كرسيّ بعَبدا... على كوع الكحّالِه

كتب قزحيا ساسين في "السياسة":

كلّ ما يحاول الموفَد الفرنسيّ، جان إيف لودريان، فِعلَه، هو خدمة مصالح فرنسا المادّيّة في لبنان، من خلال سعيِه الدائم للوصول إلى مرشّح رئاسيّ، يحظى بتأييد حزب الله ومَن يدور في فضائه من فريق الممانعة.

لا شكّ في أنّ حادثة الكحّالِه، جعلت أكثر من طرف سياسيّ ينزلق على الكوع، وفي الوقت نفسه عزّزت مواقف ومواقع أطراف سياسيّة أخرى، لكنّ المشهد السياسيّ الرئاسيّ لم يتغيّر، ولايزال شدّ الحبال في مَنحاه السّابق.

إنّ الذين يراهنون على موقف مختلف للنائب جبران باسيل، بعد مأساة كوع الكحّالِه، مخطِئون، فباسيل يضحّي برغبة مناصريه، وبآلامهم، بهدف تحسين شروطه ومكاسبه عند حزب الله. وفي هذا السياق سيواصل التفاوض مع المقاومة الإسلاميّة، فرع لبنان، وهو في إطار تعليقه على ما جرى في الكحّالِه، كأنّه يقول للسيّد نصر الله: لتكون البيئة المسيحيّة جزءا من البيئة الأوسع الحاضنة لحزب الله، لا بدّ من أن أكون أنا راضيا، لأعيد الغطاء السياسيّ المسيحيّ لسلاحك.

أمّا ما ظهَر من نقمة شعبيّة مسيحيّة، فهو ليس بجديد، لأنّ المسيحيّين، ومن ضمنهم العونيّون، يعلنون بشكل دائم رغبتهم في بناء دولة المؤسّسات، وليست المؤسّسة العسكريّة مستثناة منها. 

وما الكلام عن الفتنة سوى تهويل، يرمي إلى الإستثمار السياسيّ. والجميع يعلمون أنّ الحرب تتطلّب فريقَين مسلّحَين، الأمر غير الممكن حصوله، باعتبار أن لا سلاح يستطيع خوض حروب إلّا سلاح المقاومة الإسلاميّة.

وإذا كان باسيل سيستثمرّ أحداث الكحّالِه، فإنّ قائد الجيش قد سبقَه في هذا الاتّجاه، إذ قبِلَ بالنّقمة المسيحيّة عليه، حين بدا مستجيبا لمطالب الحزب، بتغطية انسحاب عناصره من الكحّاله، وبتأمين نقل الشاحنة بكلّ ما فيها من ممنوعات، إلى المكان الآمن.

وأيّا تكن نتائج أحداث الكحّالِه، فإنّ حظوظ قائد الجيش الرئاسيّة تتقدّم على حظوظ باسيل، وما أثار نقمة الشارع اللبنانيّ المناهض لحزب الله وسلاحه، قد لا يكون الأساس الذي تستند إليه أميركا في الاستحقاق الرئاسيّ عندنا، لا سيّما أنّها هي أيضا تبحث عن تسويات مع إيران، وأتى ترسيم الحدود البحريّة المذلّ مع العدوّ الإسرائيليّ خير دليل، على أنّ زمن المحاصصات والمكاسب المادّيّة يتجاهل، وربّما طويلا، منطق القضايا المحقّة وكرامات الشعوب والأفراد.

لقد استطاع حزب الله سحب شاحنته بأمان وسلام، فهل سيستطيع الآخَرون نَقل كرسيّ الرئاسة من كوع الكحّاله إلى قصر بعِبدا؟