مسرحيّة السّلطة والمصارف... والضّحايا الدّائمون

17/02/2024 11:28AM

كتب قزحيا ساسين في "السياسة":

استطاع حاكم مصرف لبنان وسيم منصوري، في مستَهَلّ مسؤوليّته الجديدة، أن يُشعر الرأي العامّ اللبنانيّ بأنّه صفحة مصرفيّة جديدة، لا تحمل توقيع الحاكم السابق رياض سلامه.

وذلك بإعلانه إغلاق باب المصرف في وجه الحكومة حين تأتي إليه شاكية باكية، بهدف دَين لَن يُرَدّ، وهو عمليّا خُوَّة واستمرار سطوٍ على ما بقي من مال الناس.

وانتظر منصوري بعض وقت، وأصدر التعميم ١٦٦، الذي يسمح بسحب مئة وخمسين دولارا شهريّا، للمُودعين، إنّما بشروط كثيرة، مختَصَرُها أنّ مَن استفاد قَبلُ على مستوى الدولار الأميركيّ من المصارف، بمبالغ تصل إلى أرقام معيّنة، ليس له أن يدخل نعيم ال ١٦٦ المتواضع. فشعور رؤوس الناس مُحصاة في المصارف، ولا "حَلشة" أو سقوط شَعرة واحدة تحت ضغط النّهب المُقَونَن، إلّا بمشيئة أصحاب المصارف، المتمتّعين بغطاء سياسيّ شامل يقتل البَرد شتاء، ويُعطي أفخَم تكييف صيفا.

بدأت المصارف تحجّم وتختصر وجه الحاكم منصوري في المرآة الوهميّة، المشغولة بِيدَين اثنتَين: الأولى سياسيّة، والثانية مصرفيّة. ويسعى أهل المصارف بِسَطلهم ورَطلِهم لإهداء الدولة اللبنانيّة تَبِعات نكبة الودائع، من خلال إضافة ما يجب أن تتحمّله المصارف، التي لحمُ أكتافِها من المُودعين، الذين باتوا جِلدة على عَظْمة، إلى دَين الدّولة العامّ كي لا تعود وتَعوم إلى أبد الآبدين.

لم يعُد خافيا أنّنا نتعرّض مصرفيّا لاغتيال ثانٍ، والمؤشّرات لا تُحصى، والبداية هي خروج الحاكم السابق سلامه من مصرف لبنان مثل الشّعرة من العجين، وسكوت القضاء الدّوليّ عن ملاحقته بعدما علا صوتُه بالحقّ الذي نريد، لعلّ بتطويق سلامه يكون طرف الخيط الذي يُوصِل إلى جَرّ كلّ سلطتنا وسياسيّينا المرتكِبين والفاسدين إلى ساحة العدالة النّزيهة، لأنّ الناس على ثقة تامّة بأنّ الإبادة الماليّة الاقتصاديّة للشّعب اللبنانيّ لا يمكن أن تكون على يد مسؤول واحد، وإن يكن حاكما لمصرف لبنان سنوات كثيرة. واليوم، يعيش رياض سلامه بأمان، ويظهر في مناسبات معيّنة، كأنّه نسخة ثانية عن رياض الأوّل، وعليه، فإنّ غضّ النظر أمنيّا وسياسيّا وقضائيّا موجود بما يكفي.

وفي السياق نفسه، لا مصرف سُمِح بوصول يد القضاء إليه، ولا مصرف أعلن إفلاسه، ولا قدرة للمودعين على إحداث أيّ ثُقب في الجدار، ولا صوت يرتفع لنُصرة ضحايا المصارف من مراجع دينيّة أو سياسيّة...

كلّ ذلك يؤكّد أنّ المصارف بألف خير، والناس لم يعُد لهم خير واحد، ولا أمل أيضا بِنِصف خير.

المصارف تعرف ما للمُودِعين وما عليهم، وتتحكّم بكلّ مفاصل اللعبة السوداء، بينما الناس لا يعرفون شيئا عنها، لا ما يدخل إلى صناديقها ولا ما يخرج. كلّ ما هو معروف أنّ المصارف، ومنذ بداية ارتفاع سعر صرف الدولار في سوق الدولة السوداء، لم تجُع، ولم تُقفِل معلِنة إفلاسها مثل الناس الذين جعلتهم على الأرض يا حَكَم...

ما يعني أنّ المسرحيّة مستمرّة، أبطالُها القَتَلَة أهلُ السياسة والمال، وضحاياها الدائمون نحن... وأولادُنا.


شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

إشترك بنشرة الـ"سياسة"

أهم الأخبار و الفيديوهات في بريدك الالكتروني

إشتراك

تحميل تطبيق الـ"سياسة"

Playstore button icon Appstore button icon

تواصل إجتماعي

Contact us on [email protected] | +96176111721
Copyright 2023 © - Elsiyasa