بشرّي انتخبَت... فهل جبران خليل جبران في أمان؟

31/08/2023 11:38AM

كتب قزحيا ساسين في "السياسة":

جبران خليل جبران، ولدته أمُّه كاملِه رحمِه مرَّتَين: واحدة مثل كلّ الأمّهات، وثانية، عندما حملته بين جناحيها من بشرّي إلى أميركا. وما بقاء جبران على قيد الحياة الدائمة إلّا بفضل ولادته الثانية، لأنّه لم يكن يستطيع قول كلمته هُنا، تحت ذقن السفّاح المتمثّل بالإقطاع السياسيّ والدّينيّ، وهو الحُرّ الذي لم يكن أحد يسبقه أو يجاريه في مواجهة هذا الإقطاع.

أوصى جبران بأن يعود ما يأتي به إبداعُه من مال إلى أهل مدينته بشرّي، لمساعدتهم في شراء القلم والخبز... وفي سياق تنفيذ وصيّة جبران تأسّست لجنة جبران الوطنيّة، في لبنان، ونالت العلم والخبر سنة ١٩٣٤. وهي تضمّ ١٥ عضوا يمثّلون عائلات بشرّي، أمّا الهيئة الناخبة فهي المواطنون البشرّاويّون استنادا إلى لوائح الشطب، كما في الانتخابات النيابيّة والبلديّة، ومدّة ولاية اللجنة أربع سنوات. وتجدر الإشارة إلى أنّ لكلّ الهيئة الناخبة حقّ الاطّلاع على ما تقوم به اللجنة لا سيّما على مستوى الميزانيّة وما يدخل إلى الصندوق وما يخرج منه، وكيف، ومتى، ولماذا... 

تمّت انتخابات لجنة جبران الأحد الفائت بنجاح، في ظلّ الديمقراطيّة والرّقيّ، وكان الفوز للائحة "نحو المئويّة الثانية"، المدعومة من حزب القوّات اللبنانيّة، على لائحة "كاملِه رحمِه" المدعومة من المستقلّين والتغييريّين، وقد نالت ٢٢ في المئة من الأصوات. 

ولولا لائحة "كاملِه رحمِه" لما كان انتخاب، باعتبار أنّ الفريق الأقوى سياسيّا يستمرّ ممسكا باللجنة إلى أن يظهر فريق أقوى منه فيحلّ محلّه. والدليل على ذلك أنّ اللجنة لم تشهد أكثر من انتخابين أو ثلاثة منذ تأسيسها. فقبل أن تصير في عهدة القوّات اللبنانيّة سنة ٢٠٠٥، استمرّت منذ تأسيسها في عهدة الإقطاع السياسيّ التقليديّ، الذي كان يتقاسم الحصص على مستوى العضويّة في التفاهم مع العائلات.

ولا شكّ في أنّ جبران الذي نجّته أمّه من الإقطاع حيًّا، لم ينجُ منه بعد عودته ترابًا إلى مسقط رأسه بشرّي. لأنّ لجنته تحوّلت منبر "كباش" سياسيّ، سواء زمن الإقطاع التقليديّ، أو زمن الإقطاع الحزبيّ الحديث.  ومن البديهيّ ألّا تكون لجنة جبران في قائمة أهداف أهل السياسة، مثل المقاعد النيابيّة، والبلديّات. فهي ذات طابع ثقافيّ وإبداعيّ، ومن المفترض أن تكون ملتقى أهل الأدب والفنّ والفكر في بشرّي والجبّة، أوّلا، وبالتالي على مستوى لبنان كلّه. وعليه، فإنّ هذه المسألة تتطلّب إجراءات وطروحات متجرّدة وموضوعيّة بعيدا من التجاذب السياسيّ. فمن غير المقبول اليوم ألّا تكون الهيئة الناخبة للّجنة مؤلّفة من حملة الإجازات الجامعيّة وأصحاب العلم والإبداع، لأنّ مَن ينتخب "جبران" بالمعنى الذي يجسّده يجب أن يكون مؤهّلا، وإلّا فإنّ النتائج ستبقى مظَهِّرة للأحجام السياسيّة، لا للخطوات التي يجب أن تحصل من حيث نموّ بشرّي والجبّة ثقافيّا ومعرفيّا وإبداعيّا...

ليس من مفاضَلة بين المرشّحين في انتخابات لجنة جبران، وإن تمايزوا في مجالات مختلفة من العلم والمعرفة والاختصاص، فهم أبناء بيت واحد، ووجدان واحد، غير أنّ المشكلة هي في كيفيّة الوصول إلى اللجنة، وهذه الكيفيّة تحدّد إن كان "جبران" في خير وأمان أو لا.

وطالما أنّ لجنة جبران تُعتبَر من ضمن غنائم أهل السياسة لن يكون "النبيّ الحبيب" راضيا، فمتى سيستطيع أهل مدينته إرضاءه؟


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa