رحلة البحث عن قاتِل توافُقيّ

06/08/2023 12:02PM

كتب قزحيا ساسين في "السياسة":

مرّت ذكرى تفجير الرابع من آب الثالثة متوَّجة بالحزن والخيبة. لقد استنفرت وسائل الإعلام، والسياسيّون على مختلف انتماءاتهم، وأمطرونا كلامًا جميلًا، غير أنّه بِلا رصيد. جميعهم يستنكرون، ويتضامنون مع أهل الضحايا والمصابين. حتّى المتَّهَمون يتضامنون، ويرغبون في إيجاد قاتِل توافُقيّ. فالتوافُق عندنا ليس في استحقاق واحد، مثل انتخاب رئيس للجمهوريّة، إنّما هو سيّد الموقف في كلّ الاستحقاقات، ومنها القضائيّة.

إنّ تطويق القاضي طارق البيطار، وعزْلَه عمليّا، من المؤشّرات الكافية، ليفهم الرّأي العامّ المحلّيّ والدّوليّ، أن لا قضاء في لبنان يستطيع السَّير بقضيّة من حجم تفجير مرفأ بيروت، وصولا إلى الحقيقة. وإذا برَز قاضٍ حُرّ وشجاع مثل طارق البيطار، ينقسم القضاء حوله قسمَين: واحدًا يواجهُه بشراسة، خدمةً للسياسيّين، لا سيّما المتّهمين منهم، وآخر يقف متردّدا، عاجزا عن تشكيل جبهة قضائيّة حُرّة.

لقد بات واضحا أن لا خيار أمام أهل الضحايا سوى الاتّجاه نحو القضاء الدّوليّ. لكنّ القضاء هذا يحتاج أيضا إلى رافعة سياسيّة دوليّة، تسهّل عمله. بينما نحن نشهد اليوم تبدّلا جذريّا في السياسات الدوليّة، وليست مألوفة رؤية أميركا وإسرائيل وإيران وسوريا وأوروبا في خنادق مشترَكة، بوضوح فرَضَته المصالح الاقتصاديّة. ما يعني أنّ كلّ ما هو دوليّ، وإن يكن أقلّ سوءا من المحلّيّ، لن يكون آتيا بالمياه إلى طاحونتنا بِسحر ساحر. ولا شكّ في أنّ كلّ المؤسّسات الدوليّة، تعمل ببطء شديد، ولا يعني إعلان تبنّي القضايا أنّ الأحكام ستصدر بين ليلة وضُحاها.

ومؤسف أن نرى كلّ القوى السياسيّة تتفرّغ للتسويات والمحاصصة، على حساب بناء دولة المؤسّسات والسّعي للمواطَنة الحقيقيّة، بعيدا من الزبائنيّة السياسيّة، والدينيّة. وبنظرة موضوعيّة، نرى الأحزاب "السياديّة" لم تعد تجرؤ على ملء الساحات، بعدما فشِلَت في ركوب موجة الثورة، وخافت على نفسها منها، فأصبحت من مضطهدي الثوّار بدرجة لا تقلّ عن اضطهاد فريق الممانعة لهم.

في لبنان، تسقط القضايا المحقّة الواحدة تِلوَ الأخرى. فقضيّة تفجير مرفأ بيروت تتحوّل سنة بعد سنة إلى قضيّة يراهن الكثيرون أنّها ستنتهي بالنّسيان، بحكم مرور الوقت وتعب أصحاب الحقّ. ومِثلها قضيّة توطين النازحين السوريّين عندنا، ففرنسا تصوّت في الاتّحاد الأوروبّيّ على بقاء النازحين في لبنان، واللبنانيّون يستقبلون الموفد الفرنسيّ لودريان، ليساعدهم على اختيار الرئيس التوافقيّ. ليس عندنا مَن يقول لا. وليس عندنا مَن ليس يعتمد ازدواجيّة المعايير والانفصام في المواقف. فعلى سبيل المثال، يطالب حزب القوّات اللبنانيّة بتدويل قضيّة المرفأ، في حين أنّ النائب جورج عدوان تولّى رئاسة لجنة الإدارة والعدل النيابيّة هديّة من الرئيس برّي بالتزكية، وفيها مطلوبون للعدالة في جريمة تفجير مرفأ بيروت. 

أصبح اللبنانيّون المنكوبون ناضجين في معرفة قاتِلهم. يستطيعون معرفته، لكنّهم يعجزون عن محاكمته. وقد تطول هذه المأساة كثيرا، لأنّها مرتبطة بالمنظومة الفاسدة، الحاكمة سعيدة لسنوات عديدة بعد.


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa