئنان عليه. كما لا يحق للعائلات البديلة تغيير مكان السكن أو السفر أو إجراء عملية جراحية للطفل من دون إذن.


 بلوط: أقلّه أتركوا أطفالكم في أماكن آمنة!

تشدد بلوط على أنّ القانون يُحاسب لا بل يُجرم من يتخلى عن طفله. وتتوجه للأهل بالسؤال التالي: كيف بإمكانكم وضع طفل في القمامة أو تحت جسر حيث يمكن أن تأكله الحيوانات المتوحشة؟

وبفعل بشاعة الظروف وقسوتها، تناشد بلوط الأهالي الذين يُريدون ترك أطفالهم وتطالبهم أقلّه بتركهم في الجوامع أو الكنائس أو الدق على أبواب الجمعيات المتخصصة وتركهم عند الباب، رغم أنّ هذا التخلي ممنوع إلّا أنّ بعض الحلول تبقى أفضل من رمي الأطفال في أماكن خطرة. 


 أسباب كثيرة تدفع الأهل لارتكاب هذا الفعل!

في نظر المجتمع يبقى التخلي عن الأطفال أمرًا غير مفهوم سيما أنّ الأهل عادة ما يتركون طفلهم في بيئة خطرة أو في ظروف صعبة وهم في عمر يعجزون فيه عن الدفاع أو حماية أنفسهم. 

من الناحية النفسية، يكون لهذا التخلي سببه الذي على ما يبدو يلعب المجتمع دورًا مساهمًا فيه من دون أن يقصد. 

وتتحدث المعالجة النفسية جيزال صليبا من مركز brainstations النفسي عن بعض الحالات التي يُترك فيها الطفل وحيدًا لأنه نتيجة علاقة غير شرعية لقاصر أو وليدة تعرض ضحية ما للاغتصاب. 

وتلفت في حديثها لـ "السياسة" إلى أنّ مجتمعنا لا يساعد أهل الفتاة على تقبل ما حصل فيجدون أنّ ترك الطفل في الطرقات هو الحلّ الأنسب. 

كما تشير إلى أسباب أخرى تدفع بالأهل لارتكاب هذا الفعل كأن يكون الحمل غير مخطط له أو أن يعاني الطفل من تشوه أو حالة صحية معيّنة تمنعهم من تقبله. من دون غض النظر عن غياب النضج العقلي والعاطفي والنفسي للأهل الذين يجدون أنفسهم أمام مسؤولية كبيرة يعجزون عن تحملها. كما أنّ الأعباء المادية أو حالة نفسية ما كالاكتئاب وحتى المشاكل الزوجية قد تكون سببًا لهذا الفعل. 


 صليبا: تخلي الأهل عن طفلهم يترك له ندبًا كبيرًا

إن كان البحث في الأسباب مهم فإنّ معرفة انعكاس هذه الحادثة على حياة الطفل وصحته النفسية هو الأهم. 

وفي هذا السياق، ترى صليبا أنّ نقص الحب والاهتمام الناجم عن تخلي الأهل عن طفلهما يترك أثرًا كبيرًا في حياته وفراغًا عاطفيًا على المدى الطويل. 

وتحذر من أنّ حالة هؤلاء الأطفال تزيد فرصة دخولهم في علاقات سامّة مستقبلًا لأنّ الطفل قد يرى نفسه غير محبوب. وقد يندفع للارتباط بأشخاص غير مناسبين خوفًا من الوحدة كما أنّ ثقته بنفسه تكون متضررة للغاية. 

وعلى ما يبدو فإنّ المعاناة لا تقتصر على ثقة هؤلاء الأطفال بأنفسهم حين يكبرون فقط بل تتعداها لتصل إلى اهتزاز ثقتهم بكل من في محيطهم ويمكن أن يتحولوا إلى محبي سيطرة أو إلى أشخاص يغارون بشدّة مع الإشارة إلى المعاناة من الاكتئاب والسلوك القهري. 

وترى صليبا بداية الحلّ بإخبار الطفل بحقيقة وضعه رغم صعوبة ذلك وبمساندة أخصائي نفسي يشرح له وضعه ويطمئنه على اعتبار أنّ الطفل قد يفسر سبب تخلّي والديه عنه بأنه نتيجة قيامه بفعل خاطئ أو لأنه طفل غير محبوب ومن هنا أهمية الدعم النفسي. 

 

صحيح أنّ جرم ترك الأطفال في الطرقات لمصيرهم كبير وأنّ معاناة الطفل المتروك لا تنتهي بعد احتضانه في مكان آمن، لكنّ هذه الجريمة تستمر مع صعوبة حصول هؤلاء على أوراق ومستندات رسمية كما لو أنه كُتب لهم العيش بلا هوية واضحة طيلة حياتهم. وتستمر المعاناة لتصل إلى فضيحة وصفهم بـ "اللّقطاء" رغم كلّ التطور الحاصل وافتراض وصول المجتمع إلى مرحلة القضاء على الجهل. 

وإن كانت المعاناة الاقتصادية والاجتماعية قد زادت هذه الحالات إلّا أنها فرصة أيضًا لإعادة النظر في معاناة هؤلاء الأطفال ووضعهم القانوني والنظرة تجاههم. 

 

 


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa