متقاعِدون... أم شُهَداء بِلا راتب؟

08/02/2024 05:56PM


كتب قزحيا ساسين في "السياسة": 

إنّ مشهد الدموع النّازلة من عيون جنديّ لبنانيّ متقاعِد، أمام السراي الحكوميّ، نتيجة مواجهته بالقنابل المسيّلة للدموع، وهو يطالب بأبسط حقوقه، مشهد يدعو كلّ لبنانيّ إلى إنزال دمعته الطالعة من قلب موجوع.

ليس كثيرا على جنود لبنان الأوادم، الفقراء، أن تستقبلهم السّلطة بممثّلين لها من وزراء معنيّين، للتفاوُض وتبادُل الكلام بكلّ احترام، فهل هذا المشهد المؤثّر يشجّع أيّا كان من اللبنانيّين للانتساب إلى السّلك العسكريّ؟ وهل هؤلاء الجنود المتقاعدون يُعتبَرون بنظر الدّولة شُهَداء بلا راتب؟...

تتخبّط الدولة اليوم اقتصاديّا، وهي لا تملك الرؤية الواضحة للحلول، ولا القدرة على التخطيط لها، وفي الوقت نفسه لا تجرؤ على إعلان إفلاسها السياسيّ أيضا، وهو الأكثر خطورة، لأنّه السبب الأوّل لعدم قدرتها على اجتراح الحلول، ومواجهة الناس بصراحة وشجاعة.

ليس العسكريّون المتقاعدون وحدهم في مأزق وظَلامة، إنّما كلّ المتقاعدين في القطاعين العامّ والخاصّ، وواضح أنّ المؤسّسات الخاصّة ترمي الكرة في شبكة الدولة، وتعلن أنّ التشريع القانونيّ الصادر عن مجلس النوّاب يجب أن يكون الأساس. غير أنّ السلطة السياسيّة الغارقة في الفساد واللامبالاة تعتمد منذ بضع سنوات منطق المساعدات والحَوافز و"شَوفات الخاطر" لترقيع الأمور، ولا تصرّح بأيّ نيّة جدّيّة لإنجاز سلسلة رُتب ورواتب جديدة، تحلّ مشكلة الموظّفين الذين لا يزالون قيد الخدمة والمتقاعدين والذين ينالون تعويض نهاية الخدمة، في وقت واحد.

أمّا ما جرى اليوم مع جنود لبنان المتقاعدين، فهو حلقة مُوجِعة في سلسلة طويلة تطال اللبنانيّين كلّهم. ويبدو أنّ نشاط الإضرابات في مختلف القطاعات والأعمال لن يتوقّف، ولا شكّ في أنّه سيعيق أيّ محاولة لبداية نهوض اقتصاديّ، وبالتالي سينعكس سلبا على مستوى العلاقة بين السلطة وصندوق النقد الدوليّ، الذي لا يخفى عنه أنّ السلطة اللبنانيّة تلجأ إلى نظام ضرائبيّ يزيد المواطنين الفقراء فقرا، بينما هي تتجنّب أيّ إجراء مطلوب بإلحاح، مثل ضبط الحدود مع سوريا، وإعادة هيكلة المصارف، وتوحيد سعر الصرف للدولار الأميركيّ، وإطلاق يد القضاء بحرّيّة، والتحوّل نحو الاقتصاد المنتج...

إنّ الواقع يقتضي الانصراف إلى إعداد سلسلة رتب ورواتب جديدة تتناسب مع ما تَرتّب من تضخّم ماليّ نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار، وما عدا ذلك مُراوَحة واستمرار لما نحن فيه من مأساة وحرمان وعدم قدرة على وضع حدّ للتدهوُر الاقتصاديّ المخيف. إلّا أنّ المشكلة تبدو كبيرة عند السلطة، التي تحاول التخلُّص من القطاع العامّ بتَمويتِه شيئا فشيئا، ما يعني أنْ لا بَوادر لحلول على المدى المنظور، وأنّ ما حصل اليوم مع متقاعدي العسكر سيحصل مع غيرهم في الأيّام الآتية، والسلطة المطوَّقة العنق بألف سلسلة وسلسلة، ليست في وارد زيادة سلسلة عليها، ولا حلّ إن لم تكن هي أسيرة السلاسل والمحاسَبة، باعتبار أنّ مَن قتل شعبَه لن تكون قيامة هذا الشعب على يديه


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa