في ملف النافعة: هواة في موقع المسؤولية!

جاء في السياسة:

كان العام ٢٠١٩ عام بدء الانهيارات الفعلية في الدولة اللّبنانية وما أصاب كل مرافق الدولة أصاب النافعة في الصميم، لكنّ المواطنين لم يستشعروا ذلك لأنّ شركة "إنكريبت" أخذت على عاتقها تسيير العمل هناك وتأمين مستلزمات رخص السوق وتسجيل السيارات لثلاث سنوات ونصف من دون أن تتقاضى مستحقاتها. 

قبل أكثر من أسبوعين أُجبرت "إنكريبت" على التوقف القسري عن العمل لأنّ هيئة إدارة السير تعمّدت عدم حلّ مشكلة المستحقات وحاولت ابتزاز الشركة وتسيير أعمال النافعة على نفقة شركة خاصة يجب أن تستحصل على أموالها قانونًا حتى تستمر بعملها. وبذلك أقفلت النافعة أبوابها من دون أي يعرف المواطنون تاريخ استئناف العمل من جديد وما إذا كانت هذه الأزمة ستطول أكثر. 

وفقًا لمتابعين للملف عن كثب فإنّ الموضوع معقد للغاية، لأنّ هيئة إدارة السير تعتقد أنّ بإمكانها إخراج "إنكريبت" من المعادلة من دون أن تدفع لها مستحقاتها على أن يكون البديل عبر طلاب متطوعين. وحاليا، ارتأت الهيئة أنّ بإمكانها استعادة أيام الماضي والعودة إلى الورقة والقلم.

 هذا الحلّ كارثي والمصيبة الكبيرة تكمن في أنّه تبيّن أنّ بعض السيارات سُجلّت أكثر من مرّة في الفترة الأخيرة والفوضى التي حصلت. ويتوقف المتابعون عند هذه التطورات ليقولوا إنّ طريقة إدارة هيئة السير للملف برمته توحي وكأنّ في موقع المسؤولية هواة لا يعرفون أهمية عملهم ولا حقيقته. 

وردًا على ما يُحكى عن أنّ العقد الذي باشرت "إنكريبت" العمل بموجبه في النافعة ليس قانونيًا، نفى المتابعون أنفسهم ذلك في حديثهم لموقعنا. إذ شددوا على أنّ قرارات ديوان المحاسبة ومجلس شورى الدولة واضحة وقد أكدت قانونية المناقصة وبالتالي العقد ما يعني أنّ هذه الحجج ليست غير حرب إعلامية للضغط على الشركة الخاصة وابتزازها، مع التشديد على أنّ اللّجوء لمحاولة تشويه السمعة عوضًا عن دفع هيئة إدارة السير ما عليها لـ "إنكريبت" أمر معيب للغاية. 

وتجدر الإشارة إلى أنّ هيئة التشريع اعتبرت وقتها أنّ العقد مبرم ما يعني أنّ أمر مباشرة العمل يأتي انطلاقًا من دفتر الشروط من دون أن يعني ذلك أنّ لا عقد بين إدارة السير وشركة "إنكريبت" كما يُشاع.

وبالعودة إلى التسلسل الزمني، يتضح ما يلي: 

١. النيابة العامة لدى ديوان المحاسبة قامت بمراجعة كافة جوانب المناقصة من حيث احترام القوانين والانظمة النافذة واحكام دفتر الشروط بما فيها مضمون المناقصة ودمج المشاريع والمدة وكيفية اجراء المناقصة، واصدرت قرارًا في ٢٠١٤/١١/٣ مفاده حفظ القضية لعدم ثبوت ارتكاب مخالفات مالية تستدعي الملاحقة.

وحمل القرار إمضاء المدعي العام لدى ديوان المحاسبة القاضي فوزي خميس.

٢. هيئة التشريع والاستشارات اعطت استشارة في ٢٠١٥/٧/٢٨ حول امكانية اعطاء امر مباشرة عمل مؤكدة قانونية العقد المبرم والقرار الصادر عن مجلس ادارة هيئة ادارة السير بالموافقة على نتيجة المناقصة. كما أفادت بأنّ التلزيم لمدة سبع سنوات الحاصل بالاستناد الى دفتر شروط خاص موافق عليه من مجلس الوزراء هو صحيح في ضوء وجوب التمييز بين مدة العقد وضرورة تأمين الاعتمادات كل سنة في موازنة الهيئة. وبالتالي يمكن للهيئة اعطاء امر المباشرة للشركة الملتزمة على هذا الاساس اي ضمن الاعتمادات المرصودة علمًا انه بحسب هيئة التشريع يجيز النظام المالي للهيئة عقد نفقة لا تتوفر لها اعتمادات. وقد حمل القرار توقيع رئيس هيئة التشريع القاضي ماري دنيز المعوشي. 

٣. النيابة العامة التمييزية درست ملف المشروع والمناقصة بكامله في العام ٢٠١٨ بناء لإخبار مقدم من النائب زياد اسود، خلصت فيه النيابة العامة الى اصدار قرار الحفظ رقم ٧١٠٢/م/٢٠١٨ بتاريخ ٢٠١٩/٧/٢٤بعد التأكد من عدم وجود اي اخلال بمبدأي المنافسة والمساواة.

البلبلة حصلت حين تراجع ديوان المحاسبة عن قرار صادر عنه وأصدر قرارًا مغايرًا قبل سنة ويُرجح أن يكون ذلك قد حصل بعد تدخل سياسي. 

لأنّ قانون المحاسبة العمومية واضح لجهة ان العقود الادارية يمكن ان تكون قائمة حصرًا على دفتر الشروط في العقود الناتجة عن مناقصات. كما انه يمكن ان يجري التعاقد إمّا بموجب عقد أو عبر تعهد يذيل به صاحب العلاقة دفتر الشروط الخاص أو من خلال عرض من صاحب العلاقة يوافق عليه المرجع المختص او تبادل مخابرات بين صاحب العلاقة والمرجع المختص وفقا للعرف التجاري. 

إلى ذلك، يتضح في البحث أنّه يبقى على شركة "إنكريبت" تنفيذ أمرين مباشرين حتى ينتهي العقد معها مع الإشارة إلى أنّ أمر مباشرة العمل الذي صدر عن هيئة إدارة السير في العام ٢٠٢٠ لم يحدد الكميات اسوةً بأمر مباشرة عمل العام ٢٠٢١. وبمعنى أوضح لا يمكن للشركة المباشرة بالتنفيذ من دون تحديد الكميات كونه يقتضي تحديد الموجبات التعاقدية مسبقًا لتقوم الشركة بتنفيذها اصولًا. وهذا يكفي لتحديد المسؤوليات في هذه المشكلة التي يعاني المواطنون من تداعياتها المرهقة.