النازحون بين المياه الدّوليّة... وطاحونة الأسد

03/02/2024 02:26PM


كتب قزحيا ساسين في "السياسة"

لم يكُن انسحاب جيش الاحتلال السّوري من لبنان، بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بِرضا الرئيس السوري بشّار الأسد، غير أنّ الغلَيان الشعبيّ اللبنانيّ الاستثنائيّ التقى مع الظروف الدولية المؤاتية، وخرج الأسد بسلاحه وجيشه مُرغَما.

وها هو النظام السوريّ نفسُه، عندما طُوِّق في أحداث سوريا، التي لم يعد قادرا على التحكّم بكلّ مفاصلها، يُرسِل مُواطِنيه إلى لبنان بتشجيع ومبارَكة. فهو عمليّا يتخلّص من مُناوِئيه الذين يعتبرهم مقاتلين ضدّه في سوريا، ويسمح للآخرين أيضا باللجوء إلى لبنان لغايات اقتصاديّة، وأصبح معروفا بوضوح أنّ استفحال الأزمة الاقتصاديّة غير المسبوقة في سوريا سيبقى مضخّة بشريّة صوب لبنان، لن تتوقّف ولَو فاق النازحون السوريّون اللبنانيّين عددا.

لقد ارتاح المُمانعون اللبنانيّون الساكتون لكلام "السياديّين"، الرافض للنزوح غير المبرّر والمهدّد لبنان كيانيّا وديموغرافيّا وهويّة، ليحافظوا بِصمتهم على العلاقة الجيّدة مع الأسد، باعتباره وإيران شريكَين وحليفَين في حرب واحدة. أمّا "السياديّون" فقد استغلّوا مسألة الفراغ الرئاسيّ، لتكون قضيّتهم الأولى والوحيدة، ولم يعملوا جدّيّا، وبشكل فاعل على الأرض، لمواجهة قضيّة اللاجئين وإيجاد الحلول المناسبة لها، وهم في هذا التخاذُل يُطيعون المجتمع الدوليّ والأمم المتحدة التي تساير الأسد، وتعتبر عودة اللاجئين إلى ديارهم مسألة غير ممكنة وغير منطقيّة، في حين أنّها تتجاهَل اتّجاه لبنان يوما بعد يوم نحو فقدان هويّته وصورته المعروف بها، منذ إعلان دولة لبنان الكبير.

وصارت الحاجة ماسّة اليوم، لتوضيح دلالة بعض المصطلحات في الخطاب السياسيّ عندنا. فعلى سبيل المثال، ماذا تعني كلمة احتلال؟

أليس ارتفاع عدد اللاجئين السوريّين الذي قارَب المليونَين احتلالا؟ لا سيّما أنّه يتمّ بدعم ماليّ من مؤسّسات الأمم المتّحدة الإنسانيّة، ويُغَطَّى بخطاب سياسيّ يتخطّى الخطاب الإنسانيّ بمَفاعيله على أرض الواقع.

ومَن يستطيع ضبط أوضاع اللاجئين بشكل قانونيّ عندنا، وتنظيم وجودهم، طالما أنّ سلطتنا السياسيّة الفاسدة لا تملك أيّ قرار بالحلّ أو بالرّبط، لا سياسيّا ولا أمنيّا؟

لا شكّ في أنّ البعض من اللبنانيّين وكذلك البعض من السوريّين سيقاربان مسألة اللجوء بشيء من العنصريّة، لأسباب كثيرة، ومنها مأساة الحرب اللبنانيّة... إلّا أنّ الكلام الموضوعيّ هو الذي يجب أن يكون طاغيا، وبشجاعة وصراحة كاملتَين، وقد تكون المشكلة مع الكثيرين أنّهم يعتبرون الشجاعة في قول الحقيقة شكلا من أشكال العنصريّة.

فهل سيأتي يوم، ويسحب الأسد شعبه من لبنان مثلما سحب جيشه سابقا؟ أم أنّ المياه الدوليّة ستعود تتدفّق بقوّة إلى طاحونته، وسنكون نحن من بعض طَحينِه غدًا؟


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa