ميلاد لبنان... وآلام جنوبِه

30/12/2023 09:56AM

كتب قزحيا ساسين في "السياسة":

مرَّ الميلاد هذا العام مَوشوما بالغصّة، وبوجع الفقر والتشرّد والحاجة. لا الشوارع ولا الساحات تحوّلَت أيادي من الزينة والأضواء تفتح شبابيك العيد، ولا الصّدور تتّسع لأكثر من الصلاة والقهر. وإذا كان لبنان بصورته العامّة غير مؤهّل للفرح، فكيف، إذًا، جنوبُه المفتوح ساحة حرب، لا ناقة لأهله فيها ولا جَمل؟

من الجنوبيّين، لا سيّما أهل البلدات التي على الحدود مع العدوّ الإسرائيليّ، مَن بقي في بيته ومَثّلَ العيد وطقوسَه مع أولاده وأهله العجزة، تحت غيم ثلاثيّ المطر، فإن لم يُنزل ماء أنزل قذائف وصواريخ، وإن صام قليلا عن الماء والنار أنزَل خَوفا. ومن أهل الجنوب مَن ترك بيتَه، مع بداية "طوفان الأقصى"، تحت رحمة الدمار والموت، وتشرِّد في وطنه بين بيت قريب ونسيب وصديق، أو بيت استأجرَه بصعوبة الحاجة وألم العوز، وكان العيدُ عابرا غريبا لم يستَهدِ إليه.

إنّ لبنان اليوم لبنانان بامتياز: واحد تحت سلطة مباشرة من حزب الله، يَسيد ويَميد فيه حرّا، وآخَر ليس أفضل حالا، غير أنّه أقلّ مأساةً على مستوى دورة الحياة ونشاطاتها اليوميّة.

ولا شكّ في أنّ هذين اللبنانَين، يمكن أن يصيرا لبنان واحدًا، بين ليلة وأخرى، ليتوحّدا بالمعنى السلبيّ والكارثيّ، فتَكبر غيمة النار جنوبا وتغطّي كلّ وطننا، وهذا -لا سمح الله- يخضع لحسابات المقاومة الإسلاميّة، فرع لبنان، ومشيئة ولاية الفقيه في طهران.

عمليّا، إنّ جنوب لبنان أرض لم تعد صالحة للحياة الطبيعيّة، لأنّ استقرارها وسلامها ومدارسها وأشغالها... معطّلة إلى أجل غير مسمّى، وقد تنطفئ نار غزّة، وتبقى نارنا مشتعلة، فمَن يعرف ماذا يُخَطَّط إسرائيليّا ودوليّا، لما بعد انتهاء نتائج "طوفان الأقصى"؟ ومَن يضمَن هدنة طويلة الأمد بين أميركا وإيران، ومَن يقف على ضفّة كلّ منهما؟ ومَن يملك مَجسَّم الشرق الجديد؟ أو العالم الجديد؟...

إنّها أسئلة صعبة الإجابة علينا، وتحديدا على زعماء السياسة وأباطرتها عندنا، المتفرّغين لتكديس الثروات والتبرّؤ حتّى من أوجاع الناس الذين طوّبوهم وكرّسوهم آلهة على العروش.

إنّ المسألة اليوم تتخطّى القرار الدوليّ ١٧٠١، والقدرة على تطبيقه، كما تتخطّى أيّ قرار دوليّ مشابِه، لأنّ من السهل إصدار قرارات دوليّة، ومن الصعب، وربّما من المتعذّر تطبيقها في ما يخصّ لبنان. وذلك، لأنّنا في دولة سائبة، بلا سلطة سياسيّة قادرة وفاعلة، في حين أنّ حزب الله، المقصود تحجيمه وردعه بالقرارات الدوليّة، هو السلطة الأقوى في لبنان، وإلى أن يأتي زمن استرداد الدولة اللبنانيّة من السلطة الخارجة عنها وعليها، علينا، ما استطعنا، أن "نَتَموَّن" انتظارا.


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa