التطبيع الأسوَد... والحَصاة المنتظَرة

28/07/2023 10:00AM

كتب قزحيا ساسين في "السياسة":

لقد أتى الاحتجاج اللبنانيّ على قرار الاتّحاد الأوروبيّ، القاضي بإبقاء النازحين السوريّين في لبنان، خجولا. على الرّغم من أنّ القرار يعني عمليّا التوطين، أي: انتهاء لبنان الذي كان، على مستوى الهويّة، والديموغرافية، والوظيفة التي كانت له باعتباره ساحة جامعة، ونافذة للشرق...

يتّضح أنّ العالم، اليوم، يُنزِل همَّنا عن ظهره. وتحديدا أميركا، وأوروبّا وفي مقدّمتها فرنسا. 

وما يثير الاستغراب قبول الفريق "السياديّ" بمبادرة هزيلة يقوم بها الموفد الفرنسيّ جان إيف لودريان لانتخاب رئيس جمهوريّة، بعد قرار الاتحاد الأوروبيّ، معروف حجم النفوذ الفرنسيّ فيه. فهل فرنسا الساعية إلى توطين النازحين السوريّين في لبنان، ستعمل للإتيان برئيس سياديّ؟

إنّ التطبيع المخيف هو سيّد الموقف، أي: ترْك القنابل الموقوتة على حالها، بلا أيّ عمل لنزع فتيل التفجير، سياسيّا وأمنيّا واقتصاديّا...

ومقابل هذا التطبيع نجد كلّ القوى السياسيّة اللبنانيّة، على اختلافها واختلاف خطابها، تستجيب للمشيئة الدوليّة، وهي غير قادرة على المواجهة القويّة والواضحة. وإن كانت ثمّة مسائل تجمعها. فعلى سبيل المثال، ليس من مصلحة الثنائيّ الشيعيّ توطين النازحين السوريّين، غير أنّ حزب الله ليس في وارد الضغط على النظام السوريّ، متمثّلا بحليفه الرئيس بشار الأسد، لأنّ السيّد نصر الله لا حدود اليوم بينه وبين سوريا جغرافيّا وأمنيّا واقتصاديّا. لكن، لا  مانع من أن يطالب الآخرون في قضيّة النازحين، باعتبارها تهمُّه في العمق. ومكمن الخطورة في مثل هذه القضيّة أنّها تتطلّب إجماعا لبنانيّا، الأمر غير الموجود الآن، ولن يتوفّر في القريب العاجل.

وليست المسألة الماليّة والاقتصاديّة أقلّ ضررا من توطين النازحين، فهي تسهّل التوطين، من خلال حثّ اللبنانيّين على الهجرة، وتفريغ لبنان من أولاده، وقد لا يكون الحلّ الماليّ والاقتصاديّ إلّا بثمن باهظ، وهو الاستجابة للمطالب الدوليّة، ومنها توطين النازحين السوريّين.

لقد انتهى زمن المجّانيّة، واللقاء الحضاريّ والثقافيّ بين الدول، وما تقوم به فرنسا تجاه لبنان دليل في هذا السياق، فهي تتبرّأ من ماضيها الحضاريّ والثقافيّ، وتضع في لائحة أولويّاتها المصالح الاقتصاديّة، وبالنسبة لها أن تحظى بصفقة عبر شركة توتال لاستخراج النفط أولويّة لا تنافَس. وفي السياق نفسه تسعى لوصول رئيس إلى بعبدا تحت قنطرة رضى حزب الله أوّلا.

وليس ربط تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان بانتخاب رئيس أوّلا، بصرف النّظر عن القانون والدستور القابلَين للاجتياز دائما، سوى إقرار بأنّ الإجماع السياسيّ، حول أيّ مسألة تفترضه، غير ممكن.

إنّ زمن التطبيع الأسود سيستمرّ، والقطاع العامّ في الدولة يشهد موته السريريّ، إذ لا قدرة ماليّة لإنقاذه، ولا قدرة سياسيّة لتنقيته وإعادة بنائه بالشكل المنتج. وليس لنا سوى انتظار حصاة مفاجِئة تحرّك مياه بركتنا اللبنانيّة، وتُوحي بجديد ما


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa